مظاهر «الفصل الطائفي» تزداد انتشارا في العراق بعد الانسحاب الأميركي

السنّة يشكون من التمييز في كل مناحي الحياة.. وممارسات الحكومة تنذر بتفكيك البلاد

TT

الآن، بعد رحيل القوات الأميركية، تتجه النخبة الشيعية الحاكمة في العراق بأقصى سرعة نحو الفصل بين الطائفتين الرئيسيتين (الشيعة والسنة) والتمييز بينهما في المعاملة. فالعراقيون السنة يتم حرمانهم من الوظائف المهمة في الجامعات والحكومة، ويمنع قادتهم من حضور اجتماعات الحكومة أو تتم الإشارة إليهم كهاربين مطلوبين للقضاء. ولا يستطيع السنة الحصول على مساعدة في العثور على جثث ذويهم الذين قتلوا إبان الحرب وتنتشر رايات الشيعة في كل مكان في بغداد، مما ينذر بتفكك فعلي للدولة.

وحسب تقرير لوكالة «أسوشييتد برس»، يقول منتقدو رئيس الوزراء نوري المالكي إنه نزاع للشك في العراقيين السنة قاطبة، حتى هؤلاء الذين لم ينضموا مطلقا إلى حركة التمرد أو انسحبوا منها لاحقا، وأنه يعاقب مجتمعا فقد حماته عندما غادر الأميركيون العراق في ديسمبر (كانون الأول)، بعد ثمانية أعوام من الاحتلال.

وأول من أمس، طالب الرئيس الأميركي باراك أوباما في اتصال هاتفي مع المالكي بالتعبير عن «الالتزام المؤكد بإرساء عراق موحد ديمقراطي على النحو المنصوص عليه في دستور العراق».

وقد أنكر المالكي اتهامات مفادها أن حكومته متحيزة ضد السنة. بل إنه تباهى أمام القادة العرب الذين اجتمعوا لحضور مؤتمر قمة عقد في بغداد الأسبوع الماضي بأنه «ليس من قبيل المبالغة القول إن نجاحنا في التوصل لتسوية وطنية يمكن أن يشكل مثالا يحتذى به بالنسبة للدول العربية التي ترزح تحت نير أعمال عنف وصراعات». غير أن نائب الرئيس، طارق الهاشمي، أكبر مسؤول سني في الإدارة العراقية، هارب مطلوب من القضاء بتهم إرهاب. وقد لجأ إلى إقليم كردستان هربا من محاكمة قال إنها مدفوعة بشكل مؤكد بدوافع سياسية وغادر كردستان هذا الأسبوع متجها إلى قطر التي انتقدت بشكل معلن، وعلى لسان رئيس وزرائها تهميش السنة. كما منع نائب رئيس الوزراء، صالح المطلك، السني، من حضور اجتماعات مجلس الوزراء بسبب وصفه المالكي بالديكتاتور.

ويشكو السنة من العامة من التمييز ضدهم في جميع مناحي الحياة، بما فيها الإسكان والتعليم والتوظيف والأمن. وقد بات يهيمن على أحياء بغداد، التي كانت تضم من قبل مزيجا من السنة والشيعة، مثل حي الحرية، الشيعة وتحميهم حوائط إسمنتية ونقاط تفتيش؛ ومع فرض الميليشيات الشيعة حراسة مشددة على الكثير من المناطق، لم يعد يجرؤ أي من السنة على العودة. وتبدو بغداد الآن أشبه بمدينة شيعية، إذ تمت إعادة تسمية الشوارع والجسور بأسماء رجال الدين الشيعة، وترفرف رايات الشيعة ذات الألوان الأخضر والأسود والأحمر في كل مكان وتعلو ملصقات ضخمة لرجال الدين الشيعة البنايات في الميادين الرئيسية.

ويبدو أن التباهي بسطوة الشيعة في بغداد، المدينة التي يبلغ تعداد سكانها سبعة ملايين نسمة، بات بمثابة أولوية بالنسبة لكبار الزعامات الشيعية، وعلى رأسهم المرجع الأعلى آية الله علي السيستاني الذي نسب إليه قوله لوفد زاره «دائما ما أقول إن شيعيا واحدا من بغداد يعادل خمسة شيعة مثلي من النجف»، ونقل أحد الحاضرين عنه قوله أيضا «أنتم الأغلبية وأعداؤكم يحاولون تقليل أعدادكم.. اذهبوا وأدوا شعائركم».

وأخذ الرجال كلمات السيستاني بمحمل الجد وترجموها عمليا عندما حلت المناسبة الدينية التالية في يناير (كانون الثاني) – أربعين الإمام الحسين - إذ انتشرت مئات الرايات الشيعية في الشوارع وعلى أعمدة الإنارة، مع تقديم اللحوم والأرز من الخيام الواقعة على نواصي الشوارع.

وعن صور التحيز الأخرى الملموسة، يقول السنة إن مسؤولي وزارة الصحة يضعون عراقيل في طريقهم عند طلبهم المساعدة في العثور على جثث ذويهم الذين قتلوا إبان أحداث العنف الطائفية التي وقعت في العقد الماضي، وأنهم، على عكس الشيعة، ليس مسموحا لهم الاحتفاظ بأي سلاح ناري في منازلهم للدفاع عن أنفسهم. كما يشكو السنة الذين يتقدمون بطلبات للحصول على وظائف حكومية أيضا من أساليب المماطلة.

وقد تم اتهام وزير التعليم العالي، علي الأديب، وهو أحد أقوى حلفاء المالكي، بتطبيق سياسات طائفية تستتر وراء هدفه المتمثل في إقالة أعضاء بحزب البعث المحظور حاليا من المؤسسات الأكاديمية.

وقد أصدر أوامره للمرشحين لمناصب عليا في الجامعات والوزارة بإرسال بيانات رسمية عن أي صلات تربطهم بحزب البعث أو وكالات الأمن.

ويتم منع هؤلاء الذين يثبت إخفاؤهم تلك المعلومات من تقلد المناصب التي تقدموا بطلبات لشغلها، بحسب أحد معاوني الوزير الذي وافق على الحديث عن الموضوع، شريطة عدم الكشف عن هويته. ولطالما أكد السنة أن السلطات الشيعية تستغل علاقاتها بحزب البعث كمبرر لتطهير الخدمة المدنية والمؤسسات الأكاديمية من السنة. وقال الأستاذ الجامعي، علي أبو زيد، وهو شيعي «لقد أضحى التمييز الطائفي أكثر وضوحا منذ أن تولى الأديب الوزارة. فقد تمت إقالة الكثير من العمداء ورؤساء الأقسام لمجرد انتمائهم إلى الفصيل الآخر». «حتى إن التسجيل للدراسات العليا بات تتخذ القرارات بصدده على أساس مذهبي. نحن جميعا نعلم ذلك»، هذا ما أضافه أبو زيد، الذي رفض ذكر اسم الجامعة التي يعمل بها خوفا من أي أعمال انتقامية ضده.

وبدافع من الخوف من هيمنة الشيعة، أعلنت محافظات ديالى وصلاح الدين والأنبار مؤخرا عن نيتها في أن تصبح محافظات تتمتع بحكم شبه ذاتي، وهي خطوة يدعمها الدستور. وقد قوضت خططها من قبل المالكي، الذي يرى أن منح تلك المحافظات الحكم الذاتي من شأنه أن يتسبب في تفكيك العراق.