جنود الحرس الرئاسي صامدون أمام الاضطرابات في اليونان

يعانون من طول مدة الوقوف من دون حركة.. وأكبر مشاكلهم الغاز المسيل للدموع

جنود الحرس الرئاسي يجري فحص مظهرهم قبل أخذ مواقعهم أمام قبر الجندي المجهول (نيويورك تايمز)
TT

ليس من السهل أن تكون جنديا في الحرس الرئاسي اليوناني، إذ ينبغي على الجنود، الذين يتألقون في أزياء تعود إلى قرون خلت، الوقوف من دون حركة أمام قبر الجندي المجهول هنا في أثينا. وتمثل برودة الطقس القارسة ودرجات الحرارة المرتفعة وفضول الصغار، الذين يلكزون ويركلون الحراس لرؤية ما إذا كانوا أحياء حقا، بعض المخاطر التي يواجهها من يختارون لهذه المهمة.

لكن الأوضاع بدأت في التطور بشكل أكثر تعقيدا في الآونة الأخيرة. فقد تصادف أن المقبرة تقع أمام مقر البرلمان مباشرة في ساحة ميدان سينتاغما، المكان الذي شهد الكثير من الأعمال الشغب التي اندلعت في اليونان منذ أن بدأت الحكومة في فرض تدابير تقشفية. وخلال العام الماضي، اشتبك المتظاهرون مع قوات مكافحة الشغب مرات ومرات، على بعد أمتار قليلة في الغالب عن الحرس، الذين يتمكنون من التحرك فقط كل ثلاثين دقيقة، للقيام ببعض الخطوات الجنائزية البسيطة الصارمة، على عكس حرس الشرف في قصر باكنغهام الذين يتحركون كل 10 دقائق.

أحيانا ما ينجح الجنود هنا في مواصلة روتينهم خلال النزاعات، ورفع الأحذية ذات الكرة القطنية الملفوفة عاليا في الهواء بعد انقضاء نصف الساعة، وتقديم مشهد غريب من الطبيعية خلف صف من قوات شرطة مكافحة الشغب الذين يرتدون حللا سوداء والمسلحين بالهراوات.

بيد أن إلقاء الحجارة كان يزيد عن الحد في بعض الأيام، وكان الجنود - واحد في كل اتجاه من المقبرة التي أقيمت تكريما لأرواح الجنود الذين سقطوا في الحروب السابقة - يضطرون إلى الانصراف بعيدا عن أماكن الاشتباك. ويحتفظ الليفتنانت كولونيل، الضابط المسؤول عن الكتيبة، بكومة من قصاصات الصحف التي يحتفظ بها، والكثير منها كانت صورا في الصفحة الأولى لحرس الشرف محاطين بجموع الناس.

في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قام المتظاهرون بإضرام النيران في مقصورات الحراس المجاورة للمقبرة. لكن بعض الحراس مثل الجندي ماتيلاس (24 عاما)، الذي قضى 135 ساعة من الوقوف أمام المقبرة حتى الآن (يحصي الجنود عدد ساعات وقوفهم بدقة)، يشير إلى أن مثيري الشغب يخرجون عن مسارهم حتى لا يضايقونهم، فهم يقدرون هذا التقليد الطويل الذي يقدمه الجيش اليوناني الذي يمثلونه. وقال الجندي ماتيلاس «عندما نعود إلى سكناتنا يفسحون لنا الطريق. غالبية الحشود هنا يؤيدوننا، وهو ما يجعلنا نشعر بإحساس جيد». ويعتبر الغاز المسيل للدموع إحدى أكبر المشكلات التي يواجهونها، فقوات مكافحة الشغب ترتدي أقنعة الغاز، لكن الحرس الرئاسي يرتدون الزي التقليدي الذي يعود إلى القرن التاسع عشر، ونادرا ما يلجأون إلى استعمال بعض الأدوية البسيطة. ويقول الكولونيل مليوبولوس «نحن نعطيهم قطرات للعين، فهي تساعد إلى حد ما».

في اليونان، يلتزم كل الشباب بأداء ما بين 9 إلى 12 شهرا من الخدمة العسكرية، ويختار الحرس الرئاسي من الرتب المختلفة، حيث يعتبر المظهر الخارجي بالغ الأهمية، وينبغي أن يكون الجنود لائقين بدنيا وألا يزيد طول كل منهم عن ستة أقدام (1.82 متر).

لكن الكولونيل مليوبولوس أوضح أيضا أنه على المجند أيضا أن يمتلك حسا وطنيا قويا، فهو ما يدفع الجندي إلى الثبات في الظروف الجوية شديدة البرودة، أو في درجات الحرارة القصوى، لكنهم على الرغم من ذلك يحافظون على ارتداء طبقتين من الجوارب، وفي الشتاء قد تنخفض درجات الحرارة، لكن الحرس لا يرتدون الجوارب إلا مع انخفاضها. ويقول الكولونيل مليوبولوس «حتى في أفضل الظروف، يكون من الصعب الوقوف لساعة كاملة، حاول أن تقوم بذلك بمفردك، فعدم التحرك لمدة 10 دقائق أمر بالغ الصعوبة».

لا تزال الخدمة في الحرس الرئاسي تكريما، إذ إنها تنطوي على عدد من الميزات. فمن ناحية يقع مقر الكتيبة في وسط أثينا، وهو أمر يمثل بالنسبة للعديد من الجنود أمرا ألطف بكثير من التمركز على الحدود مع تركيا على المثال. ويقول الجندي ماتيلاس إن طريقته في تأدية وظيفته تتلخص في أنه يضع تركيزه على نقطة واحدة. لكنه أشار إلى أن المتظاهرين يشكلون تغييرا يكون موضع ترحيب في بعض الأحيان، فيقول «إذا كان هناك شيء يجري، فإن ذلك يجعل الوقت يمر بسرعة».

ويملك الحرس العديد من الأزياء التي يمكنهم الاختيار من بينها، بناء على حالة الطقس والمناسبة. فالملابس الصيفية الخفيفة تعود إلى انتفاضة عام 1821 ضد الحكم العثماني، وزي البحرية يرجع إلى انتفاضة بداية القرن العشرين في مقدونيا اليونانية، التي كانت لا تزال تحت الحكم العثماني.

ويرتدي الجنود زي فريق من اثنين، ويقوم الاثنان بتعديل زي بعضهما بعضا بعناية بالغة. ويتكون الزي من تنورات قطنية وسترات مطرزة وأربطة جوارب جلدية، والشراشيب الزرقاء والبيضاء أعلى التنورات، وشرافات على ربلة الساق في الزي.

ويعتبر الأداء بشكل صحيح أمرا بالغ الأهمية، فيقول ماتيلاس إن أسوأ اللحظات التي مرت عليه كانت عندما يؤدي إحدى الركلات العالية، وتطير الكرة القطنية المثبتة أعلى حذائه في الهواء.

ويقوم عمال مهرة في قاعدة الحرس بإنتاج هذه الأزياء، في محاولة لجعل كل زي كما لو كان قد صنع قبل عقود. ويقول الكولونيل مليوبولوس «التغيير هنا نادر للغاية. ينبغي أن يكون التغيير متعلقا بمشكلة تقنية لا نستطيع التغلب عليها». فالجوارب على سبيل المثال تنسج بنوع معين من الآلات التي لم تعد متوافرة على الإطلاق، لكنك بحاجة إلى عدسة مكبرة كي تكتشف الفارق بين الاثنين. وتبلغ تكلفة الزي الواحد 11.200 دولار. ولا يحتاج الجنود إلى الاحتفاظ بها.

يتدرب الجنود لخمسة أيام أسبوعيا، ويتدربون على الوقوف بالثقل الكامل للزي، إضافة إلى زيارة المواقع الأثرية لتعزيز الإحساس بثقافتهم. وتمتد بعض جلسات التدريب في بعض الأوقات إلى ثلاث ساعات على الرغم من استمرار نوباتهم في المقبرة ساعة واحدة فقط. ويقول الجندي بابيوتس إيفانجيلوس، الذي وقف 120 ساعة «بعد الوقوف لثلاث ساعات، لا تمثل ساعة أخرى مشكلة على الإطلاق».

يقف الجنود أمام قبر الجندي المجهول الذي يواجه القصر الرئاسي، وفي يوم الأحد والعطلات الرسمية يرفعون ويخفضون الأعلام على الأكروبوليس. ويشير الجنود إلى أنهم عادة ما يرحبون بالتقاط الصور السياحية. ويقول الجندي ثيوفانيس فايتاس، 26 عاما (الذي وقف 135 ساعة) «نتصفح الإنترنت ونجد صورنا طوال الوقت. هناك آلاف الصور التي التقطت لنا».

* خدمة «نيويورك تايمز»