العقوبات العربية والدولية تحاصر النظام السوري.. وتمنع الأسد من حضور القمة العربية

شملت المسؤولين السياسيين والأمنيين وشركات النفط والغاز والإنتاج

انتفاضة الاحرار في بلدة حاس بادلب
TT

لم يسبق للنظام السوري المتربّع على عرش الحكم منذ أكثر من أربعة عقود، أن بلغ المأزق الأمني والسياسي والاقتصادي والدبلوماسي الذي هو فيه الآن. وإذا كانت براعة هذا النظام في إدارة الصراع مع دول العالم، لا سيما دول القرار منها، مكّنته من تجنيب رأسه مقصلة الإطاحة به كما حصل لصدام حسين في العراق أو لحكم طالبان في أفغانستان، فإنه أصبح أمام وضع لا فكاك منه بسبب العقوبات.

واستطاعت ثورة الشعب السوري التي أشعلها بضعة أطفال في درعا، وامتدت بسرعة هائلة في كلّ أرجاء سوريا، أن تزعزع كيان هذا النظام في الداخل وتضعه في عزلة عربية وعالمية غير مسبوقة، وتلقي به أمام حفنة عقوبات عربية وإقليمية ودولية لم يكن يتوقعها في يوم من الأيام، خصوصا أن هذه العقوبات التي تدرجت من نصائح الأشقاء والأصدقاء إلى التحذير والتنبيه مرورا بحظر السفر على ضباط وقادة أمنيين مسؤولين عن أعمال القمع، ومن ثمّ العقوبات الاقتصادية التي طالت المصارف وشركات النفط والغاز والصناعة، وصلت إلى رأس الهرم وتحديدا الرئيس بشار الأسد، الذي بات ممنوعا عليه حضور القمّة العربية المقررة في بغداد أواخر الشهر الحالي، وفق ما أعلن نائب الأمين العام للجامعة العربية أحمد بن حلي.

يوما بعد يوم، ومع ارتفاع منسوب الدم المتدفق في شوارع المدن والبلدات السورية، راحت النقمة العربية والعالمية تتراكم ضدّ نظام الأسد وأجهزته الأمنية والعسكرية، خصوصا بعدما فسّر هذه التحركات الشعبية المحقة على أنها مؤامرة كونية دبّرها العالم كلّه، باستثناء روسيا والصين وبضع دول أخرى مثل فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا ولبنان وإيران.

لم يستطع العالم أن يقف مكتوف اليدين أمام سيل الدماء ومشاهد قتل الأطفال وعمليات التعذيب حتى الموت وتحويل المؤسسات التربوية ودور السينما والنوادي الرياضية إلى معتقلات، وهذا ما أحدث تحولا في الموقف العالمي، إذ سارع الاتحاد الأوروبي مطلع شهر مايو (أيار) الماضي إلى فرض عقوبات على عدد من المسؤولين السوريين، من بينهم ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري، وابن خاله رجل الأعمال رامي مخلوف، ورئيس المخابرات علي مملوك، ووزير الداخلية محمد إبراهيم الشعار (الذي حمّله الاتحاد الأوروبي مسؤولية قمع المتظاهرين)، وعاطف نجيب المسؤول السابق عن الأمن السياسي، وحافظ مخلوف الذي يدير وحدة في المخابرات العامة ومسؤول المباحث العامة في دمشق والمقرب جدا من الأسد. وقضت العقوبات بتجميد الأرصدة المالية لهؤلاء المسؤولين، وحظرت دخولهم دول الاتحاد الأوروبي.

ومع تنامي عمليات القتل والاعتقالات واستخدام القوة العسكرية المفرطة في قمع الاحتجاجات، أصدر الاتحاد الأوروبي في شهر أغسطس (آب) الماضي لائحة اتهام جديدة شملت أسماء بارزة في الحلقة الضيقة من النظام السوري مثل: رئيس الأمن السياسي في سوريا محمود ديب زيتون، ورئيس الأمن السياسي في بانياس أمجد العباس، ورئيس قسم المخابرات العسكرية عبد الفتاح قدسية، ورئيس قسم المخابرات في سلاح الجو جميل حسن، ورئيس قسم المخابرات العسكرية في محافظة دمشق رستم غزالة، وفواز ومنذر الأسد. ثمّ تدرجت العقوبات الأوروبية على 12 مرحلة لتشمل الرئيس بشار الأسد ووزير خارجيته وليد المعلم، الذي قرر في أحد مؤتمراته الصحافية محو قارة أوروبا عن خريطة العالم، ثم تطورت هذه العقوبات الأوروبية لتشمل النفط السوري وحظر سفر الطيران والأسلحة والبنك المركزي السوري والمصارف والمؤسسات المالية.

وبمعزل عن التزامها بمقتضيات عقوبات الاتحاد الأوروبي، فرضت سويسرا عقوبات بشكل أحادي ضدّ سوريا في مطلع مايو الماضي، شملت 54 شخصية سورية وجمدت أموالها، أتبعتها في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بتجميد 50 مليون فرنك سويسري، أي ما يعادل 53 مليون دولار، عائدة لمسؤولين سوريين.. وذلك في إطار عقوباتها على السلطات السورية، ثم ألحقت بها أسماء 18 شخصية جديدة على لائحة السوريين الذين يحظر عليهم السفر إليها، وفرضت عقوبات على البنك التجاري.

وما لبثت أن وسّعت هذه العقوبات في السابع من فبراير (شباط) الماضي لتستهدف 75 مسؤولا سوريا و27 شركة ومؤسسة، وأكدت الأمانة العامة السويسرية للاقتصاد أن «القائمة ضمت وزير المالية محمد الجليلاتي ووزير الاقتصاد محمد نضال الشعار وشخصيات من قيادة الجيش وأفرع أجهزة المخابرات، باعتبارهم متورطين في ارتكاب أعمال عنف ضد المدنيين. كما ضمّت ست مؤسسات تعمل في مجال النفط هي ابلا بتروليوم، ودجلة، ودير الزور، والفرات، وجنرال بتروليوم، والسورية للنفط».

وبحسب الأمانة السويسرية للاقتصاد، فإن «خمسة بنوك هي السوري اللبناني التجاري، والتعاوني الزراعي، والادخار، والائتمان الشعبي، والصناعي، إلى جانب شركات متخصصة في الإلكترونيات والصناعات الهندسية، إضافة إلى مركز الدراسات والأبحاث السوري، لصلته الوثيقة بالجيش السوري، فضلا عن صحيفة (الوطن) السورية وتلفزيون الشام لتورطهما في تضليل الرأي العام والحث على العنف ضد المتظاهرين».

بالطبع لم تقتصر هذه الإجراءات العقابية على أوروبا، بل ترافقت مع عقوبات فرضتها أيضا الإدارة الأميركية على سوريا طاولت قطاعي النفط والغاز، وهدفت من ورائها واشنطن إلى تعميق العزلة المالية لنظام الأسد وإعاقة قدرته على تمويل حملة العنف ضد الشعب السوري، وشمل الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأميركي باراك أوباما في شهر أغسطس من العام الماضي: تجميد كافة أرصدة الحكومة السورية الموجودة في الولايات المتحدة، ومنع المواطنين الأميركيين من القيام باستثمارات جديدة في سوريا أو في تصدير الخدمات إليها، وحظر التصدير أو إعادة التصدير أو البيع أو التوريد بشكل مباشر أو غير مباشر، وعلى أي مواطن أميركي في أي مكان، منع أي مواطن أميركي أينما كان من التعامل بالقطاع النفطي في سوريا بما في ذلك شراء أو بيع ونقل أو تبادل أو سمسرة أو التصديق أو تمويل أو تسهيل أو ضمان كل ما يتعلق بالنفط أو المنتجات النفطية السورية المصدر.

وأتبعت هذه العقوبات المشددة بلائحة سوداء وضعتها واشنطن في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وضمّت شركات سورية، منها: المؤسسة العامة للنفط المملوكة للدولة التي تهيمن على صناعة النفط والغاز والمسؤولة عن التنقيب والاستثمار، وتطوير أنشطة التنقيب عن النفط والغاز في الحقول السورية، والشركة السورية للنفط المسؤولة عن منابع النفط وتطويرها، والشركة السورية للنفط والمواصلات والتي تدير خط الأنابيب الداخلي والمسؤولة عن نقل النفط والمنتجات النفطية، والتي تدير ثلاثة مرافئ يتم تصدير واستيراد النفط عبرها؛ وهي بانياس وطرطوس واللاذقية، وشركة الغاز السورية المسؤولة عن تجهيز ونقل وتسويق الغاز الطبيعي في سوريا، وشركة سيترول المسؤولة عن بيع خام النفط السوري للمشترين الأجانب.

وتبع ذلك إدراج واشنطن أسماء ثلاثة من مسؤولي النظام السوري ضمن القائمة السوداء للعقوبات الأميركية وهم وزير الخارجية وليد المعلم، ومستشارة الرئيس الأسد بثينة شعبان، والسفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي. وأخيرا وليس آخرا أدرجت وزارة الخزانة الأميركية، الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السوري على القائمة السوداء للعقوبات المفروضة على سوريا، بعدما اتهمتها بأنها تعمل كذراع للنظام السوري في تغطية وتشريع عنفه ومساعدته في دعم عمليات القمع التي تتهم واشنطن النظام في دمشق بتنفيذها.

أما العقوبات التي فرضها مجلس وزراء الخارجية العرب على النظام السوري، فكان لها وقعها القوي عربيا وعالميا، فبعد المناشدات العربية لهذا النظام بوقف العنف والإصغاء لمطالب الشعب، وبعد إخفاق المبعوثين في إقناع دمشق بوضع حدّ للحل الأمني، وعلى أثر فشل المراقبين العرب في إيقاف آلة القتل، فرض مجلس الجامعة العربية عقوبات شملت قيادات في النظام والاستخبارات ورجال الأعمال باعتبارهم مسؤولين عن أعمال العنف وتمويلها، وهم: وزير الدفاع العماد داود عبد الله راجحة، ووزير الداخلية محمد إبراهيم الشعار، ومدير الاستخبارات العسكرية عبد الفتاح قدسية، ونائب رئيس هيئة الأركان للشؤون الأمنية وصهر الرئيس بشار الأسد اللواء آصف شوكت، ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية في دمشق اللواء رستم غزالي، والعميد ماهر حافظ الأسد شقيق الرئيس بشار الأسد وقائد الفرقة العسكرية الرابعة، ومدير قسم الاستخبارات الجوية اللواء جميل حسن، ورئيس قسم الاستخبارات العسكرية في دير الزور اللواء جمعة جمعة، ورئيس وحدة الاستخبارات العامة في دمشق العقيد حافظ مخلوف، والمدير السابق للأمن السياسي في درعا اللواء عاطف نجيب، ورئيس الأمن الرئاسي ذو الهمة شاليش، ومحافظ درعا السابق فيصل أحمد كلثوم، ورجل الأعمال (ابن خال الرئيس الأسد) رامي مخلوف والمسؤولون في أجهزة الأمن السورية منذر جميل الأسد، وفواز جميل الأسد، وأيمن جابر ومحمد جابر. ووضعت الجامعة هذه الشخصيات السورية على قائمة الممنوعين من السفر إلى الدول العربية. كذلك فرضت عقوبات اقتصادية تمثلت بوقف التعامل مع البنك المركزي السوري، ووقف رحلات الطيران العربي من وإلى دمشق ووقف شحن البضائع والمواد الأولية إلى سوريا، واستثني من هذه العقوبات مجموعة من السلع مثل الحبوب ومشتقاتها والأدوية والمستلزمات الطبية والغاز والكهرباء.

ولم تكن عقوبات الجارة تركيا أقل وطأة على سوريا، إذ إن لامبالاة النظام السوري للنداءات المطالبة بوقف آلة القتل، دفعت بأنقرة إلى فرض حزمة عقوبات سياسية واقتصادية على دمشق، التي أضاعت كل الفرص، وبعد أن أدار نظام الأسد ظهره للمبادرة العربية لحلّ الأزمة، سارعت الحكومة التركية إلى إعلان عقوباتها التي شملت تعليق عمل مجلس التعاون الاستراتيجي الأعلى بين تركيا وسوريا حتى يتولى السلطة في سوريا حكم مسالم مع شعبه، وتجميد أصول الحكومة السورية في تركيا وفرض حظر سفر على مسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة السورية ومنع مرور كافة الأسلحة والتجهيزات العسكرية من دولة ثالثة إلى سوريا عبر تركيا وتجميد التعامل مع المصرف المركزي السوري. كما قررت تركيا أيضا تعليق اتفاق للتعاون مع سوريا، في حين استثنت من العقوبات تزويد سوريا بالكهرباء لأنها من احتياجات الشعب.

أما آخر العقوبات الغربية فجاءت من الحكومة الكندية التي أعلنت في 31 يناير (كانون الثاني) الماضي عقوبات ضد سوريا، تناولت أربعة مصارف وثلاث شركات نفطية بالإضافة إلى 22 شخصا معظمهم أعضاء في الجهاز الأمني. وطالت هذه العقوبات المصرف الصناعي وبنك التسليف الشعبي والمصرف الزراعي التعاوني ومصرف التوفير، وكلها مصارف حكومية، وشركة دير الزور للنفط وشركة ايبلا للنفط وشركة دجلة للنفط.

وقد جمدت أرصدتها في كندا بالإضافة إلى أرصدة 22 شخصا منعوا أيضا من الدخول إلى كندا ومن بينهم قادة كبار في الأجهزة الأمنية. وهذه كانت الخامسة من سلسلة العقوبات التي تبنتها كندا منذ مايو الماضي. واللائحة الجديدة شبيهة بشكل كبير باللائحة التي أعلنها الاتحاد الأوروبي، وطالت الإجراءات الكندية حتى الآن 108 أشخاص و38 مؤسسة حكومية.

وإثر نشر لائحة هذه العقوبات، قال وزير الخارجية الكندي جون بايرد: «نريد أن نتأكد من تطبيق كل الإجراءات لعزل هذا النظام الذي ندينه، ويجب أن يعلم الأسد وكل الذين يدعمونه أن الأمم التي تتطلع إلى السلام في العالم أجمع سوف تعمل معا لإنهاء نظامه القمعي». معلنا دعم الحكومة الكندية الحازمة «للجهود التي تبذلها الجامعة العربية من أجل انتقال سلمي للسلطة، وحث مجلس الأمن على دعمها».

ولم تقف أستراليا على الحياد أيضا، إذ أعلنت الحكومة الأسترالية دعمها تشكيل ائتلاف دولي لفرض المزيد من الضغوط على الرئيس بشار الأسد لحثه على التخلي عن السلطة. ووضعت 75 مسؤولا و27 مؤسسة على لائحة العقوبات، التي تنص على تجميد أصول الأفراد والشركات وفرض حظر سفر على المسؤولين، ثم أضافت إليها 34 مسؤولا و13 مؤسسة في سوريا، وأعلن وزير الخارجية الأسترالي كيفن رود أن حكومته «تدعم الجهود الدولية التي تدعو الأسد إلى التنحي وترك السلطة».