انتقادات في إسرائيل.. في الذكرى الـ 33 لتوقيع «كامب ديفيد»: أضعنا السلام مع العرب

جدل في مصر حول بنودها.. وخبراء لـ «الشرق الأوسط»: إلغاء معاهدة السلام سيكون خطيرا

TT

أحيت إسرائيل، أمس، الذكرى السنوية الثالثة والثلاثين، للتوقيع على اتفاقية السلام الإسرائيلية - المصرية (26 مارس/ آذار 1979)، بإعلان قادتها تمسكهم بالسلام مع مصر وبسلسلة دراسات تؤكد أنها لم تفلح في اقتناص الفرص التي وفرتها لإقامة سلام شامل مع العالم العربي كله، خصوصا بعد إطلاق مبادرة السلام العربية عام 2002.

وبينما يدور جدل في مصر حول إعادة النظر في بعض بنود الاتفاقية رأى الكثير من الخبراء السياسيين من رموز الدبلوماسية المصرية في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن المعاهدة على الرغم من حصول مصر على أرض سيناء كاملة بمقتضاها؛ فإنها في شقها الثاني الذي يتعلق بإحلال السلام الشامل والعادل في منطقة الشرق الأوسط لم تتحقق، لافتين إلى أن الحديث عن إلغاء هذه المعاهدة، وهو ما أثير في أكثر من مناسبة طوال العام الماضي، ستكون له تبعات متعددة.

وقال الرئيس الإسرائيلي، شيمعون بيريس، إنه على الرغم من التشكيك في عملية السلام مع مصر لدى الكثيرين فإن هذا السلام ثابت ومستقر. وحقق فوائد للشعبين في إسرائيل ومصر، إذ وفر عليهما ضحايا الحروب وحقق مكاسب اقتصادية. ووعد ببذل كل جهد ممكن للحفاظ عليه.

وقال رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، إن إسرائيل متمسكة بالسلام وترفض الاقتراحات التي تسمع من أوساط مختلفة في مصر لتعديله.

وتم إحياء ذكرى هذه الاتفاقيات بعشرات الاجتماعات والندوات في معاهد الأبحاث وفي الجامعات وفي وسائل الإعلام. وكشف الصحافي شلومو نكديمون، الذي كان قد شغل منصب المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحيم بيغن، الذي وقع على معاهدة السلام في باحة البيت الأبيض في واشنطن، مع الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، والرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، أن بيغن عاد إلى إسرائيل بعد هذا التوقيع بمشاعر مختلطة من الاعتداد بالسلام وما حققه لإسرائيل وأيضا مشاعر الخوف من الانسحاب من سيناء. وذكر أن بيغن أسر له، لدى عودته بالطائرة، أن همه الآن هو كيف يعمل على تأجيل الانسحاب من سيناء.

فقد خشي بيغن ليس فقط من المستوطنين في سيناء ومعارضيه داخل الحزب وداخل معسكر اليمين، بل من تبعات اتفاقية الانسحاب على مصالح إسرائيل بشكل عام. ففي سيناء قام الجيش الإسرائيلي ببناء عدة قواعد عسكرية كبيرة، واستغل سيناء للتدريبات العسكرية الإسرائيلية وتدريبات سلاح الجو وإسرائيل كانت قد بدأت تستفيد من آبار النفط في سيناء وبيع الإنتاج إلى الخارج، وبدأت تحيي منطقتي شرم الشيخ وطابا كمناطق سياحية، وهذا كله فضلا عن الخوف من إخلاء المستوطنين وهدم المستوطنات. وقد فكر في الاقتراح على مصر تأجيرها سيناء لمدة 100 سنة. ولكن السادات رفض الفكرة بالكامل وأصر على تطبيق الاتفاق بحذافيره، ووفقا للجدول الزمني المقرر، وبموجبه انسحب آخر جندي إسرائيل في أبريل (نيسان) 1982.

وكشف نكديمون أن السادات وبيغن، ورغم أنهما التقيا 20 مرة بـ4 عيون، وأظهرا مودة علنية، فإن الثقة بينهما لم تكن عالية ولم يحب أي منهما الآخر. فقد شعر السادات أن بيغن خدعه عدة مرات، وذلك عندما راح يكثف المستوطنات وعندما قصف المفاعل النووي العراقي (بعد 5 أيام من لقائهما) وعندما أجهض إمكانية التفاوض حول مشروع الإدارة الذاتية للفلسطينيين. بينما رأى بيغن أن السادات كان يحاول فرض إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأنه سعى إلى إعادة علاقاته مع العالم العربي.

من جهة ثانية، كتب عكيفا الدار، أمس، إن اتفاقيات كامب ديفيد فتحت الطريق أمام توجه جديد في العلاقات العربية - الإسرائيلية الشاملة، وما كان يجب أن تقتصر على مصر، وأن اتفاقيات أوسلو، كانت ذروة في الجهود الدولية التي بدأت بالسلام مع مصر، وكان من الطبيعي أن تتطور إلى سلام شامل. والمبادرة العربية للسلام شكلت فرصة تاريخية في هذا الاتجاه، حيث إنها وضعت المعادلة النهائية للسلام الشامل، ولكن إسرائيل أضاعت مرة أخرى الفرصة.

وفي القاهرة يؤكد السفير أسامة توفيق، مساعد وزير الخارجية مدير المعهد الدبلوماسي، أن مصر ملتزمة بكل اتفاقياتها ومعاهداتها الدولية الموقعة، معربا عن الثقة في أن مصر ستواصل هذا النهج واحترام اتفاقياتها الدولية بما يتسق مع ميراثها التاريخي الذي لم يشهد تخلي مصر أو عدم وفائها بالتزاماتها واتفاقياتها الدولية، مضيفا أن معاهدة السلام كانت لها جوانب إيجابية انعكست على أمن مصر وسلامها واستقرارها.

في حين قال مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير حسين هريدي، أنه بمقتضى المعاهدة كان مفهوما أن السلام المصري - الإسرائيلي جزء من مفاوضات شاملة للتوصل لاتفاق سلام شامل لكل أطراف النزاع العربي - الإسرائيلي، وإلى هذا اليوم لم يتحقق هذا السلام الشامل والعادل في الشرق الأوسط.

وأوضح هريدي أن معاهدة السلام مكنت إسرائيل من أن تصبح قوة عسكرية، وسمح لها بالاعتداءات المتكررة على الدول العربية المجاورة لها، وعدم تلبية التطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني. ويضيف: «من ناحية أخرى أدخلت المعاهدة مصر في مثلث علاقات مع أميركا وإسرائيل، وأصبحت بمرور الزمن قيدا على حرية حركة مصر إقليميا وعلى سياساتها الخارجية».

ويذكر هريدي أن الحديث عن إلغاء هذه الاتفاقية سيكون له تبعات في منتهى الخطورة، وطبقا للخطابات المتبادلة بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة لا تستطيع أي دولة طرف في المعاهدة الإخلال بالتزاماتها التي نصت عليها المعاهدة، وإلا ستتخذ الولايات المتحدة إجراءات أمام هذا الإخلال. بدوره قال السفير نعمان جلال، مساعد وزير الخارجية الأسبق، وأحد أبرز خبراء الدبلوماسية المصرية في الشأن الإسرائيلي لـ«الشرق الأوسط»، إن أي تقييم موضوعي لمعاهدة السلام يتضمن إيجابيات وسلبيات رئيسية لا يمكن تجاهلها، وأشار إلى أن أهم الإيجابيات الرئيسية للمعاهدة تمثل في استعادة سيناء كاملة بما في ذلك طابا بعد التحكيم، بالإضافة إلى استعادة الموارد الاقتصادية لمصر في سيناء، كما عملت المعاهدة على جعل مصر أقوى مما كانت، لأن أرضها لم تعد محتلة كما هو الحال بالنسبة لبعض الدول الأخرى. أما عن سلبيات المعاهدة فيعدها بقوله: «جعلت المعاهدة أرض سيناء مقسمة لمجموعة من المناطق وفقا لطبيعة التسليح، كما كان من المفترض أن يعاد النظر في المعاهدة بعد 20 عاما من توقيعها، لكن وللأسف لم تقم السلطات المصرية بما ينبغي، كما أن إسرائيل لم تكن متحمسة لإعادة النظر فيها، وإعادة النظر في المعاهدة لا يعني إلغاءها إنما يعني إصلاح أو تطوير بعض البنود وفقا لما تم بعد تنفيذها، وبالتشاور بين الأطراف وفي ضوء المتغيرات الدولية والإقليمية».

ويشير جلال إلى انعكاسات «الربيع العربي» والثورة المصرية على معاهدة السلام، مؤكدا أهمية إعادة النظر في الاتفاقية بالتفاوض بين الأطراف الـ3 مصر وإسرائيل والولايات المتحدة، لافتا إلى أن إلغاء المعاهدة سيعني عدة أمور؛ فهو يعطي الفرصة لإسرائيل التخلي عن التزاماتها بما في ذلك الانسحاب من سيناء، وهو ما سيعني إمكانية احتلال سيناء بطريقة غير مباشرة. منوها بأن التصريحات الإسرائيلية الصادرة بعد ورود إشارات من بعد الساسة المصريين حول إمكانية إلغاء المعاهدة اعتبرت هذا الإلغاء سيكون «أكبر هدية يمكن تقديمها لإسرائيل»، لأن الانسحاب الإسرائيلي من سيناء جاء بموجب هذه الاتفاقية.

والأمر الثاني في حال إلغاء معاهدة السلام، سيكون من دون شك إضعافا لقوة مصر التفاوضية، وستكون مصر بذلك في منطقة أضعف على المستوى العالمي، كونها ستصبح دولة لا تحترم اتفاقياتها.