الحكومة المغربية تقرر خصم أجور المضربين عن العمل للحد من ظاهرة الإضرابات

تداعيات «الربيع العربي» أدت إلى تنامي وتيرتها

TT

قررت الحكومة المغربية اقتطاع ساعات الإضراب عن العمل من أجور العاملين الذين يخوضون إضرابا في الإدارات الحكومية. وقال مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، إن القرار اتخذ خلال اجتماع للحكومة أول من أمس، مشيرا إلى أن مشاورات تجري حاليا لبحث تطبيق القرار.

ولم يكن القرار الحكومي مفاجئا، إذ يجري الحديث عنه منذ مدة، خاصة مع تنامي ظاهرة الإضرابات المتكررة في عدة مرافق حكومية، مما يؤدي إلى تعطيل مصالح كثيرين. ومن بين المرافق التي عرفت وتيرة الإضرابات فيها تصاعدا غير مسبوق البلديات، حيث كان موظفوها يخوضون إضرابات في بعض الأحيان تصل إلى أربعة أيام في الأسبوع بحيث يعملون يوما واحدا فقط كل أسبوع.

وفي سياق تداعيات الربيع العربي، عرف المغرب خلال العام الماضي عددا قياسيا من الإضرابات، بلغ 400 إضراب، مقابل 241 إضرابا في عام 2010، و231 إضرابا في 2009. وكانت الإضرابات في المغرب قد عرفت قفزة من 182 إضرابا في 2007 إلى223 إضرابا في 2008، بسبب اندلاع الأزمة المالية العالمية، وسبق للحكومة السابقة أن طرحت مسألة الاقتطاع من أجور الموظفين بهدف مواجهة تصاعد الإضرابات خلال عام 2008، غير أنها سرعان ما تراجعت عن هذا التوجه. ومنذ بداية العام الحالي، عرف المغرب إضرابات متكررة في عدة قطاعات، منها التعليم والصحة والتكوين المهني والعدالة. ومما يزيد من صعوبة التحكم في الإضرابات في المغرب تعدد الاتحادات العمالية، التي بلغ عددها 33 نقابة. فما تكاد الحكومة تتوصل إلى اتفاق مع نقابة أو مجموعة من النقابات التي تقود حركة احتجاجية في قطاع معين، حتى تقوم نقابة أصغر باستغلال الفرصة والدعوة لإضراب بسقف مطالب أعلى من الذي تم التوصل إليه في الاتفاق، وتجد الدعوة الجديدة من يستجيب لها، خاصة الغاضبين من النقابة الأولى.

ويتوقع أن تواجه حكومة عبد الإله ابن كيران مقاومة شرسة لقرارها من طرف النقابات. وقال العربي بن العربي، نائب الأمين العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل (اتحاد عمالي مقرب من التيارات اليسارية)، «سنواجه هذا القرار». وأشار بن العربي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن قرار الحكومة يشكل تضييقا على الحرية النقابية، التي تعتبرها النقابات «حقا مقدسا» لا تنازل عنه. وأضاف بن العربي «كان يجب على الحكومة أن تتجه نحو المعضلات الاجتماعية الكبرى لمعالجتها، والبحث عن تصور شمولي لمعالجة الوضع الاجتماعي، بدل اختيار الطريق الأسهل واعتماد نفس المقاربة غير المجدية التي طوقتنا مند عقود والتي لن تزيد الوضع إلا سوءا» على حد اعتقاده.

ويرى بن العربي أن قرار الحكومة لن يحد من الاحتجاجات، وقال «بالنسبة للنقابات ستواجه القرار وستدافع عن حرية العمل النقابي. لكن، لا يجب أن ننسى أن هناك احتجاجات العاطلين أيضا، واحتجاجات السكان على تردي الأوضاع الاجتماعية، والاحتجاج على ظروف السكن، وارتفاع فواتير الماء والكهرباء. ماذا جدوى قرار الاقتطاع من الأجر بالنسبة لهؤلاء». وقال بن العربي «على الحكومة أن تحاور جميع القوى الاجتماعية وأن تعمل على تشخيص الوضع الاجتماعي ووضع خطة وطنية لتجاوز المأزق، بدل القرارات الترقيعية الجزئية»، على حد تعبيره.

وسيطبق قرار الحكومة حول خصم أجور المضربين فقط بالموظفين في القطاعات والمصالح الحكومية. أما في القطاع الخاص، فالأوضاع تختلف من شركة إلى شركة حسب موازين القوى بين النقابات ورجال الأعمال. فمبدأ اقتطاع أيام الإضراب من الأجر يطبق في بعض الشركات والقطاعات الخاصة ولا يطبق في شركات أخرى.

وإلى ذلك، أعلنت الحكومة عن تشكيل لجنة تضم وزراء الداخلية والعدل والحريات والتشغيل والتكوين المهني والتعليم والوظيفة العمومية وتحديث الإدارة ووزارة الاتصال ستعمل على بلورة سياسة شمولية ومتكاملة لتنظيم الإضراب. وأوضح الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة، أن اللجنة ستعكف على إعداد مشروع القانون المنظم للإضراب. وتجدر الإشارة إلى أن جميع الدساتير التي اعتمدها المغرب منذ استقلاله تنص على حق الإضراب على أن يصدر قانون ينظم ممارسة ذلك الحق، وهو القانون الذي لم يصدر قط، حيث لم تنجح أي حكومة من الحكومات التي تعاقبت على المغرب حتى الآن من إصدار مثل هذا القانون. وتتباين وجهات نظر الاتحادات العمالية في الموضوع، حيث ترى «الفيدرالية الديمقراطية للشغل» القريبة من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (معارض)، أن تنظيم وترقية العمل النقابي في المغرب يتطلب ليس إصدار قانون للإضراب، وإنما أيضا قانونا للنقابات، التي تخضع اليوم لقانون الجمعيات والحريات العامة، ويرى الاتحاد المغربي للشغل أن تنظيم الإضراب لا يجب أن يخضع لقانون واحد، وإنما يجب إدخاله في إطار الاتفاقيات الجماعية على صعيد كل قطاع بسبب الاختلافات بين القطاعات، فقطاع التعليم يختلف عن قطاع الصحة في ما يخص تقنيات الإضراب وأسبابه وتداعياته، وكذلك يختلف قطاع المصارف عن قطاع النسيج.