مالي: سقوط كيدال في يد المتمردين وضغط خارجي على الانقلابيين

«الإيكواس» تمهل الحكام الجدد 72 ساعة للعودة للشرعية أو مواجهة حظر دبلوماسي ومالي

مواجهات بين مؤيدين للانقلابيين وآخرين مناهضين لهم في شوارع باماكو مساء أول من أمس (رويترز)
TT

فيما سيطر متمردون من الطوارق ومجموعات إسلامية مسلحة على مدينة كيدال الاستراتيجية في شمال مالي أمس، تكثفت الضغوط الخارجية على الانقلابيين الذين استولوا على السلطة في باماكو في 22 من الشهر الحالي، بعد أن هددتهم المنظمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) بحظر دبلوماسي ومالي إذا لم يعودوا إلى النظام الدستوري.

وقالت مصادر محلية في مدينة كيدال أمس إن المتمردين باتوا يسيطرون على الوضع «والجيش لم يقاوم». وأضافت المصادر أن المسلحين شنوا هجومهم الليلة قبل الماضية، ثم توقفوا لفترة قبل أن يستأنفوا صباحا وسيطروا على الوضع. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن موظف في المدينة قوله: «إن أتباع إياد (اغ غالي، زعيم مجموعة أنصار الدين) دخلوا إلى المدينة وطلبوا منا أن لا نخاف. وكانوا يكبرون والناس ترد عليهم بالمثل». وقال مصدر دبلوماسي أفريقي إنها مجموعة أنصار الدين بزعامة إياد اغ غالي. وكانت الحركة الوطنية لتحرير ازاواد، أبرز مجموعة طوارق متمردة، وأنصار الدين التي يتحدر زعيمها من كيدال، تطوق المدينة منذ عدة أيام.

وجاء هذا التطور فيما هددت المنظمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) الانقلابيين في باماكو بعواقب وخيمة إذا لم يعودوا إلى النظام الدستوري بحلول الاثنين المقبل. وبات قائد الانقلابيين الكابتن أمادو سانوغو أمام خيارين، إما أن يمتثل لتحذير تلك المنظمة، أو التسبب بإخضاع مالي البلد الفقير من دون منافذ على البحر، إلى عزلة كارثية. وقد أثيرت تساؤلات حول هذه الطريقة القوية التي استعملها قادة دول غرب أفريقيا مع الانقلابيين الذين أطاحوا بالرئيس أمادو توماني توري، الذي يقول: إنه ليس سجينا لكن مكان وجوده يبقى مجهولا.

وفي جنيف اعتبر الممثل الخاص للأمم المتحدة في غرب أفريقيا سعيد جانيت أن العقوبات الملوح بها «تستهدف الانقلابيين في الأساس» لكنه أقر بأنه «إذا استمر الوضع فقد تطال البلاد». وأعرب عن «الأمل في أن تؤتي مختلف ضغوط المجتمع المدني الذي يدعو إلى العودة فورا إلى النظام الدستوري، والمجتمع الدولي، ثمارها». لكن مصدرا دبلوماسيا آخر في باماكو، حذر في تصريح نقلته وكالة الصحافة الفرنسية من أنه «إذا حشرنا الانقلابيين تماما فإنهم قد يردون بسلبية كبيرة» مفضلا مزيدا من «الليونة» في مرحلة أولى.

وقد اختار قادة دول المنطقة الذين اجتمعوا أول من أمس، من حول الرئيس العاجي الحسن وتارا، طريقة جذرية تشبه موقف منظمة غرب أفريقيا أمام ساحل العاج عندما رفض رئيسها حينها لوران غباغبو التنحي عن السلطة بعد هزيمته في الانتخابات الرئاسية في 2010 - 2011. وهددت منظمة غرب أفريقيا مالي «بحظر دبلوماسي ومالي» إذا لم تعد إلى النظام الدستوري «في مهلة أقصاها 72 ساعة» أي بعد غد الاثنين، «على أقصى تقدير». وقد تختنق هذه البلاد المتداعية أصلا، خصوصا بإغلاق حدودها ومنعها من الوصول إلى موانئ الدول الساحلية في المنطقة وتجميد حسابات مالي في البنك المركزي بمنطقة غرب أفريقيا. حتى أن التهديدات الموجهة إلى أعضاء اللجنة الوطنية للإصلاح والديمقراطية (مجلس الانقلابيين) شملت منعهم من السفر وتجميد حساباتهم في المنطقة.

وصدرت التهديدات إثر فشل وساطة وتارا ورؤساء دول أخرى من المنطقة أول من أمس، وإلغاء زيارة كانوا على وشك القيام بها، عقب مظاهرة صغيرة قام بها موالون للانقلابيين على مدرج المطار. وقدم قائد الانقلابيين أمس اعتذاراته من «حادث مؤسف خارج عن إرادتنا» في إشارة إلى تلك المظاهرة. وأضاف: «إننا فهمنا موقف منظمة غرب أفريقيا ونرحب بإرادة الطرفين الاستمرار في تفضيل الحوار»، مؤكدا أننا «نجدد دعوتنا إلى المنظمة كي تزيد في تعميق تحليلها للوضع في مالي»، ومتحدثا عن «الشر» الذي تعاني منه الديمقراطية المالية وتمرد الشمال.

وحتى الوقت الراهن يجهد الانقلابيون في فرض الأمر الواقع مكثفين الإجراءات الرامية إلى تطبيع الوضع خصوصا المصادقة على دستور يفترض أن يسمح بإدارة مرحلة انتقالية حتى الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي لم يحدد موعدها بعد. ويعلم الانقلابيون أن بإمكانهم الاعتماد على قسم من الشعب المستاء من ظروف الحياة الصعبة التي يعانيها معظم السكان ومن تفشي الفساد.

وفي باماكو، تدهور الوضع بعد إصابة 3 أشخاص بجروح خطيرة عقب هجوم شنه موالون للانقلابيين على مقر الجبهة المعادية للانقلاب، بينما تواجه الصحافة الدولية مزيدا من العرقلات من قبل موالين للنظام الجديد. ويواجه النظام الجديد أيضا خطرا داخليا كبيرا يتمثل في حركة تمرد الطوارق التي اندلعت منذ منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي ومجموعات إسلامية مسلحة تغتنم فرصة الغموض السياسي في باماكو لتواصل زحفها إلى الشمال.

وقد برر الانقلابيون تحركهم ضد أمادو توماني توري بفشله أمام حركة التمرد. وأعلن قائد الانقلابيين أمس أن الوضع حاليا في الشمال «خطير» بسبب زحف المتمردين الطوارق والإسلاميين المسلحين، مؤكدا أن الجيش في حاجة إلى «دعم» خارجي. وقال في خطاب أمام الصحافيين في ثكنة كاتي قرب باماكو التي تعتبر مقره العام إن «المتمردين يواصلون التعدي على بلادنا وإرهاب السكان. إن الوضع حاليا خطير وجيشنا في حاجة إلى دعم من أصدقاء مالي لإنقاذ المدنيين والمحافظة على وحدة التراب الوطني في مالي».