«الجيش الحر» يعاني من نفاد ذخيرته

بعد تشديد الأردن ولبنان وتركيا الإجراءات على حدودها

متظاهرون سوريون ببنيش بإدلب يتظاهرون أمس بعد صلاة الجمعة ضد النظام السوري (أ.ف.ب)
TT

يعاني الثوار السوريون الذين يحاربون النظام بقيادة الرئيس بشار الأسد من نفاد الذخيرة، مع انقطاع إمدادات السوق السوداء وتشديد دول الجوار الإجراءات على حدودها, وعدم تحقق الوعود الدولية بتقديم المساعدات على أرض الواقع، بحسب قادة من الثوار وضباط منشقين اخترقوا الحدود التركية في الأيام الأخيرة بحثا عن أموال لشراء أسلحة. ويصفون الظروف البائسة التي يعيشها الثوار المسلحون بأسلحة خفيفة, الذين يفتقرون إلى التنظيم الجيد، والمؤلفون من جنود منشقين ومدنيين احتشدوا معا تحت اسم «الجيش السوري الحر» خلال الشهور الأخيرة.

وناشد الثوار لفترة طويلة العالم الخارجي التدخل العسكري وإمدادهم بالأسلحة لدعمهم في كفاحهم ضد النظام. لكنهم يقرون للمرة الأولى بأن الثورة، على الأقل الجانب المسلح منها، ربما يكون هشا في مواجهة هجوم منسق من جانب النظام، الذي يستهدف قمع الثورة المستمرة منذ عام.

«يوما بعد يوم، يواصل الجيش السوري الحر القتال، لكن تدريجيا، تنفد ذخيرتنا، وفي النهاية، سيتعين علينا مغادرة منطقتنا»، هكذا تحدث أبو يزن (26 عاما) وهو جندي منشق انضم لصفوف الثوار في الصيف، لكنه فر إلى تركيا هذا الشهر مع خمسة من رفاقه، بعد نفاد الرصاص لديهم في محافظة إدلب الشمالية.

ويعيش في أحد معسكرات اللاجئين المدنيين التي أقامتها الحكومة التركية، بين أعداد ضخمة من المقاتلين المنشقين الذين كانوا يظهرون بشكل يومي داخل مدينة أنطاكيا الحدودية وفيما حولها، ومع نفاد ذخيرتهم وتلاشي أملهم في أن ينقذهم المجتمع الدولي.

ومنذ خروج مقاتلي «الجيش السوري الحر» من حي بابا عمرو في حمص قبل أسبوعين، كان الثوار أيضا مطاردين داخل الدولة، حيث انسحبوا عبر رقعة أرض في إدلب ومن مدينة دير الزور الشرقية.

وكانت الانسحابات مدفوعة جزئيا بإدراك حقيقة أن الجهد المبذول لإحكام السيطرة على حي بابا عمرو كان بمثابة خطأ استراتيجي بالنسبة لقوة الثوار التي تفوق قوات النظام في التسليح، بحسب النقيب أيهم الكردي، متحدث باسم الجيش السوري الحر ومنسق يعيش في أنطاكيا. الذي قال: «في بابا عمرو، يقاوم المقاتلون بشكل جيد». وأضاف: «لكن ذلك تسبب في دمار شامل وفي وفاة عدد كبير من المدنيين. والآن، نحن نضع استراتيجيات لنتأكد من أننا لن نرتكب الخطأ نفسه مجددا».

وأضاف: «الثوار الآن ينسحبون مع أول إشارة دالة على أن النظام يستعد لشن هجوم ولقتل مدنيين وتأمين موارده». إنهم يخططون للتركيز على آليات حرب العصابات، مثل التفجيرات على جانب الطرق والأكمنة.

لكن حتى تلك الجهود تواجه تحديات، مع نفاد إمداد الذخيرة. في الكثير من أجزاء إدلب، التي تم تصويرها من قبل بوصفها منطقة آمنة محمية دوليا للثوار والمدنيين، تعين على الثوار تعليق عملياتهم ومحاولة الهروب.

ومع انسحابهم إلى المنطقة الجبلية النائية، بعيدا عن المناطق السكنية، حيث يعتمدون على تعاطف السكان في الحصول على الطعام والدعم، بات بعضهم يشعر أيضا بالجوع.

ومن بين المقاتلين الذين وصلوا مؤخرا إلى أنطاكيا، أبو مصطفى (35 عاما) رقيب أول من إدلب طلب عدم الكشف عن اسمه الحقيقي أو مدينته الأم نظرا لخوفه على أمن أسرته. قام بتلك الرحلة الخطيرة عبر الحدود الملغومة بعد نفاد الذخيرة لدى وحدته التي تضم بضعة رجال أثناء هجوم على إحدى نقاط التفتيش التابعة للجيش السوري، الأسبوع الماضي. وقال مصطفى إنه مع انسحاب الوحدة باتجاه مخبأ في الجبال، أصيب بحالة من الانهيار بسبب الجوع، وكان بحاجة للمساعدة ليشعر بالأمان.

«إننا لم نتناول طعام الإفطار، في نهاية فترة الظهيرة»، هذا ما قاله في مقابلة داخل واحدة من كثير من الشقق الصغيرة في أنطاكيا التي تم تأجيرها من قبل نشطاء سوريين. وأضاف: «لم تكن لدي طاقة حتى لمجرد المشي».

في اليوم التالي، رحل إلى تركيا طالبا مساعدة مالية من الجيش السوري الحر. قال: «أتيت لأخبرهم بأن ذخيرتنا تنفد ونحتاج إلى دعم سريع. فمن دون الذخيرة، سنلقى جميعا حتفنا».

قبل بضعة أشهر، مع تسارع اكتساب الثورة طابعا مسلحا، كان من الممكن شراء إمدادات سوق سوداء من الأردن ولبنان، وبكميات قليلة، من تركيا، على حد قوله هو ومقاتلين آخرين من الثوار.

غير أن تلك الحكومات قد شددت منذ ذلك الحين الإجراءات على حدودها، ومن بينها تعزيز القوات ونشر قوات شرطة لحراسة طرق التهريب المحتملة، على نحو يعرقل إمداد الثوار بالأسلحة. وعلى طول الحدود التركية، تتلألأ لفائف جديدة من أسلاك الكونسرتينا الشائكة في ضوء الشمس، التي تشكل جديلة مع الأسلاك البالية الصدئة بالسور القديم.

ويمثل العراق، الذي تعتبر القيود المفروضة على حدوده مرنة نسبيا، المصدر الوحيد لأسلحة السوق السوداء، بحسب مقاتلين سوريين. غير أن معظم الأسلحة الموجودة هناك تأتي من المخزون الاحتياطي المدفون المتروك منذ حقبة صدام حسين ومستوى جودتها ضعيف. تنفجر الرصاصات في مواسير البنادق وتعجز القذائف الصاروخية عن الانفجار، مما يجعل وحدات الثوار تتردد في شراء الأسلحة من العراق.

ومن جانبها، اتخذت السلطات السورية خطوات لعرقلة حصول الثوار على الأسلحة، بزرع ألغام أرضية على طول الحدود مع تركيا ولبنان والأردن والعمل من أجل إعاقة أكبر مصدر لدعم الثوار، وهو الجيش السوري نفسه.

غير أنه لا يزال من الممكن شراء ذخيرة من أعضاء فاسدين بقوات الأمن السورية والميليشيات غير النظامية المعروف باسم الشبيحة، بحسب مقاتلين من صفوف الثوار. غير أن الأسعار قد ارتفعت، حيث تبلغ تكلفة بنادق الكلاشنيكوف 2000 دولار للبندقية الواحدة، كما تصل أسعار الرصاص إلى 8 دولارات للرصاصة الواحدة في بعض المناطق، بعد أن كان سعرها يتراوح ما بين دولار إلى دولارين قبل بضعة أشهر.

وتبدو الأموال مشكلة أخف وطأة من الحصول على ذخيرة. وما زال السوريون المنفيون مستمرين في إرسال أموال إلى المعارضة والقيادة الفعلية للجيش السوري الحر، الخاضعة لحراسة تركية مشددة في معسكر عسكري خاص على أطراف مدينة أنطاكيا.

«يأتي المقاتلون إلى هنا متوقعين أن تمنحهم القيادة الأسلحة، لكننا لا نملك أي أسلحة. نحن نبذل قصارى جهدنا من أجل إمدادهم بالأموال، بحيث يمكنهم أن يحاولوا شراء أسلحة»، هذا ما قاله مالك الكردي، نائب قائد الجيش السوري الحر.

غير أن الوعود بتقديم الدعم المالي، وبالأخص من جانب دول خليجية، لم تتحقق بشكل فعلي على أرض الواقع، وحتى إن تحققت، فلن تكون للأموال قيمة، بالنظر إلى نقص الإمدادات، بحسب الكردي. إلا أن الثوار لم يفقدوا الأمل. فما زالوا موجودين بمواقع كثيرة بمختلف أنحاء الدولة، ويقولون إنهم يوسعون نطاق أنشطتهم في بعض المناطق التي لم تشهد نشاطا للثوار من قبل، من بينها حلب ومدينة القامشلي الكردية الشمالية الشرقية.

يبدو أن الانشقاقات بين الجيش النظامي مستمرة، حيث تشير تقارير قادة الجيش السوري الحر ووسائل الإعلام التركية إلى أن ستة جنرالات قد عبروا الحدود للانضمام إلى صفوف الثوار خلال الأسبوعين الماضيين، على الرغم من أنه لم يتم الكشف عن هوياتهم.

الجزء الأكبر من ترسانة الثوار مأخوذ من أسلحة أتى بها الجنود المنشقون معهم، لكن حتى ذلك قد أصبح يمثل مشكلة. فقد توقف النظام مؤخرا عن توزيع الأسلحة على الغالبية السنية من الأعضاء، قال أبو فارس (25 عاما)، مجند ظهر في معسكر اللاجئين المدنيين على الحدود التركية الأسبوع الماضي بعد تركه وحدته في دمشق، إنه لا يملك سلاحا لأن المسؤولين الأعلى منه مرتبة، الذين ينتمون للطائفة العلوية الأقلية، استولوا على الأسلحة.

وقال: «بالطبع أرغب في الانضمام للجيش السوري الحر. لكن ليس لديهم سلاح لي». وأضاف: «ما الذي سأستفيده من بندقية بلا رصاص؟».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ (« الشرق الأوسط»)