قوة الإنترنت أتاحت التواصل مع النشطاء السوريين

جذور رقمية هائلة وراء اندلاع الانتفاضة السورية

TT

يريد كرم نشار الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد. يستيقظ نشار كل يوم قبل الفجر ويبدأ العمل مع ناشطين آخرين في وضع استراتيجيات المعارضة ونقل رسالتهم إلى وسائل الإعلام العالمية وتنسيق تهريب البضائع إلى داخل سوريا لدعم الثورة. يقوم نشار وأصدقاؤه بالدردشة على الإنترنت أو في الغرف الخلفية للمقاهي. يقول نشار، الذي يبلغ من العمر 29 عاما «أريد بناء دولة جديدة. ليس هناك سبيل للتراجع، فنحن نريد التخلص من هذا النظام».

جدير بالذكر أن نشار لا يعمل من حمص أو دمشق أو أي مدينة سوريا أخرى فرضت عليها قوات الأسد حصارا خلال العام الماضي، لكنه ينفذ تلك العمليات من شقة في آبر ويست سايد في نيويورك أو من أي مكان به شبكة «واي فاي».

أتاحت قوة الإنترنت لنشار التواصل مع النشطاء السوريين من شتى أنحاء العالم، في الوقت الذي يستكمل فيه رسالة الدكتوراه الخاصة به في التاريخ في جامعة برنستون، ويقوم بالتدريس في كوبر يونيون. اندمج نشار في المجتمعات الرقمية في محاولة لإحداث تأثير على الأرض في سوريا، على الرغم من أنه يعيش بعيدا عن سوريا بآلاف الأميال.

يقول نشار، مشيرا إلى العام الماضي «أتذكر أنني كتبت حالتي لأول مرة على موقع (فيس بوك) في يوم 17 مارس (آذار)، بعد يومين فقط من انطلاق أولى المظاهرات في سوريا». ويضيف «أدركت أنه كان هناك بعض المعارضين لي، ولذا تساءلت: لماذا لا نتحد معا ونشكل مجموعات خاصة بنا، حيث يستطيع الناس أن يجتمعوا معا لمساندة الثورة بصورة ملموسة؟».

يتمثل محور هذا المجتمع الافتراضي في مجموعة خاصة على «فيس بوك» تم إطلاقها العام الماضي من قبل طالبة دراسات عليا في جامعة كولومبيا، والتي تقوم بتعريف نفسها باسم «فاطمة» فقط خوفا من ارتكاب أعمال انتقامية ضد أقاربها في سوريا. قام المسؤولون عن تلك الصفحة بفحص الصفحات الشخصية للأعضاء المحتملين الراغبين في الانضمام إلى الصفحة واستخداماتهم السابقة لمواقع التواصل الاجتماعي. وبعد عام من إطلاقها، تحولت الصفحة إلى شبكة هائلة لها نقاط التقاء في سوريا وبيروت ولندن ونيويورك وبعض الأماكن الأخرى. تقول فاطمة، التي نشأت في دمشق «لم أتخيل أبدا عدد المشروعات التي سينهض بها الناس».

تعمل تلك المجموعة يدا بيد مع لجان التنسيق المحلية ومجموعات من النشطاء المنتشرين في شتى أنحاء المدن السورية. ويقول نشار إن عضو اللجنة يطلب من المجموعة بعض المواد المحددة، ثم يقوم المتطوعون بجمع الأموال عن طريق تنظيم بعض الأحداث - مثل حفل موسيقي في نيويورك أو محاضرة في كاليفورنيا - أو حتى ببساطة عن طريق أن يطلبوا من بعض الأصدقاء وأفراد الأسر المساهمة. يتم إيداع تلك الأموال في حساب مصرفي قام بفتحه بعض النشطاء المغتربين. ويقوم متطوعون آخرون بسحب الأموال لشراء المواد المطلوبة - عادة ما يتم ذلك في مناطق مثل دبي أو المملكة العربية السعودية - لتجنب شحن تلك المواد لمسافات طويلة.

وأخيرا، يتم نقل تلك البضائع إلى سوريا عن طريق مهربين مستأجرين وتسليمها إلى النشطاء هناك. تتضمن تلك المواد التي يتم تسليمها هواتف تعمل عبر الأقمار الصناعية، والتي قد تصل تكلفة الواحد منها إلى 2.000 دولار، وبعض علب «كويك كلوت»، وهو عبارة عن شاش يساعد في وقف النزيف، وتصل تكلفة العبوة التي تحتوي على 10 قطع عرض القطعة بوصتان مربعتان إلى 105 دولارات.

وعلى الرغم من ذلك، فإنه غالبا ما كانت تقوض جهود المجموعة في الأسابيع الأخيرة كنتيجة للقمع الوحشي من قبل الحكومة، حيث تم قتل أو إلقاء القبض على الوسطاء الموجودين في سوريا الذين يقومون بتسلم تلك الإمدادات على الحدود التركية وينقلونها إلى معاقل المعارضة، وذلك أثناء قيامهم بتلك المهام. وتقوم المجموعة بدفع «رواتب» رمزية للنشطاء في سوريا الذين فقدوا وظائفهم المعتادة ومبالغ مالية لبعض للأسر التي فقدت منازلها أو قتل أحد أفرادها.

وفي اجتماع عقد الشهر الماضي خلف مقهى يقع في ميد تاون، جلست فاطمة ونشار وآخرون مع مبعوثي المجلس الوطني السوري، جماعة معارضة رئيسية في المنفى، لمناقشة إيجابيات وسلبيات تدريب ميليشيات من المواطنين. ومع استمرار تدهور الوضع في سوريا وتزايد خوف فاطمة ونشار وآخرين على سلامة أقاربهم وأصدقائهم هناك، فقد تكون توترات وتناقضات الحياة في صفحة ثورية على «فيس بوك» هائلة.

قال نشار متحدثا عن النشطاء المغتربين «نحن نشعر بالذنب لأننا نوجد هنا. وعلى الرغم من أننا نشارك بكل ما نمتلكه في تلك الثورة، فإننا ما زلنا نعيش في أمان نوعا ما. ولذا نفكر في أنه ربما يتوجب علينا العودة إلى وطننا أو أن يتم تهريبنا إلى سوريا لكي نقوم بكل تلك النشاطات هناك».

* خدمة «نيويورك تايمز»