شرطة مكافحة الإرهاب الفرنسية تبدأ التحقيق مع شقيق قاتل تولوز

مراح قبل مقتله: 72 من «الحور العين» في انتظاري > انتقادات للمخابرات الفرنسية لفشلها في منع جرائم متشدد ينتمي لـ«القاعدة»

رجل يرتدي قناعا يعتقد أنه شقيق محمد مراح في طريقه إلى مقر أجهزة مكافحة الإرهاب الفرنسية في العاصمة باريس للتحقيق معه أمس (أ.ب)
TT

وصفت الحكومة الفرنسية الانتقادات الموجهة لقوات الشرطة الخاصة، لفشلها في القبض على محمد مراح منفذ حادثة المدرسة اليهودية بمدينة تولوز حيا، بأنها «ظالمة وذات دوافع سياسية».

وفي مقابلة له مع صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية الصادرة أمس، قال كلود غيان، وزير الداخلية الفرنسي الذي أشرف على العملية التي قامت بها الوحدة الخاصة في الشرطة الفرنسية، والتي انتهت أول من أمس بمقتل مراح، إن هذه الانتقادات مدفوعة بشكل واضح باعتبارات سياسية كما أنها غير مناسبة، مشيرا إلى أنها المرة الأولى التي تجد فيها فرنسا نفسها في مواجهة مع شخص ينفذ عملية إرهابية بمفرده. تجدر الإشارة إلى أنه قبل شنه للهجوم على المدرسة اليهودية كان مراح نفذ هجومين سابقين بمدينة تولوز ومونتوبان المجاورة، أسفرا عن مقتل ثلاثة جنود فرنسيين. ومع استئناف مرشحي الرئاسة حملاتهم الانتخابية في فرنسا، وجه بعض المرشحين سؤالا حول سبب فشل الشرطة في تحديد هوية مراح كمشتبه به في الهجومين اللذين أسفرا عن مقتل الجنود الثلاثة قبل شنه للهجوم الأخير على المدرسة اليهودية يوم الاثنين الماضي. من جانبه تساءل فرانسوا هولاند، مرشح الحزب الاشتراكي والمرشح الأوفر حظا في هذه الانتخابات وفقا لاستطلاعات الرأي، ما إذا كانت أجهزة الاستخبارات ارتكبت خطأ فادحا، وذلك بالنظر إلى أنها لم تضع مراح تحت المراقبة المستمرة منذ أن أجرت معه استجوابا في 2011 حول سفرياته إلى أفغانستان وباكستان. كما تساءل خبراء أمنيون عن السبب وراء عدم استخدام الشرطة الفرنسية للغاز في بداية عملية المداهمة للتغلب على مراح بدلا من الحصار الذي استمر لمدة 32 ساعة وانتهى بقتله في تبادل لإطلاق النار.

غير أن غيان قال إن استخدام مثل هذا النوع من الغاز للإيقاع بالمتهم في قبضة رجال الشرطة أمر غير مشروع طبقا للاتفاقات الدولية.

كما وصف فرانسوا فيون، رئيس الوزراء الفرنسي، الانتقادات الموجهة إلى الشرطة بأنها «غير لائقة». من جانبه، قال رئيس وحدة الشرط الخاصة التي نفذت عملية المداهمة لصحيفة «لو فيغارو» إن مراح قال لهم إنه «يريد لقاء الله و72 من الحور العين»، الأمر الذي «لم يكن معه أي حل آخر في النهاية سوى قتله».

وعن الفصل الأخير في عملية مداهمة المنزل الذي كان يتحصن به مراح، قال أموري دو هوتيكلوك، رئيس وحدة الشرطة الخاصة، إن مراح «برز كشيطان خرج من قمقمه»، حيث خرج من الحمام وهو يطلق النار تجاه أفراد الشرطة، فجرح اثنين. وأضاف أن الشرطة قتلته بإطلاق رصاصة على رأسه عندما وصل إلى الشرفة. وكان عبد القادر مراح، الشقيق الأكبر لمحمد مراح، ألقي القبض عليه الأربعاء الماضي بتهمة تقديم الدعم لشقيقه، وتم ترحيله وزوجته أمس إلى باريس. ومن المنتظر أن تصدر السلطات الفرنسية قرارا صباح اليوم إما باتهام أو الإفراج عن عبد القادر (29 عاما) المعروف عنه أنه أصولي، وكان قد تم التحقيق معه في 2007 بتهمة إجراء اتصالات مع جهاديين عراقيين، لكن لم توجه إليه اتهامات. إلى ذلك، نقل شقيق محمد مراح، أمس، لمزيد من الاستجواب بشأن المذبحة التي أثارت تساؤلات بشأن الأمن الداخلي قبل 4 أسابيع من الانتخابات الرئاسية الفرنسية. وقال مصدر مقرب من التحقيقات الجارية حاليا بعد مقتل مراح المشتبه به في قتل 7 أشخاص، من بينهم 4 في مدرسة يهودية، و3 جنود في تولوز جنوب غربي فرنسا، إن شقيق مراح، عبد القادر، نقل إلى باريس بصحبة صديقة له أمس للتحقيق معه بواسطة شرطة مكافحة الإرهاب. وقد شوهدت عدة شاحنات تابعة للشرطة وهي تغادر قسم الشرطة المركزي في تولوز بعد الساعة الثامنة صباح أمس. وقال مصدر قضائي إن عبد القادر وهو الشقيق الأكبر لمراح، الذي قتل في إطلاق للنيران يوم الخميس بينما قفز من نافذة شقته في تولوز، نقل بواسطة سيارة من ثكنة للشرطة في المدينة بجنوب غربي فرنسا إلى العاصمة مع صديقته. واعتقل شقيق المسلح وصديقته بينما كان يطلب المفاوضون مساعدتهما لإقناع مراح بتسليم نفسه. وذكر نفس المصدر أن من المرجح أن يفرج عن والدة مراح التي اعتقلت في نفس اليوم في وقت لاحق أمس نقلا إلى مركز للاعتقال بوكالة المخابرات الداخلية في باريس وسيمثلان أمام قاض لتحديد ما إذا كان هناك أساس لفتح تحقيق قانوني بشأن الصلات المحتملة بهجمات مراح. ويقول الادعاء إن الشرطة عثرت على متفجرات في سيارة يمتلكها عبد القادر. وهو معروف بالفعل لدى الأجهزة الأمنية لمساعدته في تهريب جهاديين إلى العراق في 2007. وقال برنار سوارسيني رئيس المخابرات الداخلية الفرنسية لصحيفة «لوموند» أول من أمس، إنه لا يوجد دليل على أن مراح ينتمي لأي شبكة إسلامية متشددة، وإنه تحول إلى التعصب من تلقاء نفسه فيما يبدو. غير أن المحققين لا يزالون يحاولون إثبات ما إذا كان الشاب الفرنسي من أصول جزائرية حصل على أي دعم لوجيستي أو آيديولوجي أو كان حقا يعمل من تلقاء نفسه.

ومن المعروف أن شقيق مراح وأخته درسا القرآن في مصر في 2010 وسبق أن وجدت الشرطة الفرنسية صلات بينهما وبين جماعة إسلامية متشددة تعمل انطلاقا من جنوب فرنسا ويقودها رجل فرنسي سوري المولد تصفه وسائل الإعلام الفرنسية «بالأمير الأبيض» بسبب لون شعره ولحيته. وحول إطلاق النار بؤرة النقاش السياسي بعيدا عن المصاعب الاقتصادية الفرنسية ولعب لصالح الرئيس نيكولا ساركوزي بينما يخوض معركة صعبة للفوز بولاية ثانية في انتخابات الرئاسة. وتظهر استطلاعات الرأي أن نحو ثلثي الناخبين يوافقون على تعامله مع الأزمة التي حولت منافسيه وأبرزهم المرشح الاشتراكي الأوفر حظا فرانسوا هولاند إلى مجرد متفرجين. واضطر رئيس وزراء فرنسا أول من أمس للرد على اتهامات بأن أخطاء المخابرات سمحت لشاب مسلم له سجل جنائي وتم رصده مرتين في أفغانستان بأن يصبح أول قاتل يستلهم نهج «القاعدة» ينفذ هجوما في فرنسا. وكثيرا ما اعتبرت أجهزة الأمن الفرنسية التي عززها صراعها مع متشددين إسلاميين من مستعمرتها السابقة الجزائر من أشد أجهزة المخابرات كفاءة في أوروبا حيث تمكنت من منع وقوع هجمات لمتشددين على الأراضي الفرنسية خلال الـ15 عاما الماضية. وأشار سياسيون معارضون، بينهم مرشحة الرئاسة عن اليمين المتطرف مارين لوبن، إلى أن إهمالا أو أخطاء سمحت لمحمد مراح (24 عاما) بشن 3 هجمات دموية في غضون 10 أيام قبل أن يتم تحديد هويته وموقعه ثم قتله.

غير أن رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون قال إن أجهزة الشرطة والمخابرات قامت بمهمة مثالية. وقال لإذاعة «آر تي إل»: «أعتقد أن حل قضية جنائية بهذه الأهمية في 10 أيام أمر لم يسبق له مثيل عمليا في تاريخ بلدنا».

من جهته، قال فرانسوا ريبسامين المتحدث باسم الشؤون الأمنية في الحزب الاشتراكي: «بما أن جهاز المخابرات الداخلية كان يتابع محمد مراح لمدة عام فكيف يستغرق منهم الأمر كل هذا الوقت لتحديد موقعه».

وتساءلت صحيفة «ليبراسيون» اليسارية في افتتاحية لها عما إذا كانت أجهزة المخابرات لم تسقط في «فشل ذريع»، كيف يمكن أن يهونوا من شأن الخطر المحتمل لشخص يعرفونه بالفعل. وقال ريبسامين إنه عقب قتل جنديين فرنسيين في مونتوبان قرب تولوز في 15 مارس (آذار) كان اسم مراح على قائمة من 20 شخصا للمخابرات الداخلية يتعين مراقبتهم عن قرب في منطقة بجنوب غربي فرنسا. لكن يبدو أن الجهاز فقد أثره. وتمكن المحققون من تعقبه يوم الثلاثاء اليوم التالي لقتله 3 أطفال وحاخاما بالرصاص عند مدرسة يهودية في تولوز. وقال وزير الداخلية كلود غيان إنه تم تحديد هوية مراح عندما حلقت طائرة هليكوبتر فوق منزله وخرج لينظر من النافذة. وقال غيان في مقابلة مع صحيفة «لو فيغارو» نشرت أمس: «إنه لا يمكن استجواب أناس لاعتناقهم أفكارا إجرامية». وأضاف: «لم تظهر عليه أو على أي ممن تردد عليهم قط أي علامة على كونهم يشكلون خطورة». وقال إن كثيرا من الأشخاص مدرجون على القوائم الأميركية بالممنوعين من ركوب الطائرات لمجرد أنهم زاروا دولا مثل باكستان.

وأضاف: «أذكركم بأن هذا الرجل كان فرنسيا وبالتالي كان من المستحيل منعه من التحرك في فرنسا».