غموض يحيط باختفاء مواقع «جهادية» إلكترونية

تساؤلات حول تعرض «شموخ الإسلام» و«منتدى الفلوجة» و«الفداء» لهجمات

TT

تجاوزت مدة حجب منتديات تنظيم القاعدة الرئيسية على الإنترنت أسبوعا، بينما يقول الخبراء إنها أطول فترة حجب متصلة لتلك المواقع منذ أن بدأت في العمل منذ 8 أعوام.

ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن حجب تلك المواقع بشكل رسمي، لكن طول مدة هذا الانقطاع دفعت بعض الخبراء إلى استنتاج أنه قد تم الاستيلاء على تلك المواقع في عملية هجوم إلكتروني - ربما من قبل حكومة أو منظمة تدعمها حكومة أو مجموعة من قراصنة الكومبيوتر.

يعتبر الموقع الأول، وهو «شموخ الإسلام»، منبرا رئيسيا لعرض المقاطع المصورة وبيانات «القاعدة»، وتم حجبه في 22 مارس (آذار)، وأعقب ذلك حجب 4 مواقع أخرى منذ ذلك الوقت. وعاد «شموخ الإسلام» للعمل لفترة قصيرة يوم الاثنين قبل أن يتم حجبه مجددا، وتفيد رسالة يُزعم أنها من مسؤولي الموقع بأنه سيتم دعم الموقع «في أقرب وقت ممكن».

ونشر مسؤول موقع آخر رسالة على أحد منتديات الإنترنت مؤخرا يقول فيها: «تشهد الساحة الإعلامية هجمة شرسة من قبل الصليبيين وأعوانهم على حصون الإعلام الجهادي».

لطالما أثارت المواقع المرتبطة بـ«القاعدة» قلق المسؤولين في الولايات المتحدة الأميركية وأماكن أخرى من العالم؛ حيث يتم استخدام تلك المواقع في الدعوة إلى تنفيذ أعمال عنف ضد الأهداف الغربية ومحاولة تجنيد المتطرفين الإسلاميين لتنفيذ تلك الهجمات.

ولا تزال هناك بعض الشكوك حول ما إذا كان هجوما إلكترونيا هو السبب وراء تعطل تلك المواقع عن العمل مؤخرا، بينما يشير المشككون إلى أن بعض منتديات القاعدة لا تزال تعمل. وطبقا لبعض المسؤولين، الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، فإن الهيئات الحكومية الأميركية، بما في ذلك «قيادة الفضاء السبراني الأميركية»، ليس لها أي دور في هذا الحجب.

يقول ويل ماكانتس، مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية لشؤون مكافحة الإرهاب، وزميل بارز في معهد سياسات الأمن الداخلي بجامعة جورج واشنطن: إنه بالنظر إلى عدد المواقع المتضررة ومدة هذا الحجب «يبدو الأمر هجوما على تلك المواقع». ويؤكد ماكانتس أنه إذا كانت المسألة مجرد مشكلة فنية تجري معالجتها من قبل مسؤولي الموقع «فعادة ما ينتقل هؤلاء الأشخاص إلى موقع آخر ويقولون إننا كنا نواجه مشاكل إدارية».

من جانبه، قال إيفان كولمان، وهو شريك بارز في مؤسسة «فلاش بوينت غلوبال بارتنرز»، التي تتابع تلك المواقع والتي تكون غالبيتها باللغة العربية: إن آخر حجب لمدة طويلة لمنتديات «القاعدة» على الإنترنت حدث في صيف عام 2010، عندما قام مسؤولو الاستخبارات البريطانية بتعطيل تدشين مجلة على الإنترنت تعرف باسم «الإلهام» من إنتاج تنظيم القاعدة في اليمن. وفي تلك الحالة، ظل «منتدى الفلوجة»، الذي يعتبر من أبرز مواقع «القاعدة» في ذلك الوقت، محجوبا لـ7 أيام على الأقل، ثم ظهرت المجلة في المنتدى الذي تمت استعادة العمل به بعد مرور أسبوعين تقريبا. وعلى الرغم من أنه يرى أن تعطيل مواقع «القاعدة» على الإنترنت أمر غير مجدٍ؛ حيث إنهم يستطيعون معاودة الظهور سريعا من خلال مزود خدمة آخر، يقول كولمان: إن أعمال الحجب التي حدثت مؤخرا بدأت بالفعل في ترك أثر واضح على الاتصالات بين الجهاديين. ويضيف: «تم تعطيل التواصل الاجتماعي بين الجهاديين على الأقل بصورة مؤقتة، في الوقت الذي تحاول فيه المنتديات المتبقية جاهدة اجتذاب المستخدمين».

واعتمد مسؤولو الاستخبارات الأميركية، لسنوات طويلة، على منتديات «القاعدة» في تجميع بعض المعلومات المهمة حول المحادثات التي تتم بين المتطرفين. تصدى بعض المسؤولين لمحاولات إغلاق تلك المنتديات، مؤكدين أنها تزودهم بمعلومات استخباراتية قيمة.

في الوقت نفسه، قد يؤدي أي هجوم إلكتروني، حتى تلك الهجمات التي تحجب بعض المنتديات لفترات وجيزة، إلى إعاقة الأنشطة الإرهابية لفترة مؤقتة أو ربما إثارة الارتباك وعدم الثقة بين المستخدمين.

ويقول مسؤول أميركي، رفض ذكر اسمه لعدم السماح له بالتحدث علنا عن هذا الأمر: «من الجيد أن يتم حجب أي موقع إرهابي على الإنترنت».

ويقول آرون ويسبيرد، وهو زميل بارز في معهد سياسة الأمن الداخلي في جامعة جورج واشنطن والذي يدير موقع «هجانة الإنترنت»، الذي يرصد المنتديات الجهادية: إنه إذا استمر هذا الحجب الأخير بغض النظر عن سببه، فمن الممكن أن يكون له تأثير أكبر على المدى الطويل.

ويوضح ويسبيرد أن خسارة منتديات رئيسية مثل «شموخ الإسلام» و«الفداء» من شأنه أن يحرم «القاعدة» من السيطرة على رسائلها، مضيفا: «سوف يترك هذا الحجب الأشخاص العاديين للتكهنات بأي من تلك الرسائل والمرسلين صادرة بالفعل من تنظيم القاعدة، ويتيح لعناصر سرية فرصا لعرقلة حركة (القاعدة)».

تتجلى في التعليقات التي تم نشرها على بعض المنتديات المقدمة باللغة العربية والتي لا تزال تعمل على الإنترنت مشاعر الإحباط والتحدي بين المستخدمين.

يقول أحد المستخدمين، الذي يعرف نفسه باسم «فتى مسلم غيور» على منتدى «أنصار المجاهدين» المقدم باللغة العربية: «إن الحياة من دون (شموخ الإسلام) و(الفداء) أصحبت لا تطاق.. تمثل تلك المنتديات القوة الجبارة التي تدعم التنظيم والكتائب المظفرة التي تحارب في العراق واليمن والصومال».

يقول مستخدم آخر عرف نفسه باسم «عزام» على موقع آخر: «سوف يعود المنتدى، نحن نخوض حربا إعلامية مع أعداء الله.. وحتى إذا تم حجب (شموخ الإسلام)، سوف يولد ألف (شموخ) آخر».

ويقول فيليب مود، الخبير السابق الذي له باع طويل في مكافحة الإرهاب في وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي، إنه يدرك القيمة الاستخباراتية التي تمثلها تلك المواقع، لكن في الوقت الذي يخسر فيه تنظيم القاعدة بعض الأرض «فقد يكون الموضوع الأكثر أهمية هو كيف نصبح الآن أكثر شراسة في التصدي لأي محاولة يقومون بها لنشر رسالتهم».

اعتمد المسؤولون الأميركيون في الماضي على القنوات الدبلوماسية أيضا في تفكيك المواقع المتطرفة التي ينظر إليها على أنها تشكل تهديدا للأفراد والمصالح الأميركية، وذلك طبقا لمسؤولين أميركيين سابقين على دراية بتلك الموضوعات.

ويقول مسؤولون إن هذا النهج قد أتى ثماره في عدد من الحالات؛ حيث كان يتم دعم هذا النهج في كل حالة على الأقل عن طريق التهديد الضمني بشن هجوم إلكتروني من قبل الجيش الأميركي إذا فشل البلد المضيف لموقع الإنترنت في التصرف. ويضيف هؤلاء المسؤولون أن الدول التي أبدت تعاونا هي دول أوروبا والخليج العربي والمحيط الهادي.

ويقول جيمس كارترايت، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة السابق، خلال جلسة استماع للجنة مراجعة العلاقات الاقتصادية والأمنية بين الولايات المتحدة والصين في الكونغرس الأميركي، التي انعقدت في جامعة جورج ميسون الأسبوع الماضي: «لم ترفض أي دولة على الإطلاق طلبنا، لكن إن حدث ذلك فيمكننا حينها استخدام حق الدفاع عن النفس».

يضيف كارترايت أنه في بعض الحالات يتم منح بعض الحكومات الأجنبية مهلة 48 ساعة للتحقق من الأمر، أو «إنذارا عادلا» كما يطلق عليه، قبل أن يقوم الجيش الأميركي بهذا الأمر بنفسه.

يعتبر هذا المنهج منطقيا، طبقا لمسؤولين حاليين وسابقين. ويقول مسؤول إداري سابق، رفض الكشف عن اسمه لمناقشة بعض القضايا الداخلية الحساسة: إنه على الرغم من قدرة الحكومة الأميركية على تعطيل تلك المواقع بنفسها «فلا ينبغي عليك القيام بتصرف أحادي الجانب، إذا كنت تستطيع القيام به بشكل تعاوني».

يقول كولمان: إن المواقع التابعة لـ«القاعدة» التي تم حجبها مؤخرا كانت تعمل على مزودات خدمة في الكثير من البلدان، مثل ماليزيا وكوستاريكا وقطاع غزة. ومن النادر في هذه الأيام أن يتم تدشين تلك المواقع من خلال مزودات خدمة في الولايات المتحدة الأميركية وكندا. واقترح بعض رواد المنتديات بعض المنافذ الجديدة؛ حيث قال أحد المعلقين، ويدعى «المكتفي بالله»، الأسبوع الماضي: «أقترح على الإخوة إنشاء صفحة للمنتديات الجهادية على (فيس بوك) و(تويتر)».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»