حصيلة رحلة هروب بن لادن في باكستان.. أربعة أطفال وخمسة منازل

أسئلة حول تنقل أهم رجل على قائمة المطلوبين في أنحاء باكستان دون اكتشاف أمره > زوجته اليمنية أنجبت طفلين في مستشفيات حكومية

أسامة بن لادن
TT

قالت صغرى زوجات بن لادن للمحققين الباكستانيين، إنه قد قضى تسع سنوات هاربا في باكستان بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، وتنقل خلال تلك الفترة بين خمسة منازل آمنة ورزق بأربعة أبناء، وُلد اثنان منهم على الأقل في مستشفى حكومي.

وتعد شهادة أمل أحمد عبد الفتاح، زوجة بن لادن (اليمنية) التي تبلغ من العمر 30 عاما، هي الأكثر تفصيلا حتى الآن عن حياة أسرة بن لادن أثناء فترة هروبه في الأعوام التي سبقت العملية التي قامت بها القوات الأميركية الخاصة في شهر مايو (أيار) عام 2011 والتي قتل خلالها زعيم تنظيم القاعدة عن عمر يناهز 54 عاما.

وردت تلك الشهادة، حول أسرة حياة بن لادن أثناء تلك الفترة العصيبة، في تقرير للشرطة بتاريخ 19 يناير (كانون الثاني)، لكنها لا تخلو من ثغرات واضحة، حيث قام أحد رجال الشرطة بتفنيد كلام عبد الفتاح ولاحظ وجود معلومات قليلة للغاية حول الباكستانيين الذين ساعدوا زوجها في الهروب من ملاحقة الأميركيين.

وعلى الرغم من ذلك، تثير تلك الشهادة الكثير من الأسئلة حول كيفية قيام أهم رجل على قائمة المطلوبين على مستوى العالم بالتنقل مع أسرته على مدى تسع سنوات بين مدن تمتد باتساع باكستان من دون أن يتم اكتشاف أمره كما يبدو ومن دون التعرض إلى أي مضايقات من قبل الأجهزة الأمنية القوية.

وتعد أرامل بن لادن الثلاث، اللاتي تم وضعهن رهن الإقامة الجبرية في إسلام آباد، من الشخصيات المهمة، حيث يملكن الإجابات عن بعض الأسئلة التي حيرت أجهزة الاستخبارات الغربية في الفترة التي أعقبت عام 2001. ويقول محامي الأرامل الثلاث إنه يتوقع توجيه اتهام إليهن، بالإضافة إلى ابنتي بالغتين لبن لادن وهما مريم (21 عاما)، وسمية (20 عاما)، يوم الاثنين المقبل بخرق قوانين الهجرة في باكستان، وهو الأمر الذي قد تصل عقوبته إلى الحبس لخمس سنوات.

وتعاونت زوجات بن لادن مع السلطات بدرجات متفاوتة، حيث يقول المحققون إن الزوجتين الأكبر سنا وهما خيرية حسين صابر، وسهام الشريف، كما وردت أسماؤهن في ملفات المحكمة، واللتان تحملان الجنسية السعودية، رفضتا التعاون مع المحققين إلى حد كبير، في حين تعاونت معهم أمل التي أصيبت في الهجوم الذي أسفر عن مقتل زوجها.

وكانت صحيفة «الفجر» الباكستانية هي أول من أشارت إلى هذا التقرير، الذي قام بإعداده هيئة محققين مشتركة تضم مسؤولين مدنيين وعسكريين، يوم الخميس، ثم حصلت صحيفة «نيويورك تايمز» فيما بعد على نسخة من هذا الملف. وفي واشنطن، قال المسؤولون الأميركيون إنهم في الوقت الذي لا يستطيعون فيه تأكيد صحة كافة التفاصيل الواردة في التقرير، يبدو التقرير متسقا بشكل عام مع ما هو معروف ومعتقد عن تحركات بن لادن.

وقالت أمل في روايتها إنها وافقت على الزواج ببن لادن في عام 2000 «لرغبتها في الزواج من مجاهد». وسافرت أمل بعد ذلك إلى كراتشي في شهر يوليو (تموز) من العام نفسه، ثم قامت بعدها بعدة أشهر بعبور الحدود إلى أفغانستان للانضمام إلى بن لادن واثنين من زوجاته في قاعدته الكائنة في مزرعة على أطراف قندهار.

وأضاف التقرير أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) أدت إلى «شتات» أسرة بن لادن، حيث عادت أمل إلى كراتشي بصحبة ابنتها الوليدة صفية وأقاما هناك لتسعة أشهر تقريبا. وقامت الأسرة بالتنقل بين المنازل لنحو سبع مرات طبقا للترتيبات التي أعدتها «إحدى العائلات الباكستانية» وابن بن لادن الأكبر سعد.

وتواجد الكثير من قيادات تنظيم القاعدة في كراتشي، وهي مدينة مترامية الأطراف ويبلغ عدد سكانها 18 مليون نسمة. ويزعم خالد شيخ محمد، العقل المدبر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر الذي تم القبض عليه في منزل بمدينة روالبندي في مارس (آذار) 2003، أنه قتل بنفسه مراسل صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، دانيال بيرل، أثناء تلك الفترة.

وقالت أمل إنها غادرت كراتشي في النصف الثاني من عام 2002 متجهة إلى مدينة بيشاور، عاصمة إقليم خيبر باختونخوا، حيث اجتمع شملها مع زوجها. وزادت المساعي الأميركي للقبض على بن لادن، حيث قامت عناصر «القاعدة» بمهاجمة فندق يملكه إسرائيليون في كينيا وملاه ليلية في إندونيسيا. ومع عدم تحول موارد وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إلى العراق حتى ذلك الحين، ركزت محاولات البحث بصورة كبيرة في المنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان.

وبحسب رواية زوجته، انتقل بن لادن بأسرته إلى قلب المناطق الجبلية الريفية التي تقع شمال غربي باكستان، ولكن لم يذهب على ما يبدو إلى الحزام القبلي حيث ركز الغرب اهتمامه. وأقامت أسرة بن لادن أولا في منطقة شانغلا في وادي سوات، وهي منطقة خلابة تبعد نحو 80 ميلا شمال غربي العاصمة الباكستانية إسلام آباد، في منزلين مختلفين لثمانية أو تسعة أشهر.

ثم انتقلت الأسرة إلى بلدة هاريبور الصغيرة الأقرب إلى إسلام آباد، حيث أقامت في منزل مستأجر لمدة عامين. وضعت السيدة أمل ابنتها آسيا في 2003 وابنها إبراهيم عام 2004 في مستشفى حكومي محلي في هاريبور. ويشير تقرير الشرطة إلى أن أمل كانت «تمكث في المستشفى لفترة قصيرة جدا تتراوح بين ساعتين وثلاث ساعات» عند الوضع، بينما تشير وثيقة منفصلة إلى أنها أعطت موظفي المستشفى أوراق هوية مزورة.

تقول أمل إنه في منتصف عام 2005، انتقل بن لادن وأسرته إلى مدينة أبوت آباد، 20 ميلا إلى الغرب من هاريبور، حيث وضعت طفلين آخرين وهما زينب عام 2006 وحسين عام 2008.

أخبرت أمل المحققون أن من رتب أمر المنازل في سوات وهاريبور وأبوت آباد هم بعض أفراد قبائل البشتون الذين استضافوهم، وهما شقيقان يدعيان إبراهيم وأبرار، حيث مكثت عائلاتهما مع أسرة بن لادن طوال تلك الفترة. يعتقد أن يكون إبراهيم هو أبو أحمد الكويتي، وهو من البشتون من أصل باكستاني نشأ في الكويت، وكان معروفا لبعض الوقت للاستخبارات الأميركية باسم «الساعي»، لأنه كان يحمل رسائل زعيم تنظيم القاعدة.

وعندما قامت القوات الأميركية الخاصة بمداهمة منزل أبوت آباد في شهر مايو (أيار) الماضي، قتلت بن لادن وأصابت أمل في ساقها، حيث كانت معه في الغرفة نفسها. ونجت أمل من الموت، في الوقت الذي أسفر فيه الهجوم عن مقتل أربعة آخرين وهم الساعي وزوجته بشرى، وأخوه أبرار، وخليل ابن أسامة بن لادن الذي كان يبلغ من العمر 20 عاما.

تم احتجاز زوجات بن لادن الثلاث في منزل مستأجر في إسلام آباد. وزعم اليمني حميد السادة، ابن عم أمل، يوم الثلاثاء أنها محتجزة في الطابق السفلي. وقال السادة لوكالة «رويترز»: «إنها تعرج جرّاء الجرح الذي نتج عن إصابتها برصاصة في ركبتها وتعاني صدمة نفسية وانخفاضا شديدا في ضغط الدم».

وتشير رواية أمل، إذا ثبت صحتها، إلى أن القوات الأميركية كانت قريبة للغاية من بن لادن في أواخر عام 2005. وضرب زلزال قوي شمال غربي باكستان في شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2005، مما تسبب في مقتل ما لا يقل عن 73 ألف شخص. ولأسابيع عدة بعد هذا الزلزال، غيرت مروحية أميركية من طراز «شينوك» اتجاهها من أفغانستان حاملة إمدادات غذائية، حيث كانت تمر فوق تلك المنطقة في طريقها إلى المنطقة المنكوبة بالزلزال. وفي تلك الأثناء، أكد برفيز مشرف، الحاكم العسكري الباكستاني آنذاك، الذي كان حليفا قويا لإدارة بوش، مرارا وتكرارا، أن بن لادن يختبئ في المنطقة الحدودية داخل أفغانستان.

ويتعارض القرار الباكستاني بمحاكمة ثلاث من زوجات بن لادن واثنين من أبنائه مع توصية سابقة من الشرطة بترحيلهم إلى المملكة العربية السعودية واليمن. وأشار محللون باكستانيون إلى احتمال إخفاء الاستخبارات الباكستانية أسباب اعتقال أسرة بن لادن. ويقول رفعت حسين، المحلل العسكري: «أعتقد أن الحكومة تريد أن تتحفظ عليهم خلال إجراءات المحاكمة حتى يتثنى الانتهاء من التحقيق. أعتقد أيضا أن الأميركيين شديدو الحرص على التواصل مع زوجات بن لادن أيضا».

* خدمة «نيويورك تايمز»

* شارك سكوت شين في إعداد هذا التقرير من واشنطن