خبراء سياسيون: المواطن المصري يسدد فاتورة الأزمة بين الحكومة والبرلمان

مصدر عسكري: نجري اتصالات مع دول شقيقة لتوفير الوقود

TT

بينما تكتظ الشوارع المصرية بمئات السيارات والحافلات أمام محطات التزود بالوقود، الذي شح مؤخرا في مصر فاتحا الباب أمام تجار السوق السوداء للعبث بالأسعار، تشهد العاصمة المصرية القاهرة اختفاء حافلات النقل العام من شوارعها ما فاقم أزمة المواصلات، هذا بالإضافة إلى تفشي مرض الحمى القلاعية الذي أصاب الثروة الحيوانية في مصر، تاركا أثرا سلبيا على أسعار اللحوم والأسماك والدواجن، وهي الأمور التي زادت من شعور المواطن المصري بالحنق والغضب من سوء الأوضاع المعيشية، وهو الغضب الذي زاد مع إحساس المواطنين بابتعاد البرلمان المصري عن مناقشة قضايا الساعة الملحة ومشكلات المصريين، ووضع شعبية الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية المسيطرة على البرلمان على المحك بعد أن ساءت الأحوال الاقتصادية، لكن خبراء يرون أن المواطن المصري وقع ضحية لتصفية حسابات بين الحكومة والمجلس العسكري (الحاكم) من جهة والبرلمان من جهة أخرى.

وصرح مصدر عسكري مصري، أمس، أن اتصالات مكثفة يجريها المجلس العسكري مع بعض الدول التي سماها «الشقيقة» للمعاونة في حل أزمة الوقود.

وتشكل الأحزاب المحسوبة على التيار الإسلامي وهي حزبا «الحرية والعدالة» الإخواني و«النور» السلفي، وأحزاب أخرى صغيرة نحو ثلثي مقاعد البرلمان المصري، بعد أن حازت أغلبية مريحة من أصوات المصريين في الانتخابات البرلمانية التي استمرت لنحو 3 أشهر، لكن مراقبين يقولون إن أداء الأعضاء المنتمين للتيار الإسلامي في البرلمان أدى لتراجع شعبية أحزابهم.

وعبر أكثر من شهر، دخل البرلمان المصري في صدام مع رئيس الوزراء كمال الجنزوري مهددا بسحب الثقة من حكومته، وحدث أكثر من تلاسن بين برلمانيين ووزراء أكدوا أن البرلمان ليس له سلطة سحب الثقة من الحكومة، وطرح حزب الحرية والعدالة الإخواني مرات عدة اسم أحد قياداته لتولي الحكومة، وهو ما رفضه المجلس العسكري مرارا، فيما قال رئيس الوزراء قبل يومين بلهجة تحمل تهديدا: «إن المجلس العسكري يمكنه حل البرلمان».

وقبل أسبوع، بدأت في مصر أزمة وقود الحافلات (السولار) التي امتدت بعدها بأيام إلى وقود السيارات (البنزين) ما ترك آلاف المواطنين أسرى في سياراتهم بانتظار الدعم بالوقود، وفرض الكثير من سائقي الحافلات الخاصة مبالغ إضافية على الأجرة النظامية مستغلين أزمة الوقود وعدم وجود حافلات النقل العام التي يدخل إضراب سائقيها أسبوعه الثاني دون بذل جهود واضحة للتوصل لحل، هذا مع استمرار أزمة أنابيب البوتاجاز التي تضاعفت أسعارها كثيرا إن وجدت.

وتنتج مصر نحو 90 في المائة من استهلاكها من البنزين، كما تنتج من السولار نحو 70 في المائة من استهلاكها وتستورد الباقي من الخارج.

وبعد نحو ساعة ونصف من الانتظار في محطة وقود، قال جمال عبد العال (35 عاما) سائق سيارة أجرة (تاكسي): «البرلمان المصري لا يهتم بمشاكلنا.. إنهم يناقشون مشاكل لا تخصنا على الإطلاق». وأضاف عبد العال، ذو اللحية الخفيفة، الذي قال إنه صوّت لحزب الحرية والعدالة في الانتخابات البرلمانية، «كنت أتخيل أن الحياة ستكون وردية معهم وأنهم سيجعلوننا نحيا حياة إنسانية كريمة ولكن شيئا من ذلك لم يحدث»، وقالت سميرة منصور، امرأة ثلاثينية بينما كانت تنتظر في ساعة متأخرة مع بناتها حافلة خاصة لم تأت أبدا، «الوعود الانتخابية لم يتحقق منها شيء.. الحال أصبح أسوأ».

وبعد شهرين من العمل البرلماني، كانت أبرز القوانين التي تم تقديمها تتعلق بحظر المواقع الإباحية، وآخر لتطبيق حد الحرابة، بالإضافة لمشروع قانون يحدد زواج المرأة عند 12 سنة وآخر لإلغاء الخلع، وهي القوانين البعيدة عن مشكلات الغالبية العظمى من المصريين، التي تتعلق بالبطالة وعدم توفير المسكن أو تلقي علاجا جيدا ومناسبا.

ويقول الدكتور أحمد عبد ربه، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهر، إن البرلمان لا يمكن محاسبته حاليا بسبب عدم اكتمال سلطاته إلا بعد كتابة الدستور، محملا مسؤولية الأزمات المتلاحقة على الحكومة أولا.

ويفسر عبد ربه لوم المواطن للبرلمان قائلا «المواطن انتخب البرلمان ويشاهد جلساته كل يوم وبالتالي يحمله حل كل الأزمات»، مضيفا «مع افتراض حسن النية هناك تقاعس واضح من المجلس العسكري والحكومة لحل الأزمة».

ودفعت القوات المسلحة صباح الجمعة بحافلاتها لنقل المواطنين بين الأحياء المختلفة نظير مبالغ زهيدة، ما استقبله المواطنون بود وترحاب شديدين، لكن مراقبين فسروا الخطوة بمحاولة «العسكري» كسب نقاط لدى المواطنين.

ويعتقد عبد ربه أن أزمة الوقود والتقاعس في حل أزمة سائقي حافلات النقل العام مفتعلة بشكل أو بآخر، وتصب في مصلحة المجلس العسكري والحكومة وفي غير صالح البرلمان، وذلك عبر إصدار أوامر بضخ حصص وقود إضافية أو تسيير حافلات تابعة للقوات المسلحة، وهو ما يزيد من دعم المواطن للمجلس العسكري ضد خصومه السياسيين.

وعبر عام من الثورة، حمل الإعلام الحكومي والحكومة، مظاهرات واعتصامات الثوار مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية وتوقف عجلة الإنتاج، لكن هذه المرة غابت المظاهرات وحضرت الأزمة، ويرى مراقبون أن الحكومة تريد إحراج البرلمان أمام الرأي العام عبر توضيح أن البرلمان غير قادر على حل الأزمات بل ويعطل عمل الحكومة عبر استدعائها المتكرر للبرلمان لمناقشة سحب الثقة منها.

ويقول الدكتور حازم حسني، الأستاذ بكلية الاقتصاد بجامعة القاهرة، إن هناك نوعا من التقاعس المتعمد من جانب المجلس العسكري والحكومة في إدارة الشؤون الاقتصادية وتحميلها لأي طرف آخر مثل الثوار أو البرلمان، وتابع حسني، في اتصال تليفوني: «من المفترض أن المسؤول عن الأداء الاقتصادي هو الحكومة، لكن أداء البرلمان المتضارب تجاه الحكومة بين شد وجذب.. يدفع البرلمان لصدارة المشهد وبالتالي يكون مسؤولا بشكل غير مباشر عن حالة القلق والاستقرار، التي تؤثر بالتبعية على الأوضاع الاقتصادية».