الدبلوماسيون السوريون يساندون الأسد في ظل الأزمة التي تعصف بالبلاد

أبرزهم الجعفري الذي تميزت خطاباته أمام الأمم المتحدة بالإحالات التاريخية والأدبية

TT

لتفهم سر قوة وتماسك الرئيس السوري بشار الأسد، انظر إلى مندوبه الدائم لدى الأمم المتحدة. ففي وقت تشتد فيه الأزمة السورية، يؤكد بشار الجعفري ولاءه للأسد خلال سلسلة ممتدة من الخطابات المطولة التي وظف فيها روح التاريخ والأدب للدفاع عن دولته؛ مشبهًا الرئيس بغاندي ونيلسون مانديلا وجورج واشنطن.

وزعم الجعفري أن سوريا مستهدفة وأنها تتلقى العقاب على «التزامها بالمواثيق الدولية». وقال أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة: «أنا مندوب الرئيس السوري لديكم». واستمر المندوب لدى الأمم المتحدة - والدبلوماسيون السوريون حول العالم - في دعم الأسد في مواجهة الضغط الدولي الكبير. وفي الوقت الذي أحدثت فيه الثورات، التي اندلعت ضد حكام عرب مستبدين آخرين ومنهم العقيد معمر القذافي، انشقاقات واسعة النطاق، ظل السلك الدبلوماسي السوري محافظا على تماسكه ولم يتأكد حدوث أي انشقاق في صفوف القيادات به بعد.

ويقول الدبلوماسيون إن الأسباب معقدة ومتنوعة، حيث تتراوح بين الخوف من انتقام النظام إلى الخوف من تفضيل الموالين للحزب الحاكم في السفارات السورية بالدول الكبرى على الذين قضوا سنوات طويلة في العمل الدبلوماسي. مع ذلك، تحافظ دمشق على استقرارها من خلال الطلب من الدبلوماسيين في الخارج إعادة أقاربهم إلى الوطن ليكونوا معرضين لأعمال عنف في حالة حدوث انشقاقات، بحسب عدد من المسؤولين والدبلوماسيين في الأمم المتحدة. وقال إبراهيم الدباشي، مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة والذي كان من أوائل الدبلوماسيين الذين انقلبوا على نظام القذافي: «لقد استفادت سوريا من تجربة القذافي. لقد تم احتجاز أسر الدبلوماسيين السوريين كرهائن.. فهذه الأنظمة لا تبالي بحقوق الإنسان، فالشيء الوحيد الذي يهتمون به هو البقاء في السلطة بأي ثمن».

لاح في الأفق خلال العام الماضي بوادر تصدع في الواجهة الدبلوماسية للأسد، حيث أوردت قناة «24» في التلفزيون الفرنسي خلال الصيف أنباء عن استقالة لمياء شكور، السفيرة السورية في باريس، احتجاجا على القمع الوحشي الذي يمارسه النظام ضد المحتجين، لكنها نفت هذا النبأ تماما. وقدم دبلوماسي سوري آخر هو أحمد سلكيني، كان قد شغل لفترة منصب المتحدث باسم السفارة السورية في واشنطن، استقالته من السلك الدبلوماسي بعد إعرابه عن قلقه من إراقة الدماء في سوريا. وكتب في رسالة وداع بالبريد الإلكتروني لصحافيين في واشنطن: «تؤلمني كل قطرة دماء سورية، مع ذلك لا يزال لدي يقين بأن سوريا ستنهض من الأزمة أكثر ديمقراطية ووحدة وحرية وقوة عن ذي قبل». كذلك وردت تقارير مطمئنة عن انشقاق بعض الدبلوماسيين عن النظام دون ذكر أسماء، ومن بينهم دبلوماسي سوري أشارت إليه الصحافة التركية في نوفمبر (تشرين الثاني).

مع ذلك، تربط كل من جعفري وبهجت سليمان، رئيس فرع الأمن الداخلي، الذي يرأس السفارة السورية لدى الأردن، بالنظام علاقة أقوى من أن تنحل.

وقال مرهف جويجاتي، طالب سوري في جامعة الدفاع القومي وابن وزير خارجية سابق خلال عهد حافظ الأسد: «لقد قضى نظام الأسد على الدبلوماسيين المستقلين ووظف محلهم أشخاصا ينتمون إلى طائفته أو عشيرته. لن يقدم شخص مثل الجعفري على الانشقاق؛ لأن هذا سيهدد النعيم الذي ترفل فيه أسرته»، وسيخسر كل ما يحظى به من امتيازات بحكم منصبه الرفيع.

ويتحدث قادة المعارضة السورية عن تواصلهم مع عدد من الدبلوماسيين السوريين الراغبين في الانشقاق عن النظام، لكنهم لا يجرؤون على اتخاذ هذه الخطوة. وقال رضوان زيادة، عضو المجلس الوطني السوري المقيم بواشنطن: «تلقينا الكثير من الرسائل والمكالمات الهاتفية التي أبدوا خلالها اهتمامهم بالانشقاق، لكنهم يخشون على أسرهم».

ويتابع السوريون بيانات الجعفري الطويلة، وينشرها على صفحات الـ«فيس بوك» المؤيدون والمعارضون على حد سواء. وأشارت إحدى الصفحات إلى المفارقة التي يحملها تصريح الجعفري أمام مجلس الأمن وهو يتذكر تبرعه هو وزملاء دراسته خلال فترة الخمسينات والستينيات بمصروفهم الشخصي اليسير لحركة التحرير في الجزائر والخليج. وقال: «لقد كنا سعداء بالتبرع بمصروفنا الضئيل للمساعدة في تحرير الخليج من الاستعمار».

والجعفري، الذي يبلغ من العمر 55 عاما، عضو في حزب البعث الحاكم مثل الكثير من الدبلوماسيين السوريين رفيعي المستوى. ويتميز الجعفري - ببنيته الضخمة - عن الكثير من زملائه من الدبلوماسيين السوريين بكم من الدرجات العلمية من بينها ثلاث درجات دكتوراه، واحدة منها في العلوم السياسية من جامعة السوربون في باريس، وأيضا العلاقة العائلية بإيران، فزوجته تنحدر من أصول إيرانية وولدت ابنته هناك.

وتميزت خطاباته أمام الأمم المتحدة بالإحالات التاريخية والأدبية. واستمد الإلهام من «فاوست» لغوته في معرض انتقاصه من قدر الدول العربية لانضمامها إلى المعسكر الغربي ضد الشقيقة سوريا، حيث قال في إحدى خطاباته: «لا ينبغي أن يبيع الإنسان روحه إلى الشيطان مقابل المكاسب الخداعة الزائلة التي يمكن أن تبدد أمل هذا الإنسان في الحصول على الحرية أثناء ذلك».

إنه يمتلك كل شيء، لكنه معزول دبلوماسيا، ويلقي خطابات مطولة تحمل انتقادات لاذعة للدبلوماسيين البريطانيين والفرنسيين والأميركيين والقطريين والسعوديين، ويصف خصومه في الخليج بالحكام المستبدين عديمي القيمة والذين لا يعرفون أي شيء عن الديمقراطية و«يمنعون النساء من حضور مباراة لكرة القدم».

ولم يسلم «غوغل» من غضبه، فقد اتهم الجعفري محرك البحث العملاق الشهر الماضي بإذكاء جذوة الشقاق في سوريا بعد استخدام شخصيات معارضة تطبيق خرائط «غوغل» لإعادة تسمية الشوارع والمعالم الأخرى بأسماء أبطال الثورة ومحو كل الأسماء المرتبطة بالنظام. وتربط الجعفري بالأسد علاقة شخصية، لكن على نحو أثار الكثير من التساؤلات حول كيفية وصوله إلى الرئيس على المستوى الشخصي. وأقامت ابنته شهرزاد، خريجة مدرسة هانتر كوليدج وهي في العشرينات من العمر وتعمل مستشارة إعلامية، علاقة شخصية مع الرئيس، حيث تبادلت معه عدة رسائل شخصية أكثرها غرامية، بحسب ما أوضحت مجموعة من الرسائل الرئاسية الشخصية التي تسربت لصحيفة الـ«غارديان» وقناة «الـعربية».

وكثيرا ما يستغل الجعفري ابنته كقناة اتصال، حيث تحمل رسائل دبلوماسية إلى الرئيس، متخطيا بذلك وزير الخارجية. وفي إحدى رسائل البريد الإلكتروني بتاريخ 14 ديسمبر (كانون الأول)، كشف الجعفري عن هوية دبلوماسي سوري سابق كان ينتقد النظام دون ذكر اسمه في مقابلة مع قناة «بي بي سي»، وحذر الأسد من سعيه إلى إحداث المزيد من الانشقاقات داخل النظام.

وكتب الجعفري إلى ابنته في إشارة واضحة إلى الأسد، المتلقي الأخير للرسالة: «أنصحك بأن تحيلي هذا الأمر إلى أعلى جهة لينظر فيه. وأرى ضرورة في التعامل معه بكل جدية، لأنه من المؤكد أن هذا الدبلوماسي المجهول سوف يكشف عن هويته في النهاية ويصبح نجم القنوات الفضائية»، وأن هذا سيكون «دليلا على حدوث انشقاق في صفوف الدبلوماسيين، وهو ما لم يحدث حتى هذه اللحظة». ورفض الجعفري التعليق على ما ورد في هذا المقال وطلب التحقق من صحة الرسائل. وقال: «أنا أعلق على الأمور السياسية لا الهزلية».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»