وزير الخارجية التونسي: لم نتراجع عن مواقفنا من المسألة السورية

رفيق عبد السلام: الانتخابات وتجربة الثورة بينتا أن الشعب التونسي يتمتع بدرجة عالية من الوعي والكفاءة

TT

قال وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام إن الانتخابات التي جرت في تونس، وتجربة الثورة بينت أن الشعب التونسي يتمتع بدرجة عالية من الوعي والكفاءة. واستدرك «لكن أتهم أحيانا بعض النخب التي تدفع باتجاه مطلبية سياسية واجتماعية مجحفة لا يمكن أن تتحملها الإمكانات الاقتصادية في مرحلة التحول وما بعد الثورة». وأشار أيضا إلى أن هناك بعض المجموعات والنخب تريد إرباك عمل الحكومة وأنهم لا يريدون أن تأتي الدول العربية وتساعد البلاد اقتصاديا وتبحث عن الفرص الاستثمارية في تونس، وذلك بخلفية وضع العصا في عجلة الحكومة، ويتجهون إلى إدانة علاقتنا بقطر، وبالمملكة العربية السعودية وبغيرها من الدول العربية وخاصة دول الخليج. مؤكدا على أن هناك تطورا في العلاقات التونسية السعودية وقال إن «زيارة رئيس الحكومة حمادي الجبالي للسعودية كانت ناجحة وموفقة وفتحت آفاقا واعدة في مجال التعاون الاقتصادي والاستثماري التونسي السعودي، وفعلا زارت وفود اقتصادية ورجال أعمال تونس للبحث عن الفرص المتاحة».

وحول التطور الملحوظ للعلاقات التونسية التركية قال عبد السلام لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقات تتطور وتنمو في مجالات متعددة في المجال الصناعي بدأنا خطوات عملية وهناك اتجاه لإقامة منطقة صناعية حرة بين تونس وتركيا، وستكون مفيدة للبلدين». كما أكد الوزير أن تونس لم تتراجع عن مواقفها من المسألة السورية، وقال «وموقفنا الذي عبرنا عنه في البداية في مجلس وزراء الخارجية العرب هو نفس الموقف الذي عبرنا عنه في مؤتمر أصدقاء الشعب السوري الذي انعقد في تونس، وهو الدعم الواضح والقوي للشعب السوري». وحول الوضع الداخلي في تونس قال الوزير إن «هناك بعض القوى الخائفة من عملية التغيير تختفي وراء المطلبية النقابية والاجتماعية» كما تحدث الوزير عن تنظيم قمة مغاربية تحتضنها تونس قبل نهاية العام الحالي. وعن الأوضاع الأمنية أكد أن البلاد تعيش وضعا من الاستقرار والأجهزة الأمنية تعمل بشكل عادي، كما أشار إلى عودة الحركة في القطاع السياحي حيث قال إن هذا الموسم ستعود النسب لما كانت عليه قبل الثورة وإنهم يعملون على تحسينها.

«الشرق الأوسط» التقت وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام على هامش زيارة عمل يؤديها للندن وكان لنا معه حوار هذا نصه:

* كيف وجدتم علاقات تونس الخارجية لدى تسلمكم الوزارة؟

- علاقات تونس ليست مرضية على الوجه الأكمل، وطبعا كان لتونس علاقات خارجية مع العالم الخارجي هي ليست دولة معزولة.. ليست كوريا الشمالية. ولكن علاقاتنا الخارجية ليست بالشكل المطلوب وقد عملنا بعد تسلم هذه الحقيبة على تفعيل علاقاتنا في مختلف الاتجاهات والأبعاد.

وجدنا جمودا وضعفا لعلاقات تونس بالمجال الأفريقي، وهذا ما لمسناه من خلال حضورنا القمة الأفريقية الماضية، في أديس أبابا كان حضور تونس لافتا، وذكر لنا العديد من الزعماء الأفارقة أن الرئيس بن علي لم يكن يحضر القمم الأفريقية إلا في حالات نادرة جدا، وكان هناك شعور بالتعالي كأن تونس خارج الفضاء والمجال الأفريقي بينما تونس اسمها التاريخي «إفريقية» فنحن بلد أفريقي حتى النخاع، وهذا مظهر من مظاهر القصور في السياسة الخارجية.

وسياستنا العربية كانت ضعيفة قبل الربيع العربي، كانت تونس من خلال وزير الخارجية تحضر مجالس وزراء العرب وحضور الرئيس عربيا غير منتظم مما ولد الشعور بأن تونس ليست مهتمة بما فيه الكفاية بعلاقاتها العربية ومحيطها العربي الواسع.

وحتى أوروبيا فباستثناء العلاقات الإدارية والخبراء التونسيين مع نظرائهم الأوروبيين، لم تكن هناك علاقات سياسية كانت ضعيفة، وهي لا تلبي التحديات المطلوبة.

* ما أهم التحديات التي تواجهكم؟

- أن نضمن حضورا دبلوماسيا نشيطا وفاعلا بالنسبة لتونس في مختلف الأبعاد والاتجاهات، سواء في المجال المغاربي ، أو المجال العربي والأفريقي، وفي مجالنا التقليدي الأوروبي لأن علاقاتنا الخارجية محددة لمصالحنا الحيوية بما في ذلك المجال الاقتصادي ونحن ندرك جيدا، التحول الذي يجري في العالم اليوم في المجال الدبلوماسي والعلاقات العامة مع الحكومات والتي أصبحت مرتبطة وموجهة بالبعد الاقتصادي، لذلك نحن نحاول تفعيل سياستنا الخارجية بما يخدم مصالحنا الاقتصادية وبما يضمن تطوير وتحسين وضعنا التنموي.

* هل المشكلات الداخلية في تونس وكثرة الاعتصامات تؤثر على صورة تونس أو تمثل عوائق أمام عملكم وكيف ذلك؟

- لا توجد أزمات في تونس، لكن توجد بعض المشكلات المطلبية، هناك مطالب نقابية ونحن نعمل على تلبيتها، وأبوابنا مفتوحة للنقابيين في وزارة الخارجية ولكن هذا أمر يدخل ضمن ديناميكية الثورة، وهناك بعض المطالب قد تكون مجحفة في بعض الأحيان، وهناك بعض القوى الخائفة من عملية التغيير تختفي وراء المطلبية النقابية والاجتماعية.

* من الطبيعي أن الوقت الذي مارستم فيه عملكم لم يسمح بعد بتكوين صورة متكاملة وعميقة عن وضع البلاد، مع ذلك هل تمكنتم من وضع خطة مدروسة لعملكم، أم أن خططكم تسير حسب الأحداث؟ والعمل بمبدأ لكل حادث حديث؟

- سياستنا الخارجية لم تبدأ مع هذه الحكومة لم نبدأ من الصفر، نحن لدينا تقاليد في العلاقات الدبلوماسية ،سنعمل على تطويرها، وتحسينها نحن لم نأت لننقد كل شيء ونهدم كل شيء، جئنا لنطور، ونعدل، سياستنا الخارجية تعمل على تنشيط علاقاتنا ضمن حلقات، الحلقة الأولى هي علاقاتنا التقليدية بالفضاء الأوروبي، فتونس بلد متوسطي و83 في المائة من مبادلاتنا مع الفضاء الأوروبي وهذا يقتضي اهتماما خاصا بهذه الحلقة. المجال الثاني هو المجال المغاربي ونحن نتحرك على مستوى خطة مدروسة لتفعيل علاقاتنا المغاربية وكانت لنا زيارات لليبيا الشقيقة التي زارها رئيس الجمهورية، وكنت مصاحبا له، ثم إلى المغرب وموريتانيا والجزائر، وكنا نحمل فكرة كبيرة وقد توجت بالنجاح، واتفقنا على عقد قمة مغاربية، ولأول مرة في تونس بعد أن تعطلت القمة المغاربية في مراكش واتفقنا على أن تنعقد في النصف الثاني من 2012 وما زلنا نتناقش عبر القنوات الدبلوماسية لتحديد تاريخ دقيق لهذه القمة. ونتحرك على جبهات أخرى بموازاة ذلك في المجال الأفريقي فنحن حريصون على تفعيل وتنشيط علاقاتنا، وكذلك واعون بالتحولات التي تجري في نظام العلاقات الدولية وهناك متغيرات أساسية، هناك قوى ودول إقليمية ودولية صاعدة، وأخرى عائدة إلى الساحة الدولية ونحن حريصون على نسج علاقات تواصل وتعاون في المجال الاقتصادي والسياسي مع هذه القوى الصاعدة في العالم.

* لاحظنا أنه داخل الوزارة وأغلب المناصب المهمة تحتلها أسماء من النظام القديم، هل هذا يعطل عملكم مع أن الجميع يعلمون مواقف هؤلاء منكم في الماضي؟

- هذا العنصر مؤثر لكن نتعامل معه بواقعية، ولاشك أن هناك إدارة مهنية في تونس ولكن لمسنا أن هناك إرادة لتعطيل عمل الحكومة، من الإدارة أو بعض المواقع في الإدارة لا تستجيب بالقدر الكافي لتطلعاتنا ومخططات وبرامج الحكومة، لكن نحن حريصون على التطوير ضمن التقاليد المهنية الإدارية في تونس ولا نريد أن نخرج عن هذه السياقات العامة. سيتم تغيير مرحلي وفق برنامج الحكومة. نحن بصدد صياغة برنامج اجتماعي واقتصادي للحكومة وسيعرض على المجلس الوطني.

* إقرار الحكومة بالإبقاء على الفصل الأول من الدستور وعدم الاعتماد على الشريعة في التشريع، ماذا أرادت الحكومة منه؟

- نحن بحاجة لصياغة دستور توافقي يجنبنا آفة الاستقطاب الآيديولوجي، تونس بلد منسجم ومتجانس لا توجد اختلافات عرقية وطائفية والفصل الأول من الدستور يوفي بالغرض والذي يحدد هوية تونس وهي أنها بلد جمهوري دينها الإسلام ولغتها العربية ولا أعتقد أن التونسيين مختلفون حول هذه النقطة، ولا نريد أن ندفع الأمور باتجاه اليمين أو اليسار، موقفنا وسطي ونبحث عن المشتركات الوطنية خاصة في مرحلة الانتقال الديمقراطي التي تحتاج إلى تجميع طاقات وإمكانات التونسيين جميعا.

* ألا يمكن لقرار مشابه أن يصعد من ردود أفعال السلفيين الذين ظهروا في تونس ويصعد من أعمال العنف من طرفهم؟

- القرارات السياسية يجب أن تبنى بعقلانية وبحكمة وتقدير للمصلحة الوطنية العامة وليس المقياس ما يقوله حزب ما من هذه المجموعة الآيديولوجية أو تلك، القياس الأساسي هو مصالحنا الوطنية، وضمان استقرار بلدنا وتقدمها في مجال الانتقال الديمقراطي خاصة أننا في بداية هذا المشوار الذي يحتاج إلى روح عملية وروح توافقية.

* تغييب المظاهر الإسلامية من الحكومة وعملها، هل هو طمأنة للخارج أو للداخل أو رسالة لهما معا؟

- هذه الحكومة ليست حكومة النهضة هي حكومة ائتلاف وطني، بمعنى أن الحزب الأغلبي هو النهضة لكن الشراكة الوطنية تنعكس على مؤسسات الحكم في أعلى مستوياتها ، إذا كان لك رئيس دولة من حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» ورئيس المجلس الوطني التأسيسي من «التكتل» في وقت بعض الخبراء يصفون نظامنا السياسي بأنه نظام مجلسي، هذه المسألة ليست مصطنعة، وهذه الشراكة تقتضي أن تنعكس في مختلف برامج الحكومة وأدائها السياسي وأولوياتها السياسية والاقتصادية، وهذا ما نراه على أرض الواقع، نحن حريصون على أن يكون برنامجنا توافقيا بين الكتل الثلاث ولن يكون برنامجا حزبيا.

* أثارت تصريحات الشيخ راشد ضجة إعلامية كبيرة خاصة في السعودية، ثم نفى هذه التصريحات وبعدها قام رئيس الحكومة بزيارة للمملكة، لو تحدثنا عن العلاقات التونسية السعودية وخاصة الاستثمارات التي سمعنا عنها؟

- زيارة رئيس الحكومة حمادي الجبالي للسعودية كانت ناجحة وموفقة فتحت آفاقا واعدة في مجال التعاون الاقتصادي والاستثماري التونسي السعودي، وفعلا زارت وفود اقتصادية ورجال أعمال تونس للبحث عن الفرص المتاحة. وأتصور أن هناك فرصا واعدة ونحن نقدر عاليا أن السعودية بلد مهم من الناحية السياسية والاقتصادية، ونحن سياستنا تتجه لتوثيق علاقاتنا وصلاتنا بأشقائنا العرب يما في ذلك المملكة العربية السعودية، لا شك هناك مطلب شعبي يتعلق باستعادة بن علي ونحن كحكومة لا نملك إلا أن نستجيب ونعكس المطالب الشعبية العامة ولكن هذا الأمر لن يقف عقبة أمام علاقتنا العربية العربية.

هناك تطور في العلاقات التونسية السعودية لأن تونس أصبحت تتوفر على أرضية اقتصادية واستثمارية أكبر صلابة، والمعضلة الكبرى التي عانت منها تونس هي معضلة الفساد المنهجي الذي نخر الاقتصاد الوطني وخرب علاقات تونس الخارجية، وهذه الحكومة تعمل بجدية للقضاء على الفساد وضمان تشريعات قانونية عادلة والنزاهة كل هذا من شأنه أن يوفر أرضية صلبة للاستثمار والتنمية الاقتصادية المتوازنة.

* قطر الدولة التي أحبها ثوار تونس عبر «الجزيرة» ودعمتهم، لكن اليوم ضجر التونسيون منها ويعتبرون أنكم تنسقون معها في تسيير شؤون البلاد، ما صحة هذا الأمر؟

- هذا ليس موقف الشعب التونسي قطعا لكن هناك بعض المجموعات والنخب تريد إرباك الحكومة لأنهم لا يريدون أن تأتي الدول العربية وتساعد اقتصاديا وتبحث عن الفرص الاستثمارية في تونس بخلفية وضع العصا في عجلة الحكومة يتجهون إلى إدانة علاقتنا بقطر، وبالمملكة العربية السعودية وبغيرها من الدول العربية، ومن ذلك كل دول الخليج، الحكومة ليست مدانة على هذا الصعيد، بل هذا أمر يشرفنا أن تكون علاقاتنا جيدة ومتميزة مع أشقائنا العرب وليس لدينا ما نخجل منه في هذا الجانب، وإذا كان هؤلاء يحرصون على سيادة تونس، فلم لم نر هذا الحرص مع دول أخرى، فيما يتعلق الأمر بدول أجنبية، نرجو أن نرى الحمية الوطنية دائما موجودة وليس إزاء قطر أو بعض الدول العربية فقط.

* تركيا.. لم تكن لتونس بها علاقات متميزة في الماضي لكن الآن الحضور التركي مميز سياسيا واقتصاديا من خلال المشاريع الضخمة التي أعلن عنها، والاستثمارات التركية في تونس، فما طبيعة علاقتكم بها؟

- هذا شيء إيجابي ونود أن تنسج بقية الدول على هذا المنوال، فتونس ليست حكرا على تركيا، علاقة تونس بتركيا جيدة تتجه نحو التطور الإيجابي يوما بعد يوم، قمنا بزيارة رسمية إلى تركيا، وزارنا الرئيس التركي غل في زيارة رسمية، العلاقات تتطور وتنمو في مجالات متعددة، مثل السياحة، المجال المالي في مجال التدريب وتطوير القدرات والطاقات، في المجال الصناعي بدأنا خطوات عملية وهناك اتجاه لإقامة منطقة صناعية حرة بين تونس وتركيا، وستكون مفيدة للبلدين.

* القضية السورية بين دعم للمعارضة الذي أبداه السيد الرئيس والذي جاء ساخنا مندفعا في البداية ثم فتر بشكل كبير أغضب أعضاء المجلس الوطني، والجيش الحر الذين رفض الرئيس التحدث إليهم، ما الموضوع؟ هل هي سياسة داخلية أم أن ضغوطا خارجية في الموضوع؟

- لا.. لم تتراجع تونس في موقفها من المسألة السورية، وموقفنا الذين عبرنا عنه في البداية في مجلس وزراء الخارجية العرب هو نفس الموقف الذي عبرنا عنه في مؤتمر أصدقاء الشعب السوري الذي انعقد في تونس، وهو الدعم الواضح والقوي للشعب السوري في مطالبه المشروعة في الحرية والديمقراطية والعدالة، وإدانة العنف وعملية القتل العشوائي التي يخضع لها الشعب السوري في كثير من المدن والقرى السورية، لن نتراجع أو نتردد في ذلك، مع حرصنا على أن يكون الحل في الإطار الوطني السوري، وفي الإطار العربي، ونحرص على أمن مجتمعاتنا واستقرارها، وأن لا نفتح المجال أمام التدخلات الخارجية، نحن كثورة سلمية نموذجية لا نستطيع أن ندافع إلا عن هذه التوجهات.

لكن إرضاء المعارضات غاية لا تدرك، بعض الإخوة السوريين لم ينظروا إلا للنصف الفارغ من الكأس، ولم ينظروا للنصف الملآن وهو أن المعارضة السورية لأول مرة يتم الاعتراف بها كممثل شرعي للشعب السوري في تونس، ولأول مرة تتاح لها فرصة التحدث باسم الشعب السوري حضرت بما يشبه التمثيل الرسمي كدولة وحرصنا أن يكون صوت موحد للمعارضة السورية وأتحنا لهم هذه الفرصة، أتصور أن هذا لم يتح لهم في أي من المؤتمرات الإقليمية أو الدولية، وكنا ننتظر تقديرا وشكرا من المعارضة السورية لا أن ندان على ذلك.

* مبادرة كوفي أنان ، هل - إن تحققت - هل ترضيكم؛ لأنها لا تنص على تنحي الأسد رغم عدد القتلى المرتفع في سوريا؟

- نحن لسنا متفائلين كثيرا بالوضع السوري لأن هناك تجارب سابقة ليست إيجابية لأنه يمكن الاستجابة على الورق ولكن على مستوى الممارسة العملية الأمور تختلف، نأمل أن تسفه توقعاتنا هذه المرة وأن تتم الاستجابة للمقترحات التي جاءت بها مبادرة أنان، ولكن لا نستطيع الحكم الآن فيعتبر حكمي سابقا لأوانه لأنها مجرد خطوات أولية لعودة الهدوء والاستقرار وسنرى الأمور كيف ستسير فيما بعد وهل أن النظام السوري مستعد لإجراء انتخابات حقيقية، وليفسح المجال أمام حكومة وحدة وطنية تتسلم مقاليد الأمور، كل هذا سيظل معلقا إلى أن تتقدم هذه المفاوضات إن كتب لها أن تتقدم وتجد الاستجابة المطلوبة من طرف النظام السوري.

* جرى إشكال في تونس بين رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي الذي أعلن أن تونس مستعدة لقبول الأسد ضيفا تجنبا لسفك الدماء، ثم نفي رئيس الحكومة حمادي الجبالي لهذا الأمر. فما موقف تونس الحقيقي؟

- هذا الخلاف أرى أنه افتراضي وليس خلافا واقعيا لأن الرئيس طرح هذا المقترح في سياق جدالي أو سجالي، قال: إذا كان ولا بد للخروج من المأزق الذي تتخبط فيه سوريا، نفسح المجال وتوفير مخرج للنظام السوري فليكن، أجاب رئيس الحكومة بوجهة نظر أخرى لكن الأمور افتراضية، لأننا لم نتلق طلبا رسميا من الأسد للانتقال لتونس حتى يكون الموضوع موقع خلاف.

* من أهم المؤشرات التي ستطمئن الناس وتجعلهم يعلمون أن تونس بخير هي عودة القطاع السياحي ودوران عجلة الاقتصاد، الذي لن يتحقق من دون الاستثمارات والتعاون الخارجي، فكيف تسير الأمور؟

- نشعر بهذه المسؤولية الثقيلة وتونس مصالحها مرتبطة إلى حد كبير بالخارج، نحن لا نمتلك ثروات طبيعية كبيرة ولكن نمتلك ثروة أهم من ذلك وهي الرصيد البشري ورصيد علاقاتنا بالمحيط الخارجي، تونس تمتلك رصيدا معنويا مهما وهو ما يسمى بالقوى الناعمة التونسية، وكل العالم يقدر تونس ويحق للتونسي أن يمشي ورأسه مرفوع اليوم لأنه أنجز ثورة شرف بها العالم العربي وهي ثورة سلمية هادئة ثم انتقلنا إلى ثورة ثانية هي ثورة ديمقراطية. نحن نواكب التحول من الدبلوماسية السياسية إلى الدبلوماسية الاقتصادية.

ووضعنا السياحي ليس كارثيا، ومن دون شك واجهنا صعوبات، تراجعت نسبة السياحة في تونس ما بين 30 و35 في المائة ولكنها تدريجيا تعود لنفس الرقم الذي كانت عليه سنة 2010 وهذا بفضل الجهود الدبلوماسية التونسية، الأرقام عادت بعودة أرقام السياح تقريبا لنفس المعدل، وكانت لنا خلال هذه الزيارة جلسات مع رجال أعمال بريطانيين ولمسنا منهم تشجيعا للقطاع السياحي في تونس ومؤشرات الحجز إلى حد الآن مرضية، كذلك السياح الفرنسيون يعودون لنفس المعدل، هنالك آفاق واعدة مما يجعلني أقول إن هذا الموسم السياحي سيكون جيدا وناجحا ونتجه إلى تطوير القطاع السياحي كما وكيفا. وسنحاول استقطاب نوع آخر من السياح الذين لم يتعودوا المجيء إلى تونس.

* لماذا تتهرب الدولة من تحديد موعد للانتخابات القادمة، هل لأنها تشعر بأن الكثير من الوقت ضاع في مسائل لم تكن في الحسبان؟

- لا ليس هناك تهرب، وأتصور أن موعد الانتخابات سيكون في حدود سنة من الآن، التزمنا معنويا قبل تسلم الحكومة بين مختلف الأحزاب السياسية حسب اتفاق أمضت عليه أغلب الأحزاب السياسية أن تكون مدة الحكومة بين سنة وسنة ونصف على أقصى تقدير، وهناك مقترح أعلن عنه رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر عن أن الانتخابات ستكون مارس (آذار) القادم وستناقش حكومة التريكا هذا الأمر وقد تمدد فيه شهرين أو ثلاثة، ونحن حريصون على الالتزام بهذه الحكومة وأن لا يطول العمر الافتراضي لهذه الحكومة فمهمتها الأساسية هي صياغة الدستور ووضع مرتكزات النظام السياسي الجديد وخدمة المصالح الوطنية التونسية في هذه المرحلة الانتقالية.

* ما مدى نزاهة المعارضة في تونس، هل تعمل بشكل شفاف أم أن هناك من يحركها من وراء الستار؟

- أنا لا أريد أن أحكم حكما أخلاقيا على المعارضة، ولكن للأسف رأينا بعض مكونات المعارضة، ولا أتهم كل المعارضة، لكن بعض الأطياف عملت على إرباك الحكومة منذ الأسابيع الأولى لتفجير مطلبية سياسية واجتماعية مجحفة لا يمكن أن تتحملها أي حكومة في العالم في بداية تكوينها فضلا عن أنها حكومة ما بعد ثورة وفي بداية انتقال ديمقراطي، للأسف بعض مكونات المعارضة لا تمتلك ما يكفي من النزاهة ولم تتحمل المسؤولية على الوجه المطلوب. ويعود هذا لحسابات آيديولوجية قاصرة.

* الوضع في تونس الآن هل هو أسوأ مما توقعتم أنه سيكون عليهم أو كما توقعتم؟

- من يقرأ التاريخ السياسي للثورات يدرك أن ما رأيناه وما نعيشه في تونس يعتبر أكثر بكثير من المتوقع، ما حدث في تونس يشبه المعجزة السياسية، في ظرف سنة من عمر الثورة أجرينا انتخابات بشيء من السلاسة والهدوء استنادا إلى مبدأ التوافق الوطني، وأفرزنا مجلسا وطنيا تونسيا تأسيسيا شرف التونسيين، أول تجربة ديمقراطية في تاريخ تونس، تكونت حكومة ائتلاف وطني تمثل نموذجا مبهرا بالنسبة لتونس وعموم المنطقة، والحكومة تعمل ليل نهار للاستجابة لتطلعات التونسيين في تحسين أوضاعهم المعيشية والاقتصادية والأمور تسير في الوجهة السليمة رغم بعض الصعوبات المرتبطة بديناميكية الثورات. الوضع في تونس أفضل بكثير مما كان عليه قبل الثورة. للمرء اليوم أن يتجول في تونس بعد منتصف الليل دون أن يخشى على نفسه.

* الوعي الشعبي في تونس.. كيف تقيمونه؟ هل أبدى التونسيون بعد الثورة قدرا من الوعي والتفهم للأوضاع ولعمل الحكومة؟

- هناك الكثير من المطالب الاجتماعية وهي كانت مكبوتة لسنوات طويلة وانفجرت فجأة، بن علي كان صنع وضعا مزيفا وكان يضغط على كل المطالب السياسية والاجتماعية ومن الطبيعي أن تنفجر هذه المطلبية في وجوهنا فجأة، لا أفسر هذا الأمر بقلة الوعي السياسي، الشعب التونسي شعب واعٍ ومثقف ومسيس، وشعب ذكي يراقب الأمور عن كثب ويعرف ما يجري في تونس وفي العالم. الانتخابات وتجربة الثورة بينت أن الشعب التونسي يتمتع بدرجة عالية من الكفاءة. لكن أتهم أحيانا بعض النخب التي تدفع باتجاه مطلبية سياسية واجتماعية مجحفة لا يمكن أن تتحملها الإمكانات الاقتصادية في مرحلة التحول وما بعد الثورة.

* الارتباك وعدم الحسم في الأمور في العديد من المناسبات خاصة من طرف وزارة الخارجية في قضية الجامعة، وقضية التهديدات للسبسي مثلا، لماذا؟

- على العكس أنا أرى أن وزارة الداخلية تتحرك بنجاعة وأكثر من المتوقع في مرحلة ما بعد ثورة، كنا نعيش شيئا من الاضطراب الأمني والجهاز الأمني كان مدانا إلى حد كبير باعتباره لدى قسط كبير من الشعب التونسي كان متورطا في مرحلة بن علي هذا ولد نوعا من الارتخاء والتردد والخوف لدى الأجهزة الأمنية في البداية وأثر على أدائها العام لكن ما نلاحظه الآن عودة نشيطة للمؤسسات والأجهزة الأمنية لتشتغل بمهنية وفي إطار احترام القانون، نحن في هذه المرحلة نحتاج أن نقيم خيط التمييز الفاصل بين تطبيق القانون وممارسة الحرية والفوضى، ولذلك تتحمل المؤسسة الأمنية مسؤولية خاصة في تمثيل القانون والحفاظ على الأمن والاستقرار، بلا شك واجهت أحيانا مشكلات تفوق طاقتها لكن لا أرى أن تونس تعيش مشكلة أمنية فقط هناك بعض الصعوبات، والأمور تعود لمسارها بشكل عام.

* أعلنت الحكومة في عدة مناسبات عن سوء الوضع الإعلامي وتقصير الإعلام الوطني في أداء عمله في هذه المرحلة، وبأن التقصير متعمد، ما رأيكم في هذا الموقف؟

- للأسف، نحن لا ندين الإعلام بإطلاق لكن جزء من المؤسسات الإعلامية حاول أن لا يواكب وتيرة السير العام للتطور الذي تعيشه تونس، كان عليهم مسايرة كل التطورات السياسية والاجتماعية في تونس لكن مسيرة الإعلام ما زالت بطيئة، وأنا لا أتهم كل وسائل الإعلام ولكن أقول إن جزءا منها متحيز ولا يتوفر على الموضوعية والنزاهة المطلوبة، نحن لا نريد إعلاما دعائيا، إعلام بروباغندا، لكن نريد إعلاما يتوفر على الشروط المهنية المطلوبة، موضوعيا ينتقد حيث يجب النقد وينقل الواقع كما هو. والحكومة لا تقوم بالتغييرات خوفا من أن تتهم بالتدخل في المجال الإعلامي ونحن حريصون على الحفاظ على المؤسسة الوطنية.

* قرابتكم من رئيس الحزب ألا تسبب لكم حرجا خاصة أن قضية الأصهار في تونس ذات حساسية فائقة؟

- لم تكن لدينا أي مخاوف أو حرج في هذا الجانب، نحن لا نوزع الحقائب والمناصب الوزارية حسب علاقات القرابة، هو قرار مؤسسي قرره المكتب التنفيذي لحركة النهضة، ثم أحيل الأمر للمناطق في مختلف ولايات الجمهورية وأخيرا نوقش في الهيئة التأسيسية وجرت عملية انتخابات حرة، لم أحضرها أنا وأتصور أن قيادات النهضة تمتلك ما يكفي من الوعي والرشد لاختيار الرجل المناسب في المكان المناسب وليس لأن رفيق عبد السلام عبقرية خاصة لا تتوفر عند الآخرين. ومن سيحكم على الأداء هو الشعب التونسي.

تونس والحمد لله أوضاعها مبشرة بخير ويحق للتونسيين أن يفخروا. والبلد ينفتح اليوم، فتونس بخير وكما يقول إيليا أبو ماضي: كن جميلا تر الوجود جميلا.