ساركوزي يعود بقوة إلى واجهة السباق الرئاسي ويحلم بالبقاء 5 سنوات

المرشح الاشتراكي ضحية صعود نجم مرشح اليسار الراديكالي

TT

قبل 19 يوما من جولتها الأولى، يبدو أن الانتخابات الرئاسية الفرنسية ولجت منعطفا جديدا تتداعى معه التوقعات السابقة التي كانت تراهن على فوز مريح ومؤكد للمرشح الاشتراكي، فرنسوا هولاند، في مواجهته مع الرئيس المنتهية ولايته، نيكولا ساركوزي. والأهم من ذلك، أن معالم «القلق» من المسار الذي تسلكه الحملة بدأت تظهر في محيط هولاند، بينما المعسكر الرئاسي أخذ يستعيد الأمل باحتمال تحقيق الفوز بعد أشهر من التساؤلات والإحباطات.

وتنهض هذه التحولات على ما تأتي به استطلاعات الرأي العام من جهة، وعلى الشعور السائد لدى المرشحين الرئيسيين من جهة ثانية. وخلال 6 أشهر، كانت هذه الاستطلاعات التي ينظر إليها على أنها «صورة» آنية للرأي العام، تفيد كلها ومن غير استثناء، بتفوق هولاند على خصمه اليميني حيث كان الأول يحصل على 30 في المائة من الأصوات أو ما يزيد بينما كان ساركوزي يجهد للوصول إلى 20 في المائة. أما في الدورة الثانية، فإن هذه الاستطلاعات كانت تجزم كلها بفوز مريح للأول على الثاني مع فارق كان يصل أحيانا إلى 20 نقطة.

غير أن الوضع تغير اليوم، ودينامية الحملة التي صبت لصالح المرشح الاشتراكي، رمز التغيير والجدية، تخلت عنه لتلتحق بمرشح اليمين الذي يرى مناصروه أنه يمثل «الدرع» التي تقي الفرنسيين من الأزمات والمدافع عنهم في عالم معولم ومتغير، والأكثر قدرة على توفير الأمن والمحافظة على الهوية الوطنية بوجه مخاطر الهجرة الشرعية وغير الشرعية، ناهيك عن الخطر الذي قد يمثله الإسلام الجهادي المتطرف.

وخلال الأيام القليلة الماضية، تلاقت كل استطلاعات الرأي على أمرين: الأول، نجاح ساركوزي في قلب ميزان الدورة الأولى لصالحه. وأفاد استطلاع قامت به مؤسسة «سي إس آي» بأن ساركوزي يمكن أن يحصل على 30 في المائة من الأصوات، بينما سيحصل هولاند على 26 في المائة من الأصوات. والأمر الثاني، فوز هولاند بالرئاسة في الدورة الثانية، ولكن مع تراجع نسبة تقدمه على منافسه اليميني بحيث يمكن أن يحصل على 53 في المائة مقابل 47 في المائة لساركوزي. واللافت أن ساركوزي نجح في قضم الفروق التي كانت تبقيه بعيدا عن المرشح الاشتراكي التي تراجعت من 20 نقطة «60 مقابل 40» إلى 6 نقاط «53 مقابل 47».

الأسبوع الماضي، ذهبت مجلة «نوفيل أوبسرفاتور» القريبة من اليسار إلى طرح نداء استغاثة، عبر مقال عنوانه: «النجدة، ساركوزي عائد». وانصب اهتمام المحللين على تبيان العوامل التي هيأت وساهمت في تغيير اتجاه الريح و«عومت» المرشح اليميني الذي كان ترشحه يثير تساؤلات حتى داخل حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني الحاكم.

ثمة إجماع من اليمين واليسار أن الرئيس ساركوزي، منذ أن أعلن ترشحه رسميا في فبراير (شباط) الماضي، وبغض النظر عن شخصيته ونتائج سياساته الداخلة والخارجية خلال الأعوام الخمسة الماضية، يقوم بحملة انتخابية ناجحة يخلط فيها المقترحات والوعود من جهة ويكرس القسم الآخر منها لانتقاد شخصية وبرنامج خصمه الاشتراكي. وواضح أن هذه الاستراتيجية السياسية فعلت فعلها إذ لم يعد النقاش يقوم على تقويم أداء ساركوزي رئيسا للجمهورية وإنما على وعوده ومقترحاته.

ويقوم العامل الثاني على اعتماد ساركوزي خطابا يمينا متشددا في ثلاثة مواضيع مترابطة هي الهجرة والإسلام والأمن، مما مكنه من استعادة الكثير من أصوات اليمين المتطرف التي كانت تصب على مرشحة الجبهة الوطنية مارين لوبن، مما يعني أن ساركوزي عاد إلى التكتيك السياسي الذي لجأ إليه في العام 2007 عندما سحب البساط من تحت أرجل اليمين المتطرف، باتباع الطريقة نفسها.

وبالفعل، فقد تراجعت نسبة أصوات مارين لوبن إلى أقل من 15 في المائة بينما كانت تزيد قبل ستة أشهر على عشرين في المائة. وتجدر الإشارة إلى أن منافسي ساركوزي يمينا انسحبوا من السباق الواحد تلو الآخر، مما عبد الطريق أمام استعادته لأصواتهم.

وجاءت قضية الفرنسي - الجزائري محمد مراح والاغتيالات السبعة التي ارتكبها لتشد أنظار الفرنسيين إلى مخاطر الخلايا الجهادية الإسلامية النائمة، وإلى ما تمثله من تهديد لأمن المجتمع الفرنسي وبالتالي إبراز الحاجة إلى رئيس «قوي» يتمتع بـ«قبضة حديدية» لمواجهة هذه المخاطر. واستفاد ساركوزي من هذه الأحداث الأليمة ليكثر من الوعود ومن مقترحات مشاريع القوانين المتشددة التي يراد منها أن تشكل سياجا رادعا يمنع تكرار هذه الأحداث.