السلطة في حرب مفتوحة مع «تسريب» العقارات.. وصعوبات في ملاحقة المتورطين

بعد سيطرة المستوطنين على منزل قرب الحرم الإبراهيمي في قلب الخليل

TT

من دون استئذان أو مقدمات، اقتحم مستوطنون متطرفون أحد المنازل الفلسطينية قرب الحرم الإبراهيمي في قلب البلدة القديمة في الخليل، منتصف الليلة قبل الماضية، زاعمين أنهم اشتروه من صاحبه الفلسطيني، وعرضوا وثائق لم يتسن التأكد من صحتها، ووزعوا الحلوى في المكان.

أما الفلسطينيون، في المحيط، الذين لم يكن ينقصهم فقدان منزل آخر من بين عشرات المنازل التي استولى عليها المستوطنون في المنطقة الأكثر توترا في الضفة الغربية، فلم يكن لهم حول ولا قوة، بعضهم شكك في صحة الأوراق، وبعضهم راح يلعن الخائن وما سولت له نفسه، وبعضهم يفكر في التوجه إلى القضاء الإسرائيلي.

وهذا المشهد ليس جديدا، إنه متكرر في مناطق مختلفة في القدس المحتلة وبيت لحم والخليل وفي شمال الضفة، فقد فقَد الفلسطينيون كثيرا من أراضيهم عبر ما يسمى التسريب أي بيع الأراضي والعقارات لليهود عبر وسيط فلسطيني. وطوال عشرات السنين كان يجد اليهود، فلسطينيين مستعدين للبيع، مقابل مبالغ كبيرة وخيالية، مثلما كانوا يصطدمون بآخرين يرفضون بيع ولو متر واحد مقابل ملايين الدولارات، وكانت هذه مشكلة، طالما أرقت الفلسطينيين ولم يجدوا لها حلا شافيا.

وتحاول السلطة بعد سنوات من الوقوف عاجزة أمامه، مواجهة الأمر. وقال غسان الخطيب، الناطق باسم الحكومة: «إن السلطة تبذل قصارى جهدها على صعد مختلفة لمواجهة التسريب». وأضاف في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «هناك إجراءات حثيثة تتخذها الحكومة بأساليب مختلفة لوقف التسريب».

ومن بين هذه الأساليب، كما قال الخطيب «منع بيع أي أرض أو عقار لأي شخص من خارج الفلسطينيين المقيمين في المنطقة، من دون موافقة مجلس الوزراء الذي يجري دراسة أمنية قبل إعطاء الموافقة أو الرفض». ويشمل ذلك الفلسطينيين سكان القدس أو عرب 48 أو من الخارج.

وتلاحق السلطة من يثبت تورطهم في تسريب أراض وعقارات. وقال الخطيب «من يثبت عليه الأمر يحاكم».

وحاكمت السلطة فعلا متورطين في الأمر، وحكمت عليهم بالأشغال الشاقة، لعشرة أعوام أو أكثر، حسب طبيعة المشاركة في البيع، في محاولة لردع الآخرين، وكان لافتا أن بعض المحاكمات كانت تتعلق بقضايا عمرها 30 عاما، ولكن مع ذلك فإن السلطة ما زالت تواجه مشكلات كبيرة في ملاحقة المسربين.

وقالت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط»: «إن المشكلة الأولى تتعلق، بسرية العملية برمتها، إذ ينتظر الإسرائيليون سنين طويلة بعد وفاة البائع أو هربه إلى الخارج حتى يعلنوا أنهم اشتروا الأرض، والمشكلة الثانية أن بعض هذه الصفقات تتم في القدس وفي مناطق (سي)، ولا سلطة لنا هناك، وثالثا أن بعض بائعي الأراضي يعيشون في الخارج ويتمون عمليات البيع والشراء من حيث يعيشون، ولا نستطيع جلبهم إلى هنا».

وتستخدم إسرائيل مؤسساتها الرسمية وجمعياتها الاستيطانية ومناصريها ومريديها وداعميها في كل أنحاء العالم، لصالح شراء أراض وعقارات فلسطينية، بينما يجد الفلسطينيون أنفسهم شبه وحيدين وفقراء في مواجهة التسريب.

وقال حاتم عبد القادر، وزير القدس الأسبق، «المبالغ الإسرائيلية المدفوعة في المنازل خياليه، إنهم مستعدون لدفع ملايين الدولارات في منازل عادية، وأحيانا يعرضون صكوكا على بياض لعقارات استراتيجية مهمة». ويرى عبد القادر أن على الدول العربية إنشاء صندوق بغرض شراء عقارات معروضة للبيع في القدس وأماكن أخرى وعدم تركها للإسرائيليين. وأضاف «من دون ذلك فإن مجاراة الإسرائيليين صعبة».

ولا تتم عمليات التسريب كلها بشكل مقصود، وقالت المصادر الأمنية إن بعض الفلسطينيين يتعرضون لعمليات خداع أحيانا، إذ يرسل الإسرائيليون عربا لشراء المنازل ومن ثم تحويل ملكيتها. ووقع كثير من الفلسطينيين في هذا الفخ.

ورغم أن المسألة برمتها ليست قانونية، إذ لا يسمح القانون الدولي للمحتل بالتملك في أراض يحتلها، فإن الإسرائيليين أقاموا مستوطنات كاملة وسيطروا على أراض كثيرة ودخلوا إلى قلب القدس والخليل عبر وثائق بيع وشراء، وللأسف اتضح أن بعضها صحيح.

ولا يعني ذلك أن كل المنازل والأراضي التي يستولي عليها المستوطنون تم بيعها، ولكن يوجد الكثير من الأراضي والمنازل التي سيطر عليها الإسرائيليون بالقوة بحجج مختلفة، مثل أنها مناطق أمنية وعسكرية، أو أنها مملوكة لليهود قبل عام 1948، أو أن أصحابها غير موجودين.

وعقب الخطيب قائلا «كل ذلك غير قانوني، وحتى التسريب لا يبرر الاستيلاء الإسرائيلي على الأراضي والممتلكات. القانون الدولي لا يعطيهم الحق بالإقامة في الأراضي المحتلة ولا بالتملك أيضا».