العراق يرى في القمة فرصة لإثبات حضوره خارجيا.. لكن ضعفه ينبع من داخله

الطائفية تحدد سياساته وتقسم صوته في الخارج وعليه نبذها لكي يعود دولة عربية مستقلة

شرطي عراقي وكلبه يفحصان أمتعة عند نقطة تفتيش في بغداد أمس (إ.ب.أ)
TT

خلال اجتماع القمة تاريخية التي تعقد في بغداد هذا الأسبوع، سيفاجأ القادة العرب بلمحات من العراق الجديد تم اختيارها بعناية، بدءا من ردهات الفنادق المتلألئة إلى القصور التي أعيد تجديدها وأشجار النخيل الصغيرة التي تصطف على طريق المطار السريع الذي كان يسمى في السابق طريق الموت. ويرى المسؤولون والدبلوماسيون العراقيون في اجتماع الجامعة العربية، الذي سيتواصل على مدار ثلاثة أيام، لحظة فارقة لدولة تنهض بعد عقد من الحرب والاحتلال والعزلة الدبلوماسية. أما قادة العراق فيرون المؤتمر فرصة نادرة لإعادة تأكيد دورهم كلاعبين في عالم عربي متحول يستضيف حدثا دبلوماسيا رئيسا منذ انسحاب القوات الأميركية في ديسمبر (كانون الأول).

لكن الحوائط الإسمنتية وزهور البتونيا التي زرعت حديثا في المنطقة الدولية تخفي خلفها دولة واهنة تحمل رؤية أكثر تشاؤما. أما في خارج هذه الأسوار حيث العراق الحقيقي، فلا تزال التفجيرات الانتحارية تمزق الشوارع، وتشلل الانقسامات الطائفية حالة من سياساته وتضعف مكانته بين جيرانه. وعلى الرغم من تطلعاته إلى الظهور كديمقراطية عربية حديثة، ربما يظل العراق مسرحا أكثر منه ممثلا.

لكن السبب في ذلك لا يرجع إلى افتقار الجهود لاستعادة دوره كلاعب قوي في المنطقة. فخلال الأسابيع الأخيرة، كثف الدبلوماسيون العراقيون من حملة عقد الصفقات ودبلوماسية تهدف لخطب ود الدول العربية خلال سعيها لدحض اعتقاد شائع بأن حكامها أدوات في يد إيران الشيعية. وكان العراق والكويت توصلا مؤخرا إلى تسوية للنزاع حول تعويضات حرب الخليج بقيمة 500 مليون دولار، في اتفاق يسمح الآن للطائرات العراقية بالسفر خارج حدوده دون تخوف من مصادرتها لتسديد ديون الحرب القديمة. كما وافق العراق أيضا على دفع 408 ملايين دولار تعويضات للمصريين الذين فروا من العراق في أعقاب غزو الكويت.

في الوقت ذاته سعى العراق والسعودية الشهر الماضي إلى تجاوز سنوات الخلاف والشكوك عبر توقيع اتفاقية أمنية مشتركة ومناقشة تبادل المسجونين. كما سمت الرياض سفيرا لها لدى العراق.

بيد أن القمة الحالي التي تعد الأولى في أعقاب الثورات الشعبية التي اجتاحت المنطقة خلال العام الماضي، تمثل رهانا أمام العراق بعد أكثر من عامين من التحضيرات و500 مليون دولار من التكاليف. ففي تصريح لوزير الخارجية العراقي، هوشيار زيباري، قال: «هذا البلد تعرض للعزلة والعقوبات وكان دولة منبوذة من الصف العربي والإسلامي. وكانت أكبر عقباتنا لإعادة هذا البلد على قدميه مرة أخرى هو أن نظهر أنه بلد طبيعي».

ويتوقع أن تهيمن موضوعات مثل حلول وقف إراقة الدماء في سوريا على اجتماع القمة. وكانت الجامعة العربية قد أرسلت بعثة مراقبة إلى سوريا - التي فشلت في وقف العنف هناك - وطالبت بالتوصل إلى حل سلمي. ولا يتوقع أن يدعو القادة العرب خلال الاجتماع إلى تدخل عسكري أو دعم مسلح للمعارضة.

ورغم إمكانية اعتراف أعضاء جامعة الدول العربية بموجات الانتفاضات الشعبية، فإن عددا قليلا من المراقبين يتوقعون أن يطرح أي منهم تساؤلات هامة بشأن حالة التشاؤم والعنف والركود التي اندلعت في أعقاب اندلاع الربيع العربي. ويتوق العراق إلى الابتعاد عن مناقشة مشكلاته الخاصة داخل الاجتماع. فهو لا يرغب في الحديث عن الاتهامات بزحف الحكم الاستبدادي في ظل رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي، والحرمان المرير من الحقوق الذي تتعرض له الأقلية السنية العراقية، أو النزاع المتفاقم بين بغداد والقادة الأكراد في شمال العراق حول السيطرة على موارد النفط والانقسام بشأن الميزانية الوطنية.

لكن ضعف العراق الخارجي يبدأ في الداخل. فإذا أراد العراق العودة إلى الصف العربي مرة أخرى. كدولة عربية شيعية مستقلة، تستطيع إحداث توازن مع جيرانها الأقوياء ينبغي عليه الابتعاد عن الطائفية المقيتة التي تحدد سياساته وتقسم صوته في الخارج.

ويقول الجنرال راي أوديرنو، الذي شغل في السابق منصب القائد الأعلى للقوات الأميركية في العراق، في كتاب عن العراق ينشر قريبا: «القضايا الداخلية للعراق - والتفسيرات المختلفة للتهديدات والمصالح - جعلت من الصعب على العراق انتهاج سياسة خارجية متسقة ومتماسكة وإظهار حجم نفوذه».

فبعد يوم واحد من انسحاب آخر جندي أميركي من العراق، أطلقت الحكومة الشيعية عاصفة من الجدل باتهامها نائب الرئيس السني، طارق الهاشمي، بإدارة فرق الموت، فيما انقسمت المعارضة وصارت بلا دفة. ودمرت حركة الشباب التقدمي، التي تشكلت على هيئة انتفاضة ميدان التحرير، من خلال الاعتقالات والاعتداءات والاختراقات من قبل حكومة المالكي الاستبدادية على نحو متزايد.

من ناحية أخرى، لا تزال بقايا عقود من الحرب ماثلة أمام العراق، إذ لا يزال يدفع مليارات الدولارات كتعويضات للكويت عن الغزو الكارثي لصدام حسين له، حيث توجه خمسة في المائة من عائدات النفط العراقي كتعويضات عن حرب الكويت، وتتصارع الدولتان على الموانئ المتنافسة والوصول إلى الخليج العربي. ويعترف قادته العسكريون بأنهم لا يستطيعون تأمين الحدود الصحراوية التي تشكل قنوات لتهريب المخدرات والأسلحة والمقاتلين.

وربما تشكل جهود العراق في رأب الصدع مع الدول العربية - إضافة إلى الدعوات المترددة للتغيير في سوريا - خطوات حقيقية نحو إعادة العراق إلى الصف العربي. أو ربما تكون هذه الجهود ببساطة الثمن الذي يتحتم على قادة العراق دفعه لتجنب الحرج بوجود قاعة نصف ممتلئة من القادة خلال القمة.

ولن تشارك سوريا التي علقت عضويتها داخل جامعة الدول العربية في القمة. ولا تزال سوريا قضية خلافية بين العراق وجيرانه العرب، إذ عبرت طائرات شحن يشتبه في أنها تحمل أسلحة المجال الجوي العراقي، متجهة نحو سوريا، التي تمثل حكومتها حليفا قويا لإيران. وبعد دعوات متكررة من المسؤولين الأميركيين استجاب المالكي ويبدو أن الرحلات الجوية توقفت تماما.

وسيجتمع القادة في القصر الرئاسي السابق، أحد المباني الحكومية العديدة والفنادق التي أعيد تزيينها بالثريات والرخام والخشب المصقول والزخارف المذهبة لتشكل الصورة التي يطمح العراق أن يبدو عليها. وأنفقت الحكومة أيضا ملايين الدولارات على إعادة نشر آلاف من القوات الأمنية في العاصمة وتوفير وسائل النقل والإقامة لآلاف من القادة والدبلوماسيين والصحافيين، فاشترى العراق 2,000 بدلة و2,000 رابطة عنق تحمل شارة اجتماع القمة ووفرت 600 سيارة، وأنفقت 600,000 دولار على الأدوات المكتبية ومليون دولار على الزهور.

* خدمة «نيويورك تايمز»