واشنطن ليست قلقة من ترشح الشاطر لرئاسة مصر

التقى أغلب المشرعين الأميركيين وهو على اتصال دائم بالسفيرة الأميركية ولديه أهم قناة اتصال في المحادثات مع «العسكري»

خيرت الشاطر مرشح الاخوان لرئاسة مصر (أ.ف.ب)
TT

حازم صلاح أبو إسماعيل من الإسلاميين السلفيين، ويسعى لإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل، ويشير إلى إيران باعتبارها نموذجا ناجحا في الاستقلال عن واشنطن. ويبدي أبو إسماعيل قلقه من الاختلاط بين الجنسين في أماكن العمل وعمل المرأة خارج المنزل، ويعد بتحقيق ازدهار هائل في مصر، إذا أدارت مصر ظهرها للتجارة مع الغرب.

ارتفعت أسهم أبو إسماعيل ليصبح المرشح الأوفر حظا في السباق الرئاسي بمصر، مما يعيد رسم خطوط المعركة السياسية في البلاد، وقد يساعد النجاح الذي حققه أبو إسماعيل على تفسير المؤشرات بموافقة الولايات المتحدة الأميركية الضمنية خلال عطلة نهاية الأسبوع على عدم وفاء جماعة الإخوان المسلمين، أكبر جماعة إسلامية في مصر، بتعهدها السابق حول عدم تقديم مرشح للرئاسة.

ومع انطلاق الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها نهاية شهر مايو (أيار) المقبل، وجولة الإعادة في منتصف يونيو (حزيران)، يتخذ السباق الرئاسي الأول منذ الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك العام الماضي شكل معركة بين الإسلاميين.

وتعهدت جماعة الإخوان المسلمين، التي تهيمن على البرلمان، بعدم السعي إلى الحصول على منصب الرئيس خوفا من إثارة رد فعل عنيف من جانب الجيش المصري والغرب، لكن صعود أبو إسماعيل أثار احتمالية ألا يكون الفائز في تلك الانتخابات شخصية علمانية أو ليبرالية، بل سيكون إسلاميا متشددا يعارض التركيز البراغماتي للإخوان المسلمين على إقامة علاقات مستقرة مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل واقتصادات السوق الحرة.

ويمثل أبو إسماعيل تهديدا كبيرا أيضا لمكانة الإخوان المسلمين باعتبارهم الجماعة الأكثر تعبيرا عن الإسلام السياسي في مصر، ويهدد أيضا بتقويض حملتها الرامية إلى تبديد المخاوف الغربية من الإسلام السياسي. ويعتبر تقديم مرشح أمام أبو إسماعيل هو المخاطرة الأكبر التي تقوم بها جماعة الإخوان المسلمين؛ فنجاح هذا المرشح غير مضمون على الإطلاق.

وفي تغير ملحوظ للمواقف، يبدو أن صناع القرار الأميركيين، الذين كانوا يخشون ذات مرة من استيلاء الإخوان على السلطة، ينظرون الآن إلى الجماعة كحليف لا غنى عنه في مواجهة الإسلاميين المتشددين في مصر الذين يمثلهم أبو إسماعيل.

ويراقب الدبلوماسيون الأميركيون، الذين اندهشوا من نجاح وشعبية سلفيين في الانتخابات البرلمانية، أبو إسماعيل بقلق بالغ.

وقال مسؤولون في وزارة الخارجية الأميركية، رفضوا الكشف عن هويتهم الدبلوماسية كالمعتاد، يوم الأحد، إنهم غير منزعجين من عدم وفاء الإخوان المسلمين بوعدهم بعدم السعي للوصول إلى منصب الرئاسة، بل إنهم متفائلون به. ويعتبر مرشح الإخوان، خيرت الشاطر، رجل أعمال ومليونيرا، وله التأثير الأكبر على تطوير سياسات الجماعة، وشخصية معروفة لدى الدبلوماسيين الأميركيين وكبار قادة الجيش على السواء. وعلى الرغم من دخوله وخروجه من السجن مرات عدة، ظل خيرت الشاطر أهم قناة اتصال للجماعة مع أجهزة مبارك الأمنية، ويعتبر الآن أهم قناة اتصال في الجماعة في المحادثات مع المجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد منذ الإطاحة بمبارك.

والتقى الشاطر أغلب مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية والمشرعين الأميركيين الذين زاروا القاهرة، وهو على اتصال دائم بالسفيرة الأميركية في القاهرة، آن باترسون، وكذلك الرؤساء التنفيذيون للكثير من الشركات الأميركية العاملة في مصر؛ حيث أشاد المسؤولون الأميركيون باعتداله وذكائه وكفاءته.

وفي مؤتمر أصدقاء سوريا، الذي عُقد في إسطنبول يوم الأحد، رفضت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، التعليق على نكث الإخوان المسلمين بوعدهم أو على شخصية خيرت الشاطر، لكنها قالت إن الولايات المتحدة الأميركية تراقب التزام جميع المرشحين بتعهداتهم الخاصة بإعطاء الحقوق الأساسية.

وقالت كلينتون: «نريد أن نرى مصر تمضي قدما في مسار التحول الديمقراطي، وهذا يعني عدم ممارسة أي تمييز ضد الأقليات الدينية والمرأة والمعارضين السياسيين. وينبغي أن تكون هناك عملية، تبدأ بإجراء انتخابات، تحدد مبادئ يلتزم بها الفائز في الانتخابات الرئاسية أيا من كان، وهذا ما نريده للشعب المصري».

ويقدم استطلاع رأي جديد، نُشر الاثنين، قام به مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وهو مركز بحثي تموله الحكومة، أول قياس للشعبية المتزايدة لأبو إسماعيل؛ حيث يقول الدكتور ضياء رشوان، باحث في المركز، إنه في مسح عشوائي لأراء 1200 مصري في الأسابيع الأخيرة، قفز أبو إسماعيل إلى المرتبة الثانية مقارنة بالمرتبة الرابعة أو الخامسة التي احتلها في استطلاعات الرأي التي أجريت العام الماضي.

ولم يشمل هذا الاستطلاع خيرت الشاطر أو أي مرشح ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين. ظل عمرو موسى، الدبلوماسي السابق في عهد مبارك والسياسي البارز ذو المكانة الكبيرة، المرشح الأوفر حظا؛ حيث حصل على تأييد 33% من عينة الاستطلاع. وحصل أبو إسماعيل على نسبة 22%، بينما حصل عبد المنعم أبو الفتوح، الإسلامي الليبرالي، على 8%، في حين حصل محمد سليم العوا، الإسلامي المعتدل، على 4% من الأصوات.

وتزيد احتمالية إجراء جولة إعادة من فرص المرشحين الإسلاميين؛ حيث إنه في حال لم يتمكن أحد المرشحين من الفوز من الجولة الأولى، المقرر لها شهر مايو (أيار)، سوف يخوض المرشحان اللذان سيحصلان على أكبر عدد من الأصوات جولة الإعادة المقرر إجراؤها في يونيو. وعندها سيواجه أي مرشح ذي توجه علماني، مثل عمرو موسى، صعوبة كبيرة في التغلب على أي مرشح إسلامي، خاصة بالنظر إلى فوز جماعة الإخوان المسلمين وبعض القوى الإسلامية الأخرى بنحو ثلاثة أرباع مقاعد البرلمان.

وقال المتحدث باسم حملة أبو إسماعيل، يوم الأحد: إن خوض الشاطر السباق الرئاسي سيصب في مصلحة أبو إسماعيل؛ حيث سيمكنه من الحصول على بعض الأصوات التي كانت ستؤيد أبو الفتوح، القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين والذي لا يزال يتمتع بشهرة في أوساط الجماعة وبين الجماهير.

ويتوقع ضياء رشوان حدوث مواجهة قوية بين الشاطر وأبو إسماعيل. ويقول رشوان إنه في الوقت الذي يتمتع فيه الشاطر بدعم الماكينة السياسية الجبارة لجماعة الإخوان المسلمين، يتمتع أبو إسماعيل بشخصية تتمتع بقبول أكبر، فبالإضافة إلى مساندة الأشخاص الذين يفضلون أفكاره الدينية المحافظة، يتمتع أبو إسماعيل أيضا بقبول كبير بين الفقراء والمهمشين في مصر. وعلى النقيض من ذلك، يعتبر الشاطر سياسيا ورجل أعمال ثريا. ويقول رشوان في إشارة إلى الشاطر: «إنه ينتمي إلى النخبة».

ويشير رشوان إلى استفادة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين من تعاطف وإعجاب الشعب بهم؛ نظرا لكونهم ضحايا لقمع نظام مبارك خلال الفترة التي كانوا يمثلون فيها المعارضة الأبرز لهذا النظام. وعادة ما تشير وسائل الإعلام إلى الشاطر باعتباره «الرجل القوي» داخل جماعة الإخوان المسلمين، بينما يقول رشوان إن الشاطر يثير «الخوف» وليس «التعاطف».

وتغطي ملصقات حملة أبو إسماعيل الحوائط ونوافذ السيارات في القاهرة، وحظي باستقبال حافل يوم الثلاثاء الماضي في جامعة القاهرة كما لو كان نجما لموسيقى الروك. وفي يوم الجمعة الماضي، شكلت الحافلات التي أقلت أنصاره موكبا هائلا أثناء تقدمه بأوراق ترشحه رسميا للرئاسة، مما أدى إلى تعطل حركة المرور في جميع أنحاء البلاد.

* خدمة «نيويورك تايمز»