عضو «البعث» أمام مؤتمر إسطنبول: شهدت قتل الناس بالفؤوس في أحد مساجد حلب

رفض البوح بهويته قائلا: النظام مجرم بكل ما للكلمة من معنى

TT

رفض «أبو أحمد»، البوح باسمه الحقيقي وبكثير من تفاصيل شهادته أمام مؤتمر «أصدقاء الشعب السوري» الأسبوع الماضي.. حتى اسم «أبو أحمد» هو اسم مستعار اختاره «الشاهد» الأول أمام المؤتمر ليخفي به هويته، مبررا ذلك بأن «النظام مجرم بكل ما للكلمة من معنى، وإخوتي وأهلي موجودون في سوريا ولا أريد لهم أن يصابوا بأذى نتيجة هذه الشهادة».

يفضل «أبو أحمد» ألا يخوض في تفاصيل شهادته كلها «لأن فيها ما يمكن أن يفضح هويته»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أنا أموري محلولة مع النظام من خلال عملي معهم في النقابات والحزب (البعث)، لكن لما وصلت الأمور إلى مرحلة الدم والكرامات لم أعد أتحمل، فلا يوجد إنسان فيه ذرة من الكرامة يقبل بما يجري».

لا يريد «أبو أحمد» الاستفاضة في موضوع شهادته أمام المجلس لأن فيها الكثير مما يؤشر إلى هويته، لكنه يشير إلى أنها تضمنت تفاصيل عن بعض الجرائم التي شهدها أو أخبر عنها كحال صديق أولاده الذي اختفى منذ 5 أيام بعد أن اعتقله الأمن والشبيحة ليجده الناس مرميا جثة عليها آثار التعذيب الشديد بعد أقل من 24 ساعة، مشيرا إلى أن الجثة كانت مكسورة الرقبة بالكامل، فالرأس يتحرك في كل الاتجاهات بعيدا عن الجسد.

واقعة أخرى يذكرها «أبو أحمد»، حيث يروي كيف أنه شاهد بأم العين في أحد المساجد هجوما على المصلين تضمن عمليات ضرب وقتل وضرب بالفؤوس، موضحا أنه رأى أيضا عمليات إطلاق نار على متظاهرين عزل، مؤكدا أن «أشخاصا كثرا يعرفهم، قتل أولادهم وخافوا أن يعلنوا ذلك فدفنوهم بصمت»، متوقعا أن يتكشف بعد الثورة الكثير من الأرقام المذهلة ستكون أكبر بكثير من المعلن حتى الآن.

وعن حادثة المسجد، يقول: «المسجد في حلب، وفي الشهر الرابع من الثورة كنت أصلي فيه مع غيري وشاهدت بأم العين اقتحامهم له بالعصي والبلطات (الفؤوس) والسكاكين». ويضيف: «رأيت الدماء تسيل على أرض الجامع فتأثرت كثيرا، خصوصا أن العديد من هؤلاء لم تكن لهم علاقة بأي حراك، وكانوا مجرد مصلين».

يقول «أبو أحمد»: «أنا غادرت دمشق منذ وقت غير بعيد. فأنا أعمل معهم وأعرف (البير وغطاه)، وعندما اشتدت الثورة تحمس أولادي واندفعوا مع رفاقهم. لكني عشت كطالب أحداث الثمانينات وعرفت من الرعب ما لا يطاق». ويضيف: «أصبحت العيون مفتوحة علينا نتيجة نشاط أولادي. ومنذ شهر ونصف الشهر بيتنا خاضع للمراقبة وأولادي لا يأتون إلى البيت. كما بدأنا نتلقى اتصالات هاتفية من مكاتب الأمن يسألون عنهم، حتى أنا أصبحت مراقبا، إذ لاحظت أن سيارات للأمن تراقبني وتلاحقني. وتوقعت أن يتم اختطافي لأنهم اعتادوا اختطاف أفراد من العائلات للضغط على أبنائها لتسليم أنفسهم. ولما عرفت بواسطة علاقاتي أن أولادي مطلوب تصفيتهم، حيث إن أسماءهم موجودة على لوائح التصفية، اتصلت بزوجتي والأولاد وقلت لهم أن يجهزوا أنفسهم بأقل المتاع الممكن ونقلتهم من البيت، وتنقلت في أكثر من مكان داخل سوريا لنحو أسبوع. وعندما بدأوا الضغط على أصدقاء أولادي المقربين اتصلت بأشخاص من الجيش الحر أخذوني من حلب مع زوجتي وانتقلنا إلى تركيا حيث نعيش حاليا في الخيام بعد أن كنا نعيش حياة كريمة ومحترمة».

ويشير «أبو أحمد» إلى أنه رغم كل ذلك، ورغم أن أولاده تركوا جامعاتهم ومستقبلهم، ولم يعد يراهم أو يتواصل معهم، فإن هناك عائلات دفعت أثمانا أكبر بكثير. ويضيف: «أولادي جزء من هذا الشباب الثائر وقد رفضوا المغادرة قائلين إنهم باقون في بلادهم مهما كان الثمن».

وعن عمله في الحزب، يقول «أبو أحمد»: «أنا عملت في الحزب ككثير من السوريين. أردنا - أنا وبعض المخلصين - أن نعمل للتغيير من الداخل. عملت في النقابات وكان لي حضور جيد وعرفت بكلمتي الجريئة، ولهذا أصبحت محاربا من قبل أصحاب المناصب العليا في الحزب».

يشدد «أبو أحمد» على أن العديد من زملائه في الحزب و«الغالبية العظمى من أعضاء النظام والحزب يشعرون بالاشمئزاز والاحتقان والغضب، لكن ليس بأيديهم فعل شيء.. فكلنا رهائن في الداخل».

يقول «أبو أحمد» إن «الجرأة كبيرة جدا لدى الشباب الثائر».. ويضيف: «وصلت بهم الأمور إلى حد الاستمرار في التظاهر ورمي الحجارة على الأمن رغم إطلاق النار عليهم مباشرة وتساقط القتلى والجرحى من بينهم». ويتابع: «المشهد يصبح كالآتي.. يخرج الناس في مظاهرة، يأتي الأمن والشبيحة فيطلقون النار بشكل عشوائي، الناس تسقط ويحاول الأمن الاستيلاء على الجثث والقبض على الجرحى». ويكشف أنه شاهد رجالا في الخمسينات من العمر عليهم آثار التعذيب بالكهرباء، وقد مورست عليه وسائل تعذيب كثيرة منها «الكرسي البولوني» وهي طريقة تعذيب تؤدي إلى قرح في العمود الفقري لأنهم يضعون الشخص على بطنه ويرفع الرأس والرجلان إلى الأعلى والظهر إلى الأسفل، كما هناك حالات كثيرة لقطع الأصابع، موضحا أنه زار شخصا في الخمسينات من العمر لتهنئته بالخروج من السجن، فوجده يرتدي جلابية بيضاء وبان على قدميه آثار حمراء اللون، ولما سأله كشف له عن آثار تعذيب بالكهرباء، قائلا إنهم (الأمن) يبللون الأرض بالماء ثم يطلقون الكهرباء فيصبح المرء وكأنه يتمزق، ويتابع أن شخصا آخر مريضا بالبروستاتا كان موقوفا في فرع المخابرات الجوية أخبره كيف أنه كان يعطى 70 ثانية منذ لحظة خروجه من الباب وحتى العودة، وإذا تأخر يخضع لمزيد من جلسات التعذيب الشديد.

يكشف «أبو أحمد» أنه شارك في بعض مسيرات التأييد للنظام «من باب المجاملة». ويقول: «الغالبية العظمى من الناس لا تريد النظام، كما أن بعض الناس ارتبطوا بأعمال فساد وهناك أناس مضللون مغسولة أدمغتهم مقتنعون أن النظام قوي وقادر على أن يتغلب على كل الدول»، موضحا أن «هناك تجارا وصناعيين ارتبطوا بالنظام وبعضهم الآخر هو مجرد واجهة أو شركاء للعائلة الحاكمة».

وتحدث «أبو أحمد» عن معاينته في جامعة حلب لعمليات القتل والتعذيب والإهانات والتنكيل الذي جرى، مشيرا إلى أن خطف البنات والاعتداء عليهن من الأمور المؤكدة، وكذلك خطف بعض الناس من أجل المطالبة بالمال.

وعن موضوع السلاح في سوريا، يقول «أبو أحمد» إنه «أمر عادي»، فهناك الكثير من السلاح في سوريا - المرخص وغير المرخص - فهذا واقع المجتمع. ويتابع: «الشعب متروك تماما وكل من يلاحقه الأمن لديه خياران، إما محاولة الهرب وإما الدفاع عن نفسه. ومن لديه شيء يبيعه ويشتري سلاحا». لكنه يضيف أن طلقة «الكلاشنيكوف» ارتفع سعرها من 15 ليرة سورية إلى نحو 250 وهي غير متوفرة، وقواذف الـ«آر بي جي» يتراوح ثمن الواحد بين 600 و700 دولار للواحدة، مشيرا إلى أن عملاء النظام يشترون السلاح من السوق السوداء لقطع الدعم عن الجيش الحر. ويقول: «لقد رأيت أشخاصا في إدلب عندهم قاذفان و40 قذيفة تبين أن قذيفتين منها فقط انفجرتا والبقية كانت غير صالحة لأن النظام يبيعها فاسدة».

ورغم مغادرته، فضل أن يترك «أبو أحمد» خبرا مع أخيه يقول فيه إنه غادر من أجل «شم الهواء» في تركيا لفترة. ويخلص إلى أنه أدلى بشهادته من أجل أهله في الداخل، قائلا: «نقلت الحقيقة من دون مبالغة، لكني لم أقل كل الحقائق، لأني لو أردت أن أفعل لاضطررت إلى كتابة مجلدات».. ويختم قائلا: «أحببت أن أوصل رسالة إلى المجتمع الدولي، تقول إننا صابرون على الجوع والتعب، لكننا نريد أن نحقن دماء الناس».