«هيومن رايتس ووتش»: النظام ينتهج سياسة منظمة في ارتكاب الانتهاكات

عضو تنسيقية القصير: النظام يدمر التاريخ عبر قصفه المواقع الأثرية.. والتقرير تجاهل قنص الأطفال

متظاهرون بالزبداني أمس في جمعة «قادمون يا دمشق» (أوغاريت)
TT

أكدت مصادر ميدانية في بلدة القصير الحدودية، أن المعلومات التي كشف عنها تقرير منظمة «هيومن رايتس ووتش» أمس، عن «انتهاكات خطيرة» ترتكبها القوات الحكومية في المنطقة المحاذية للحدود الشمالية اللبنانية، «صحيحة»، مشيرة إلى أن ما كشفه التقرير «ليس إلا جزءا يسيرا مما تقوم به القوات السورية خلال حملاتها العسكرية المتكررة على المنطقة».

وأوضحت المصادر، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، أن «عمليات القنص والقصف، اشتدت في الآونة الأخيرة، بعد انتهاء معركة بابا عمرو، فضلا عن الاعتقالات الواسعة بحق المعارضين الناشطين»، مرجحة أن يكون «قرار الحسم اتخذ بحق المنطقة، على غرار ما جرى في بابا عمرو وإدلب، حتى لو كان على حساب الأطفال والشيوخ والنساء».

وقال عضو تنسيقية القصير، أبو علي، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، إن الانتهاكات «طالت المواقع الأثرية حين بدأ يشعر النظام أنه آيل للسقوط، في مخطط لتدمير الحضارة السورية انتقاما من أبناء سوريا وبلدهم»، لافتا إلى أن القوات النظامية «قصفت جسر العاصي الأثري في القصير، وقلعة المضيق في حماه، وسوق حمص القديم، علما بأنه لا يوجد مسلحون في هذه المواقع، ولا يسكنها معارضون ولا موالون».

وأضاف: «ما لم يذكره التقرير أن الألغام التي يواصل الجيش النظامي زراعتها على الحدود، تستهدف الأطفال العزل والنساء والشيوخ الهاربين من العمليات العسكرية»، مشيرا إلى أن «نحو 70 في المائة من القصير باتت خالية من السكان، حيث نزح أبناء هذه المنطقة هربا من القصف العشوائي وعمليات الدهم المستمرة». وقال: «تشهد المنطقة حملة تهجير جماعية، ويعيش السكان مأساة حقيقية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لناحية افتقادهم للحاجيات الأساسية، وانتشار حالة الرعب، وقطع الاتصالات المتواصل، وفقدان المنطقة لأبسط مقومات الحياة».

وعلى الرغم من أن المنطقة عاشت أمس هدوءا حذرا، فإنها، خلال اليومين الماضيين، «شهدت أكثر الأيام رعبا وعنفا منذ انطلاق الثورة السورية». وقال أبو علي: «تعرضت المنطقة لقصف عشوائي بكل أنواع الأسلحة الثقيلة، واستهدف القناصة رؤوس المارة مباشرة من رجال وشباب وشيوخ وأطفال»، كاشفا أن «ما لم يتضمنه التقرير، هو استهداف القناصة للأطفال أيضا، وأصيبت الطفلة غفران (8 سنوات) بطلقة قناصة في قدمها، فضلا عن إصابة الطفلتين نور الهدى وقطر الندى بقذيفة مدفعية».

ونشرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» تقريرا على موقعها الإلكتروني أمس، قالت فيه «إن قوات الأمن السورية ترتكب انتهاكات خطيرة في حملتها العسكرية على بلدة القصير». وتحدث شهود في التقرير عن «قصف مكثف استهدف مناطق سكنية، وعن قناصة يطلقون النار على المواطنين في الشوارع، وهجمات استهدفت السكان الفارين». وأشار التقرير إلى أن المدينة تعيش «وضعا إنسانيا كارثيا شمل نقصا في الغذاء والمياه، وانقطاع الاتصالات، وغيابا شبه تام للمساعدات الطبية».

وتحدث في التقرير 18 شاهدا من القصير، منهم صحافي فرنسي أقام في المدينة من 8 إلى 15 مارس (آذار)، عن قصف عشوائي نفذته قوات الأمن، وهجمات استهدفت السكان الفارين، وقناصة أطلقوا النار على المواطنين. وأبرزت روايات الشهود، بحسب التقرير، «تطابقا بين ما يحدث في القصير والتكتيكات التي استخدمتها القوات الحكومية في إدلب وحمص، والتي قامت (هيومن رايتس ووتش) بتوثيقها، وهو ما يدل على انتهاج سياسة منظمة في ارتكاب الانتهاكات».

وقالت المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، سارة ليا ويتسن: «بعد أن فرضت قوات الأسد حصارا دمويا على حمص، تعيد استخدام نفس الأساليب الوحشية في القصير. وبعد رؤية الدمار الذي لحق بحمص، يتعين على الحكومة الروسية التوقف عن بيع الأسلحة للحكومة السورية، وتفادي المزيد من التورط في انتهاكات حقوق الإنسان».

ونقل تقرير المنظمة عن شهود في القصير قولهم «إن الهجمات التي تنفذها قوات الأمن السورية، بما في ذلك الاعتداء على المتظاهرين، وتدمير ممتلكات المواطنين، وشن غارات على المنازل، وعمليات القنص، قائمة منذ عدة أشهر، ولكن الجيش بدأ قصفه المكثف على المناطق السكانية منذ فترة تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر فقط».

وقال شهود آخرون، بعضهم أصيبوا خلال الهجمات، إن «الجيش لم ينقطع عن إطلاق عشرات القذائف من عيار 81 ملليمترا و121 ملليمترا على المدينة بشكل يومي منذ أواخر فبراير (شباط) الماضي»، مؤكدين أن «المدينة تعاني نقصا فادحا في الغذاء والماء، مع قطع جميع الاتصالات، وهناك غياب شبه تام للمساعدات الطبية، وهو ما تسبب في زيادة حالات الوفاة لأن الأطباء عاجزون عن معالجة الجرحى».

من جهته، قال مراسل قناة «فرانس 24»، ماتيو مابين، في التقرير، إن القصف «يتم بين السادسة صباحا والثانية ظهرا، ويتكرر في المساء، وكان الجيش في كل مرة يطلق بين 20 و25 قذيفة»، موضحا أن «الجيش السوري يستعمل قذائف هاون من عيار 81 ملليمترا من وحداته المتمركزة بشكل دائم وسط المدينة، ويستعمل قذائف من عيار 120 ملليمترا من وحداته المدفعية المنتشرة في جميع أنحاء المدينة».