نتنياهو وباراك زعيمان إسرائيليان يكمل أحدهما الآخر

قائدان متحدان بشأن إيران

TT

شكل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه الجنرال إيهود باراك ثنائيا غريبا للسياسة الإسرائيلية، يحملان بين أيديهما احتمال شن هجوم على إيران. ووطد الزعيمان المنتميان لتقاليد سياسية متعارضة تحمل خبرات ورؤى متضاربة، معا رابطة قوية مستثنيين في الأغلب باقي الزعماء الإسرائيليين.

بالنسبة لنتنياهو، سيكون سلاح نووي إيراني في القرن الحادي والعشرين معادلا لآلة الحرب النازية ومحاكم التفتيش الإسبانية. والحيلولة دون امتلاك إيران هذا السلاح باتت مهمة حياته. أما بالنسبة لباراك، الذي يتحدث عن محرقة يهودية ثانية والخوف على وجود إسرائيل، فيشكل ذلك تحديا استراتيجيا، لا سيما أنه يتحدث عن «مناطق الحصانة» و«الخطوط الحمراء»، تفاصيل عملياتية خاصة بشن هجوم على منشآت إيران النووية.

«جميع القادة لديهم حكومات مطبخ، لكن نتنياهو وباراك أقاما مطبخا خاصا بهما»، كانت تلك ملاحظة ذكرها ناعوم بارنيا، الكاتب بصحيفة «يديعوت أحرونوت»، في مقابلة أجريت معه. وأضاف أن «القائدين ناقشا الملف الإيراني مع الحكومة على مدى أسابيع وأقنعا أنفسهما بأنه ليست ثمة وسيلة للتعامل مع إيران سوى وسيلتهما».

وأكد مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى يعمل عن كثب مع القائدين، تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته، أن الحكومة لم تتحدث مؤخرا عن إيران، لكنها أشارت إلى أن التحضيرات المفصلة طويلة الأجل تتجه نحو احتمالية شن هجوم عسكري. وعن الزعيمين، قال: «أحدهما يرى نفسه منقذا، والآخر يحيا من أجل قضية. إنهما ثنائي غريب باتا يقدران بعضهما البعض ويتحدان معا في مواجهة القضية».

ويتزعم نتنياهو حزب الليكود اليميني وترعرع في كنف التصور الصهيوني الداعي لتوسيع رقعة الأراضي والوقوف بحزم في وجه أعداء إسرائيل ونبذ النظام شبه الاشتراكي الذي طرحه ديفيد بن غوريون، رئيس الوزراء المؤسس. أما باراك، فنشأ في مزرعة تعاونية في قلب الصهيونية العمالية، وبعد فترة طويلة من الخدمة العسكر ية ورئاسة الأركان، أصبح رئيسا لحزب العمال. وعمل لفترة قصيرة رئيسا للوزراء قبل أن يخسر الدعم الشعبي وانتخابات 2001 لصالح أرييل شارون. «بنظرة سطحية، يبدوان مختلفين تمام الاختلاف»، هكذا علق دانيال بن سيمون، عضو بحزب العمال اليساري في البرلمان، الذي عمل مع باراك. وقال: «لا يستطيع نتنياهو أن يفصل إسرائيل عن محرقة الهولوكوست النازية. إنه يعتبر نفسه رئيس وزراء الشعب اليهودي. وباراك هو الإسرائيلي المثالي، أمير الصهيونية».

اعتقد كثيرون أن باراك سيكبح جماح نتنياهو بشأن إيران. لكنه انضم إليه في موقفه. بينما يخشى آخرون من وقوع كارثة في حالة شنت إسرائيل هجوما على إيران. ويشير باراك ونتنياهو إلى احتمال عدم وجود أي خيار آخر. وتتمثل وجهة نظريهما في أنه بالنظر إلى الاختيار ما بين امتلاك إيران أسلحة نووية، يمكن أن تستخدم ضد إسرائيل بشكل مباشر أو من خلال وكلاء، إضافة إلى إشعال سباق تسلح إقليمي، وعواقب شن هجوم على إيران قبل تحولها إلى قوة نووية، يبدو الخيار الأخير هو المفضل. ويقولان إنه سيكون هناك هجوم مضاد؛ سيفقد الناس حياتهم وسيلحق الدمار بالعقارات. لكنهما يقولان إن هذا هو أخف الضررين وطأة.

«سوف تسقط الصواريخ على هذا المبنى، لكن الأمور ستكون أسوأ في حالة ما إذا امتلكت إيران القنبلة النووية»، هذا ما قاله مسؤول سابق رفيع عمل تحت قيادة كلا الرجلين، وهو جالس في ردهة فندق مطل على البحر في تل أبيب. وأضاف أن نتنياهو وباراك يعقدان اجتماعات مع وزراء في الحكومة كل على حدة بهدف تشكيل أغلبية في مجلس الـ14، مشيرا إلى مجلس الأمن المصغر المؤلف من 14 عضوا.

إن باراك ونتنياهو يعرفان بعضهما البعض منذ فترة طويلة وأخذا يعتمدان على بعضهما البعض. فمسيرة باراك السياسية، التي بدت مبشرة جدا من قبل، تعتمد الآن بشدة على علاقته بنتنياهو. أما نتنياهو وفي ضوء خبرته العسكرية المحدودة، فإنه من دون دعم باراك، الذي ينظر إليه بوصفه العقل المدبر في الجيش، سيواجه مشكلة في الحصول على دعم لسياسته.

كان باراك (70 عاما) قائدا لنتنياهو (62 عاما) في وحدة استطلاع هيئة الأركان العامة (سيريت ماتكال)، وهي نخبة القوات الخاصة التابعة لقوات الدفاع الإسرائيلية، حيث أديا الخدمة معا في مطلع السبعينات من القرن العشرين. وزاد ثراء كل منهما نسبيا في السنوات الأخيرة من الأحاديث والاستشارات التي يقدمانها خارج فترات العمل بالحكومة، ويشعر كل منهما أنه يفهم السياسات الأميركية جيدا.

ولو قررا توجيه ضربة عسكرية لإيران، فسيكونان بحاجة إلى الدعم من أغلبية مجلس الأمن المصغر. وتشير معظم التقديرات إلى أنهما سيحصلان على مثل هذا الدعم، رغم أن نسبة التصويت قد تكون قريبة من 8 إلى 6 أصوات. ولكن عدم وضع تلك القضية على أجندة الحكومة حتى الآن يعني أنهما قد يعولان على التصويت في وقت متأخر، عندما يكون من الصعب على الوزراء معارضة الهجوم. وتعطي الاجتماعات السابقة للحكومة إجابة عن بعض الألغاز المتعلقة بالسبب وراء تجنب ذلك، حيث عقدت الحكومة، منذ تشكيلها منذ ثلاث سنوات، عددا من الاجتماعات لمناقشة الوضع الإيراني، حسب تصريحات مسؤولين بارزين، الذين أضافوا أن مسؤولي الدفاع في إسرائيل والكثير من الوزراء رفضوا القيام بعمل عسكري، على الأقل حتى الآن.

وقال أحد المسؤولين غير المتحمسين للقيام بعمل عسكري ضد إيران: «لم يقوموا بذلك حتى الآن، ألم تسألوا أنفسكم لماذا؟».

ومن جانبها، تؤكد إيران أن برنامجها النووي يستخدم لأغراض مدنية، رغم أن القوى الغربية ترى أنه يهدف إلى امتلاك سلاح نووي. وتشير إسرائيل إلى التصريحات المتكررة من جانب القادة الإيرانيين الذين يطالبون بتدمير إسرائيل وإلى قيام طهران بتمويل وتسليح الجماعات التي تقاتلها. ومع ذلك، ترى الولايات المتحدة أن الدبلوماسية والعقوبات المفروضة على القطاع المالي وصناعات الطاقة الإيرانية بحاجة إلى بعض الوقت قبل النظر في القيام بعمل عسكري.

وهناك اعتقاد على نطاق واسع بأن الزيارة التي قام بها نتنياهو للولايات المتحدة في الآونة الأخيرة منحت الرئيس باراك أوباما بعضا من هذا الوقت، وأصبح من غير المتوقع القيام بأي عمل عسكري تجاه إيران خلال الشهور القليلة المقبلة.

وصرح نتنياهو وباراك بأنهما سيكونان سعيدين للغاية لو نجحت الضغوط في إجبار طهران على التخلي عن برنامجها النووي، وإن كانا يستبعدان حدوث ذلك بسبب الإطار الزمني الضيق، حيث تقوم إيران بنقل أجهزة الطرد المركزي إلى أماكن تحت الأرض، وهو ما يجعل إسرائيل غير قادرة على تدميرها. ولا يزال الرأي العام تكتنفه حالة من الغموض بشأن تلك القضية، رغم أن نتنياهو يظل شخصية محبوبة للغاية، كما يحظى باراك باحترام كبير كوزير للدفاع.

وتكشف استطلاعات رأي أجريت بشأن الملف الإيراني، عن أن الأسئلة المختلفة تؤدي إلى إجابات مختلفة، فعندما سئل الإسرائيليون عما إذا كانوا يفضلون القيام بعمل عسكري من دون مساعدة من الولايات المتحدة، قال 63 في المائة ممن شملهم الاستطلاع «لا»، ولكن عندما تم توجيه سؤال آخر عما إذا كان التفكير الإسرائيلي في القيام بعمل عسكري على إيران أكثر خطورة من «العيش في ظل قنبلة نووية إيرانية»، قال 65 في المائة إنهم يفضلون شن هجوم على إيران. ويرى البعض أن هذا المزيج غير العادي بين نتنياهو وباراك هو الذي قد يؤدي إلى القيام بعمل عسكري ضد إيران، رغم أن البعض يفضلون ذلك، فإن آخرين يشعرون بالرعب الشديد.

من جهته، قال رئيس الوزراء السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي مير دغان إنه لا يثق في قدرة نتنياهو وباراك على اتخاذ القرار السليم في هذا الشأن.

وكتب بن كاسبيت، وهو كاتب عمود سياسي لصحيفة «معاريف» الإسرائيلية وناشط سابق في حزب الليكود ومن أشد المعارضين لسياسات نتنياهو، الأسبوع الماضي يقول إنه يرى أن نتنياهو وباراك يمثلان خطورة كبيرة. واستخدم كنية نتنياهو قائلا «يرى بيبي نفسه على أنه المخلص المنتظر. إنه يعتقد، لا أعرف كيف أعبر عن ذلك بالضبط، إنه نبي الله داود. إنه لا يؤمن بأن السلوك البشري تهيمن عليه المصالح البشرية، ولكن من يؤمن بذلك هو باراك. من حسن الحظ أن بيبي جبان، ولكن الشيء الخطير هو وجود باراك إلى جانبه».

* خدمة «نيويورك تايمز»