حرب «على موجات الأثير» بين الجيش السوري والمعارضة

المنشقون يدعون «زملاءهم القدامى» للتخلي عن الأسد

صورة من موقع أوغاريت السوري لناشط يحمل إحدى القذائف التي سقطت على كفرنبوذة بحماه بعد مبادرة أنان
TT

وسط دوي الأسلحة الآلية وقذائف المورتر، يوجه مقاتلو المعارضة السورية صراعهم ضد الرئيس بشار الأسد إلى أجهزة اللاسلكي.. فيضبطونها على موجات الجيش، ليحثوا الجنود الذين يقاتلونهم على الانشقاق.

ويوجه جندي منشق نداءه لجنود الجيش السوري ويقول لهم إنهم إذا كانوا يريدون أن يكونوا صالحين، فعليهم أن ينشقوا عن هذا الجيش. ويدعوهم إلى الانضمام إلى المعارضين وخدمة الشعب السوري، وألا يهينوا كرامتهم بهذا الشكل.

ويقول الجندي المنشق إنه لمس بنفسه قمع الأسد والحزن والظلم مع رجال الجيش السوري. ويبث هذا النداء في تسجيل فيديو على موقع «يوتيوب»، يظهر مقاتلين من الجيش السوري الحر المعارض وهم يحتمون بزقاق في مدينة حمص بوسط سوريا، ثم هم يحومون حول قائد يدير زر ضبط جهاز للاتصال اللاسلكي.. يعقب ذلك فترة صمت وهم يجدون صعوبة في الاستماع إلى الصوت بوضوح.

ويقول صوت مقاتل منشق إن رجال المعارضة يقاتلون حتى الموت باسم الله، وإنهم يقاتلون من أجل معتقد، وليس من أجل بشر مثلهم ليس أفضل منهم في شيء. ويضيف أن بشار يقاتل ليحافظ على عرشه ويترك الجنود ليقتل بعضهم بعضا.

ونظرا لعدم وجود أطراف إعلامية محايدة وسط الصراع الدائر في سوريا، فلا يمكن التحقق من معظم تسجيلات الفيديو التي تنشر على موقع «يوتيوب» بشكل قاطع.. ومعظم تسجيلات الفيديو التي يلتقطها هواة، والتي أبقت الصراع السوري في أعين العالم على مدى أكثر من عام، هي تسجيلات صوتية لدوي انفجارات ووميض ضوئي وسط تكبيرات المقاتلين.

لكن بعض التسجيلات يحتوي على كلام مسموع، إذ يناشد مقاتلو المعارضة، وكثير منهم جنود منشقون، رفاق السلاح السابقين لينشقوا وينضموا للقتال ضد حكم عائلة الأسد المستمر منذ نحو 40 عاما.. وقال معارض يعرف بالاسم الحركي «أبو ثائر» لوكالة رويترز الإخبارية: «أحيانا يحاول مقاتلو المعارضة إثارة خوف الجيش، وأحيانا يخدعونه أو يتنصتون عليه، أو يدعون الجنود للانضمام إليهم».

وأضاف عبر الهاتف من مكان غير معلوم: «يبحثون دائما عن أجهزة اللاسلكي الخاصة بهم.. من الصعب التقاط التردد، لكن حين نلتقطه نستغله أفضل استغلال».

وبدأت الانتفاضة في سوريا باحتجاجات سلمية، لكنها تحولت إلى حرب مدن بعد أن انشق الكثير من الجنود والضباط لاستيائهم من الأوامر بإطلاق النيران على المتظاهرين العزل. وفي الشهرين الماضيين أحرز الجيش السوري تقدما، فيما يبدو، فدفع مقاتلي المعارضة إلى الانسحاب من معاقلهم في مناطق متفرقة من سوريا، مثل حي بابا عمرو في حمص الذي زاره الأسد قبل نحو أسبوع، في إعلان للانتصار، فيما يبدو.

ويعتمد المقاتلون الآن في معظم الأحيان على أساليب الكر والفر، وتقول القوى الغربية التي تريد أن يرحل الأسد إنها لا تعتزم تسليح خصومه، لكنها تقدم مساعدات «غير فتاكة»، وتشمل أجهزة اتصالات مثل الأجهزة اللاسلكية.

وقال سمير الكردي، وهو منشق على الجيش في حمص معقل المعارضة، إن المعارضين يحاولون باستمرار التواصل لأنهم مقتنعون بأن الكثير من جنود الجيش، وقوامه 300 ألف فرد، يريدون الانضمام إلى قواتهم البالغ عددها نحو 15 ألف فرد. وأضاف أنهم عادة لا يتلقون أي رد، وقال: «لا يقولون شيئا، ولا يحاولون الحديث إلينا عبر الأجهزة اللاسلكية».. ويقول مقاتلون معارضون إن عقوبة الانشقاق هي الإعدام.

وقتلت القوات السورية أكثر من تسعة آلاف شخص في الحملة على الاضطرابات، وفقا لما تقوله الأمم المتحدة. وتقدر الحكومة، التي تقول إنها تقاتل إرهابيين مدعومين من الخارج، أن المقاتلين قتلوا أكثر من ثلاثة آلاف من رجالها.

وقال الكردي: «إذا استطعنا خلال عملية ما أو بعدها، سنناديهم عبر مكبرات الصوت.. وسنعد بحمايتهم».

وفي تسجيل فيديو على «يوتيوب» تم تصويره خلال معركة أخرى في حمص، نسفت القوات المناهضة للأسد دبابتين واشتعلت فيهما النيران في الظلام، وهلل المقاتلون، وبدأ مقاتل يصيح باتجاه جنود غير ظاهرين في الطرف الآخر من الشارع.. بينما يظهر ظل الجنود الرابضين في المباني القريبة.

ويصيح متحدث في الفيديو مناشدا المجندين الانضمام إلى قوات المعارضة، ويقول لهم إنه كان واحدا منهم وعضوا بالفرقة الرابعة، ويعدهم بالأمان.. ويسألهم ما الخير الذي فعله لهم الرئيس الأسد. وفي بعض الأحيان يبدو أن المقاتلين الذين يتبادلون الحديث عبر أجهزة اللاسلكي يعرف بعضهم بعضا، وهو ليس مستحيلا في حرب قسمت أحياء المدينة، بل شوارعها على أسس سياسية وطائفية ودينية.

في تسجيل الفيديو الذي التقط في حمص، يدعو صوت مقاتل المعارضة على جهاز اللاسلكي قائدا بالجيش السوري باسمه «أبو عدي». ويوجه المقاتل حديثه إلى أبو عدي قائلا له إن الحكومة تقول إن هذا قتال حتى الموت، وهذا يعني أنه سيعثر على جثث زملائه المنشقين وقد مزقتها القنابل.. ويسأله ماذا سيفعل حيال هذا؟ فيرد الضابط الذي لا يظهر في التسجيل قائلا إن هذه المحادثة انتهت.