رسالة مسربة تكشف تفشي الفساد في الجيش الهندي

رئيس الأركان يكشف تلقيه رشوة كبيرة لشراء مركبات معيبة وينتقد تقادم المعدات

قائد الجيش الهندي الجنرال فيجاي كومار سينغ
TT

وسط سلسلة من فضائح الفساد بقيمة مليارات الدولارات في الأعوام الأخيرة، وضعت الهند، أكبر ديمقراطية في العالم في الوقت الراهن، جيشها الجبار تحت المنظار للكشف عن الفساد. فقد ذكر قائد الجيش الهندي الجنرال فيجاي كومار سينغ، أن ضابطا متقاعدا بالجيش، انضم إلى جماعات الضغط (تم تعريفه لاحقا على أنه الجنرال تجيندار سينغ) قد عرض عليه رشوة بقيمة 140 مليون روبية (2.8 مليون دولار) للموافقة على شراء مركبات معيبة ومبالغ في سعرها للجيش.

وأعاد هذا الكشف تسليط الضوء على العالم الغامض للمشتريات الدفاعية في الجيش الهندي، الذي يحتل المرتبة الرابعة عالميا. وتعد الهند أكبر مستورد للأسلحة في العالم، حيث تصل ميزانية الدفاع السنوية في الهند إلى 40 مليار دولار. وأعلن معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن الهند أصبحت أكبر مستورد سلاح في العالم متخطية جارتها الصين، بينما تقدر مراكز الأبحاث أن الهند استحوذت على 10 في المائة من واردات السلاح في العالم بين عامي 2007 و2011.

ويقول قائد الجيش سينغ إن مركبات «تاترا»، التي دخلت الخدمة في الجيش الهندي منذ ما يقارب العقدين واستخدمت في نزاع كارغيل (في كشمير)، هي مركبات «غير مطابقة للمواصفات» ومبالغ في سعرها. وأضاف أن الجيش يمتلك 7 آلاف مركبة من هذا الطراز، وأنه قد تم بيع تلك المركبة في الأعوام الأخيرة بأسعار باهظة دون أي تساؤلات حول الأمر. وقال إنه لا يوجد مرفق مناسب لصيانة تلك المركبات، وعلى الرغم من ذلك استمر بيع تلك المركبات للجيش. وظلت الشبهات تحوم حول صفقة «تاترا» منذ فترة طويلة، ولكن لم تكن هناك جهود جادة للكشف عن ملابسات تلك الصفقة حتى قام سينغ بتفجير تلك القنبلة المدوية.

ووقعت أكبر فضائح وزارة الدفاع الهندية في ثمانينات القرن الماضي، وهي الفضائح التي ميزت حقبة رئيس الوزراء الراحل راجيف غاندي. وعلى الرغم من تصدر أخبار تلك الصفقات عناوين وسائل الإعلام لأكثر من ثلاثة عقود، لم تتم أي حملات اعتقال أو تحقيقات جدية في تلك الفضيحة. وفي عام 2009، تم الكشف عن فضيحة، عندما تلقى ساديبتا غوش، رئيس مصنع المعدات الحربية الهندي في ذلك الوقت، رشى من شركات دولية من سنغافورة وإسرائيل وسويسرا وروسيا في عملية شراء مدافع وذخيرة للجيش الهندي بقيمة 60 مليار روبية. ويقبع غوش الآن في السجن، بسبب طلبه وحصوله على رشى ضخمة غير مشروعة.

وفي الوقت نفسه، أصبح الخطاب السري المسرب من قائد الجيش إلى رئيس الوزراء مانموهان سينغ، الذي يوضح الفجوات الرئيسية في الاستعدادات الدفاعية، أحدث ساحات المعارك على المستويين السياسي والأمني، حيث حذر قائد الجيش في خطاب سري إلى رئيس الوزراء مانموهان سينغ من نفاد الذخيرة الخاصة بالدبابات في الجيش ومن أن القوات الجوية قد أصبحت عتيقة الطراز على الرغم من الزيادات في إنفاق ميزانية الدفاع، مما يترك الهند معرضة للأخطار الخارجية.

ومثل الخطاب، الذي تم تحريره في وقت سابق من الشهر الحالي وسُرب إلى الإعلام، مصدر إحراج كبيرا لنيودلهي، بينما كانت تستضيف قمة مجموعة الـ«بريكس» (تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) والتي يمثل فيها الرؤساء بلدانهم. وقال قائد الجيش الهندي في الخطاب إن أسطول الدبابات الهندي «تنقصه الذخائر لهزيمة دبابات الخصم»، وحذر من أن القوات الجوية «أصبحت قديمة الطراز بنسبة 97 في المائة»، وأن قوات المشاة تعاني من «نقص في الأسلحة الثقيلة» وتفتقر إلى قدرات «القتال الليلية». وتحدث سينغ أيضا عن وجود «فجوة» في الإجراءات والوقت اللازم للتجهيز للمشتريات، فضلا عن وجود عقبات قانونية من قبل البائعين. وطالب قائد الجيش، رئيس الوزراء بـ«استصدار تعليمات مناسبة لتعزيز قدرات الجيش الاستعدادية».

ويأتي تحذير قائد الجيش الهندي في وقت تواجه فيه الهند «جارين خصمين»، هما باكستان والصين وتواجه أيضا تهديدا إرهابيا قويا. وهز مضمون الخطاب البرلمان الهندي، حيث وصف بعض أعضائه الخطاب بأنه «مثير للقلق» و«خطير»، وطالبوا الحكومة باتخاذ إجراءات ضد المسؤولين عن تسريب هذا الخطاب، «أيا كانت المناصب التي يشغلونها».

وأعرب زعيم المعارضة أرون جايتلي عن مخاوفه بشأن تسريب الخطاب، قائلا إن الأمور التي يفترض أن تظل سرية يتم تسريبها إلى وسائل الإعلام. وأبلغ وزير الدفاع أنه إذا تم السماح بهذه النوعية من التسريبات، فإنه لن يكون هناك معنى للقول إنه لا يريد أن تصبح هذه المسائل جزءا من أي جدل محتدم.

وقال سيتارام يشوري، وهو نائب شيوعي بالبرلمان، إن مسألة حساسة مثل تسريب خطاب يحتوي على معلومات تتعلق بالأمن القومي وموجه من القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى رئيس الوزراء هي أمر «مقلق إلى أبعد حد» ولا بد من التحقيق فيها. وقال معروف رازا، محلل متخصص في شؤون الدفاع، إن قوات الدفاع الهندية تقع ضحية مواجهة مع النظام البيروقراطي للدولة. وقد أمرت الحكومة الهندية بإجراء تحقيق في مسلسل كامل من الفساد وتسريب الخطابات.

وفي غضون ذلك، ففي رسالة شديدة اللهجة إلى موردي السلاح الذين انغمسوا في ممارسات ملتوية، قام وزير الدفاع الهندي بوضع ست شركات على القائمة السوداء، بينها أربع شركات دفاع أجنبية، بعد مزاعم حول تورطها في عملية الغش التي أحاطت بمجلس المصانع الحربية سنة 2009، وقرر الوزير إيقاف التعامل تماما مع تلك الشركات لمدة عشر سنوات، ومن بينها شركة «سنغابور تكنولوجيز كينيتكس ليمتد»، وشركة «إزرائيلي ميليتري إنداستريز»، وشركة «راينميتال إير ديفينس».

وتقول المصادر إن فضائح وزارة الدفاع الهندية لها جذور عميقة، وإن مسؤولي القوات المسلحة الذين يتم الإمساك بهم هم مجرد كباش فداء، أما القرارات الكبرى - وخاصة فيما يتعلق بالصفقات الضخمة التي تساوي مئات الملايين، إن لم يكن عشرات المليارات - فهي تتخذ في مكان آخر، وهو يكون عادة في قمة النظام، أي رجال السياسة والوزراء، فهذا هو المكان الذي تختفي فيه كل الآثار، ليس لأن الفاعلين الحقيقيين لا يتم الإيقاع بهم فحسب، بل حتى لأن أسماءهم لا تكون مألوفة كثيرا.