معركة «تأسيسية الدستور» تتواصل في مصر.. والقضاء ينظر طلب إلغائها اليوم

مخاوف من الصبغة الدينية وقمع الحريات.. والإسلاميون يدافعون عن موقفهم

TT

في تصاعد للأزمة التي فجرها استحواذ القوى الإسلامية على غالبية عضوية الجمعية التأسيسية للدستور المنوط بها وضع الدستور الجديد لمصر، تبدأ محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة اليوم نظر أول دعويين للمطالبة بإلغاء تشكيل الجمعية، فيما واصلت القوى التي تطالب بدستور مدني والقوى السياسية الليبرالية واليسارية انتقادها لـ«الأغلبية» الدينية في الجمعية التأسيسية، خاصة نوابا وشخصيات من جماعة الإخوان المسلمين ومن التيار السلفي، وهما تياران يدعوان إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، ويتهمان بالتشدد في تطبيق الدين. كما دعت أطراف مسيحية مسيحيي مصر البالغ نسبتهم نحو 10% من عدد السكان البالغ إجماليه نحو 85 مليون نسمة إلى الامتناع عن المشاركة في الاستفتاء المنظور على الدستور في حال صياغته بالتشكيل الحالي للجمعية.

وعطل المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير البلاد منذ سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك العام الماضي الدستور المعمول به، ويسمى دستور 1971. ووضع إعلانا دستوريا في مارس (آذار) 2011 للانتقال بالبلاد إلى سلطة جديدة منتخبة، مع إعداد دستور جديد لمصر، ينتخب البرلمان جمعيته التأسيسية. وهيمن الإسلاميون على غالبية مقاعد البرلمان. ويقول منتقدوهم إنهم تعمدوا تهميش رجال القانون والدستور، وقاموا بانتخاب شخصيات إسلامية، من داخل البرلمان وخارجه، لتسيطر على الجمعية التأسيسية للدستور الجديد. ويفسر فقهاء دستوريون مادة الإعلان الدستوري الحالي الخاصة بانتخاب البرلمان الجمعية التأسيسية بأن هذا الانتخاب كان ينبغي أن يكون من خارج أعضاء البرلمان، لأنه «من غير المنطقي أن ينتخب أعضاء البرلمان أنفسهم، لعضوية الجمعية التأسيسية». وبينما يدافع الإسلاميون عن أنفسهم بقولهم إنهم جاءوا للبرلمان عبر صناديق الانتخاب وإن الإجراءات التي يقومون بها هي من مكتسبات برلمان ثورة 25 يناير (كانون الثاني) الماضي، واصل عدد من أعضاء الجمعية التأسيسية (من غير الإسلاميين) انسحابهم من عضوية الجمعية، احتجاجا على تركيبتها التي يرون أنها لا تعبر عن الشعب المصري، قائلين إن الإسلاميين لم يشاركوا في الثورة من البداية وإن القوى المدنية المتطلعة للحرية والديمقراطية هي من أطلقت شرارة الثورة.

ووصل عدد المنسحبين أمس إلى 14 عضوا، من بينهم عمرو حمزاوي، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «التشكيل النهائي للجمعية التأسيسية لوضع الدستور جاء بعيدا كل البعد عن مراعاة معايير الكفاءة والتمثيل المتوازن للأطياف السياسية والمجتمعية المختلفة»، وأضاف: «لقد كان الشكل النهائي للجمعية صادما وتغيب عنه الشفافية والموضوعية».

وتبدأ محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة اليوم نظر دعويين تتعلقان باللجنة التأسيسية للدستور في جلسة واحدة، وتطالب الدعوى الأولى التي أقامها أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة الدكتور جابر نصار وكيلا عن نحو 100 شخصية عامة بإلغاء قرار البرلمان بغرفتيه (الشعب والشورى)، الخاص بمعايير اختيار لجنة المائة المعنية بوضع مشروع الدستور الجديد على أساس 50% من أعضاء البرلمان المنتخبين و50% من خارج البرلمان. واستندت الدعوى إلى أن هذا الإجراء المطعون فيه قرار إداري يخالف نص المادة 60 من الإعلان الدستوري، ويتناقض مع الأعراف والتقاليد الدستورية المتعارف عليها.

واختصمت الدعوى كلا من رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير حسين طنطاوي، ورئيسي مجلسي الشعب والشورى، وهما من القيادات الإخوانية. ووقع على الدعوى نحو 100 من الشخصيات العامة بينهم الكاتب علاء الأسواني، والإعلامي حمدي قنديل، والدكتور يحيي الجمل نائب رئيس الوزراء الأسبق، والدكتور أسامة الغزالي حرب، ونقيب الصحافيين الأسبق جلال عارف، والفقيه الدستوري محمد نور فرحات، والمحامي عصام الإسلامبولي، والدكتور جمال زهران. وقال الإسلامبولي لـ«الشرق الأوسط» إنه «في حال تأجيل الدعوى سوف تستمر الجمعية التأسيسية في عملها وعقد اجتماعاتها، وإذا حصلنا على حكم لصالحنا فإن كل ما قامت به الجمعية سيتم إلغاؤه وعدم الاعتراف بأي قرار اتخذته الجمعية بتشكيلها الحالي».

وأقام الدعوى الثانية التي تنظرها المحكمة في الجلسة نفسها، المنظمة المصرية لحقوق الإنسان. وقال رئيس المنظمة حافظ أبو سعدة لـ«الشرق الأوسط» إن أعضاء مجلس الشعب وممثلي اللجان العليا للأحزاب اختلفوا جميعا حول رؤيتهم لهذه الجمعية وكيفية اختيار أعضائها ومن يمثلون، لأن نص الإعلان الدستوري في المادة 60 لم يحدد هذه المعايير والاشتراطات.

وأضاف أن «تشكيل الجمعية يخالف الإعلان الدستوري والقضاء سوف يحسم القضية».

ودعا جورج إسحاق، القيادي في حركة المصريين إلى الاحتشاد لدعم عمل لجنة موازية لوضع دستور للبلاد، شاركت في تأسيسها أمس قوى مدنية وعدة أحزاب ليبرالية ويسارية، وكذا دعم المساعي القانونية لإبطال تشكيل اللجنة التأسيسية المعنية بوضع الدستور الجديد، مضيفا أن «التيار الإسلامي عليه أن يعرف أنه ليس من حقه احتكار مقدرات المصريين في وضع دستورهم، فهم ليسوا الفصيل السياسي الوحيد في مصر».

ورفضت عضو المكتب السياسي لحركة شباب 6 أبريل إنجي حمدي التشكيل الحالي للجنة الدستور، وفقا لما صرحت به لـ«الشرق الأوسط» قائلة إن الحركة ستعلن موقفها في مؤتمر صحافي اليوم.

ومن جانبه أطلق رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، المحامي المسيحي نجيب جبرائيل، أمس، دعوة تطالب المسيحيين المصريين في الداخل والخارج بمقاطعة الجمعية التأسيسية للدستور، والامتناع عن المشاركة في الاستفتاء على الدستور في حال استمر التشكيل الحالي للجمعية.