مالي: الانقلابيون معزولون.. والاتحاد الأفريقي يعلق عضويتها

هدوء في باماكو.. والطوارق يواصلون تمردهم في الشمال.. والزعماء الجدد يريدون محاكمة الرئيس

سكان يتجمعون لشراء الوقود في محطة بالعاصمة باماكو، أمس، بعد أن تضاعف ثمنه منذ الانقلاب (رويترز)
TT

بدا العسكريون الذين أطاحوا بنظام رئيس دولة مالي أمادو توماني توري معزولين دوليا أمس، وسط تكثف الدعوات المطالبة بالعودة إلى النظام الدستوري، وإقدام الاتحاد الأفريقي على تعليق عضوية مالي حتى عودة النظام الدستوري في هذا البلد.

وفي هذه الأثناء، ظهرت الحركة ضعيفة في العاصمة باماكو أمس غداة الإعلان عن الانقلاب. فبخلاف المعتاد ظلت حركة المرور بطيئة جدا في الشوارع الكبرى للعاصمة التي فرض فيها الانقلابيون حظر تجوال بين السادسة مساء والسادسة صباحا منذ الخميس. ولم تفتح العديد من المتاجر أبوابها وكذلك الإدارات العامة ومعظم البنوك. وفي ساحة مبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، الذي تم تحويله إلى مقر قيادة الضباط المتمردين منذ الأربعاء، تكدست مختلف أنواع المسروقات من أجهزة تلفزيون إلى أجهزة كومبيوتر وقطع أثاث. ودعا العسكريون الذين استولوا على السلطة أصحابها إلى القدوم لاستعادتها.

ووسط هذه الأجواء، أكد قائد الانقلابيين الكابتن أمادو سانوغو، للصحافيين أمس، أن الرئيس المطاح به توري «في أمان» و«في صحة جيدة»، لكنه قال إنه يمتنع عن كشف مكان وجوده الآن. وأكد أيضا أن مسؤولي الحكومة «سالمون، ولن نمس بسلامة أي منهم»، لكنه أضاف «أؤكد لكم أنهم سيمثلون أمام الهيئات القضائية المختصة تحت أنظار الشعب المالي». ثم عبر عن أسفه «لعمليات التخريب، لكن كل شيء ليس من فعلنا»، في حين قام جنود بعمليات نهب في العاصمة حيث تم إحراق القصر الرئاسي جزئيا. ووعد سانوغو باستخدام «كل الوسائل اللازمة لإنهاء هذه التعديات».

وكان الكابتن سانوغو يتحدث أمام الصحافيين أثناء مقابلة في معسكر سوندياتا كيتا الذي جعل منه مقره العام في مدينة كاتي القريبة من باماكو. ولوحظ وجود العديد من العسكريين، لكن قلة ضئيلة من الضباط. كما كان موجودا إلى جانب قائد الانقلابيين نحو عشرين من عناصر الحرس الرئاسي. وقال سانوغو «عندما يمر خمسون عاما على وجود دولة ولا تتوافر للأسف للقوات المسلحة والأمنية الشروط الدنيا للدفاع عن الوطن، يصبح هناك خلل. ثم إن الجميع يعاني من غلاء المعيشة، وهذا يثير السخط. إن المدنيين تحدثوا وطالبوا، وهذا ما قادنا إلى هذا الوضع». وتابع «في الوضع الحاضر أوضح أننا لن نقوم بانتقال عسكري. ذلك الأمر سيعني الجميع»، في حين وعد الانقلابيون المنضوون داخل «اللجنة الوطنية لتصحيح مسار الديمقراطية وإقامة الدولة» أول من أمس بـ«إعادة السلطة» المدنية وتشكيل حكومة وحدة وطنية.

وأكد سانوغو «سأشكل لجنة مع الأخذ في الاعتبار جميع الأحزاب وكل مكونات المجتمع. نريد الإصلاح وسنحتاج لكل مكونات المجتمع المدني. سنجلس معا ونبحث الإمكانيات». وأضاف «لست رجل حرب، حتى إن بعض المجموعات (متمردي الطوارق) قد يقولون الآن إن الأمور تبدلت، ولنحاول الاقتراب من أولئك الموجودين في القيادة الآن». واستطرد «لست هنا لأجهز نفسي وأجهز الجيش المالي للذهاب لقتل كل ما هو في طريقه. لست رجلا من هذا النوع»، مؤكدا أنه يريد «التفاوض».

بدورها، أعلنت حركة تمرد الطوارق التي تسببت بشكل غير مباشر في الانقلاب العسكري الذي قام به جنود ضاقوا ذرعا من نقص الوسائل، أنها عازمة على مواصلة «هجومها» في منطقة تنشط فيها أيضا مجموعات إسلامية. وكتبت الحركة الوطنية لتحرير ازواد في بيان على موقعها الإلكتروني أنها تعتزم مواصلة تحركها لـ«إخراج الجيش المالي وإدارته من جميع مدن ازواد (شمال)» مهد الطوارق. وتؤكد حركة التمرد التي تسيطر مع مجموعات أخرى على بلدات عدة في شمال شرق مالي أنها استولت على مدينة جديدة في الشمال هي «مدينة أنافيس الواقعة على محور الطريق الوطني غاو - كيدال».

بدوره، علق الاتحاد الأفريقي أمس عضوية مالي حتى عودة النظام الدستوري في هذا البلد، وقرر إرسال بعثة مشتركة مع الرابطة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إلى باماكو للضغط في هذا المنحى على العسكريين الانقلابيين. وقال الدبلوماسي النيجيري بول زولو، الذي ترأس في أديس أبابا، حيث مقر الاتحاد الأفريقي، اجتماعا استثنائيا مخصصا للأزمة في مالي، للصحافيين إن مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد «قرر تعليق مشاركة مالي في كل أنشطة (المنظمة الأفريقية) حتى عودة النظام الدستوري فعليا». وأضاف رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي جان بينغ في ختام هذا الاجتماع أن وفدا يستعد الآن للذهاب إلى مالي في مهمة مشتركة للاتحاد الأفريقي والرابطة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا». وأضاف بينغ الذي «دان بشدة» الانقلاب في بيان باسم الاتحاد الأفريقي، أن الهدف هو «الذهاب إلى هناك لنقول لهم بالتأكيد إنه من الضروري إعادة النظام الدستوري». وقد غادر رئيس مفوضية الرابطة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا كادري ديزيريه أودراوغو من جهته عصر أمس واغادوغو متوجها إلى باماكو حيث سيجري محادثات مع الانقلابيين.

من جهتها، حاولت فرنسا الاتصال بالرئيس توري منذ الإطاحة به، لكن من دون نجاح، كما قالت وزارة الخارجية الفرنسية أمس، داعية الانقلابيين إلى ضمان سلامته. وردا على سؤال عما إذا كان الرئيس الذي أشرف على نهاية ولايته طلب اللجوء إلى إحدى السفارات أجاب المتحدث باسم الخارجية برنار فاليرو «لم يحدث ذلك على حد علمي». وكانت فرنسا القوة الاستعمارية سابقا طالبت منذ أول من أمس بوقف العنف في مالي والحفاظ على سلامة الرئيس وتسليم السلطة في أسرع وقت إلى مدنيين والعودة إلى الشرعية الدستورية. كما طلب وزير الخارجية آلان جوبيه بإجراء انتخابات «بأسرع وقت».

كما دان الاتحاد الأوروبي «بحزم محاولات الاستيلاء على السلطة بالقوة في مالي»، ودعا إلى «الوقف الفوري للعنف والإفراج عن مسؤولي الدولة». كما شدد على ضرورة «عودة حكومة مدنية وتنظيم انتخابات ديمقراطية كما كان مقررا».

وكانت انتخابات عدة مقررة في 2012 في مالي، منها انتخابات رئاسية واستفتاء دستوري في 29 أبريل (نيسان) المقبل. وقرر الاتحاد الأوروبي الذي يعد من الشركاء الرئيسيين لمالي أيضا «تعليق عمليات التنمية مؤقتا» في هذا البلد، باستثناء المساعدة الإنسانية.

ويأتي هذا الموقف ليضاف إلى الإدانات الدولية، خصوصا من الدول المجاورة لمالي، الجزائر والنيجر وموريتانيا، حيث انعكاسات الأزمة تبدو واضحة بقوة. فقد دانت موريتانيا والنيجر أمس الانقلاب في مالي المجاورة، وطالبتا بإعادة النظام الدستوري إلى هذا البلد. وقد تسببت المعارك في شمال مالي في نزوح أكثر من مائتي ألف شخص نصفهم تقريبا إلى هذه الدول، والمفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة «تراقب الوضع عن كثب». وفضلا عن ذلك تنخرط الدول المجاورة لمالي في مكافحة أنشطة «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» الذي له قواعد في شمال مالي حيث ينشط في الشريط الساحلي جنوب الصحراء الكبرى. وتقوم موريتانيا بانتظام بعمليات ضد تنظيم القاعدة.

وعبر الاتحاد الأوروبي عن «قلقه البالغ إزاء تدهور الوضع الأمني في منطقة الساحل»، وأكد تصميمه «على مساعدة بلدان» المنطقة «في جهودها لمكافحة الفقر والإرهاب والتطرف العنيف والجريمة المنظمة». وتواجه مالي منذ منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي هجمات الحركة الوطنية لتحرير ازواد ومتمردين آخرين من الطوارق، بينهم رجال مدججون بالسلاح قاتلوا مع نظام معمر القذافي في ليبيا. وكان جنود بقيادة الكابتن سانوغو قد أعلنوا أول من أمس الانقلاب على نظام الرئيس توري بعد مواجهات مع أنصاره في باماكو، حيث قتل ثلاثة أشخاص على الأقل برصاص طائش، بحسب منظمة العفو الدولية. واتهموا الرئيس توري وكذلك كبار مسؤوليه بعدم الكفاءة في محاربة المتمردين الطوارق والمجموعات المتشددة وبينها تنظيم القاعدة. ودعت الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي إلى «العودة الفورية للنظام الدستوري والحكومة المنتخبة ديمقراطيا» في مالي. كما أعلنت الصين أمس معارضتها للانقلاب العسكري ودعت للعودة إلى «الوضع الطبيعي» وحماية الوحدة الوطنية في هذا البلد، حليف الصين منذ استقلاله.