مبيكي في جولة مكوكية بين جوبا والخرطوم بهدف خفض التوتر بين البلدين

سلفا كير يؤكد للوسيط الأفريقي جاهزية بلاده للتوقيع على وثيقة اتفاق وقف العدائيات

TT

وصل ثابو مبيكي، رئيس جنوب أفريقيا السابق، الذي يضطلع بدور الوسيط في المحادثات بين السودان وجنوب السودان، أمس إلى جوبا للقاء رئيس جنوب السودان سلفا كير، غداة تأجيل محادثات جديدة بين البلدين المتجاورين من دون التوصل إلى اتفاق في أديس أبابا أول من أمس. وتأتي زيارة مبيكي إلى جوبا ضمن جولة مكوكية بين جوبا والخرطوم لاحتواء التوتر بين البلدين والوصول إلى اتفاق لوقف العدائيات، والبدء في معالجة القضايا العالقة بين البلدين بعد انفصال الجنوب عن السودان في يوليو (تموز) الماضي.

وقال مبيكي، في تصريحات صحافية أمس، إنه سيزور الخرطوم أيضا لإعادة طرح فكرة عقد قمة بين سلفا كير ونظيره السوداني عمر البشير كانت مقررة في الثالث من أبريل (نيسان) الحالي، لكنها ألغيت بعد المعارك الحدودية في 26 و27 مارس (آذار) الماضي. وأضاف مبيكي لدى وصوله إلى عاصمة دولة جنوب السودان «جئنا إلى جوبا خصيصا للقاء سيادة الرئيس سلفا كير، والوقوف على رأيه حول التدابير المقبلة التي يتعين اتخاذها في شأن العلاقات بين السودان وجنوب السودان». وأوضح مبيكي «نريد أن نناقش هذه الأمور مع الرئيس سلفا كير قبل أن نزور الخرطوم في إطار الاستعدادات لهذه القمة». ويرافق مبيكي الرئيس البوروندي السابق بيار بويويا، العضو في الوساطة التي تجرى باسم الاتحاد الأفريقي.

ولم يتحدد حتى الآن موعد ومكان لعقد قمة جديدة محتملة قد تلعب دورا كبيرا في التخفيف من التوتر المستمر بين السودان وجنوب السودان منذ استقلال جنوب السودان في يوليو الماضي وفي 26 و27 مارس الماضي، خاض جيشا جوبا والخرطوم معارك غير مسبوقة منذ تقسيم السودان، وتخللتها غارات جوية واقتحامات بالدبابات، واستخدم الطرفان المدفعية الثقيلة وتبادلا تهمة شن الهجوم واستمرار العدوان منذ ذلك الحين. وتبادلت الخرطوم وجوبا من جديد أول من أمس تهمة شن الهجوم، فيما كانت تجرى في أديس أبابا مفاوضات أمنية أرجئت من دون التوصل إلى اتفاق رسمي.

من جانبه، قال الدكتور برنابا مريال بنجامين، وزير الإعلام والمتحدث الرسمي باسم حكومة جنوب السودان، لـ«الشرق الأوسط»، إن سلفا كير أكد لرئيس الآلية الرفيعة التابعة للاتحاد الأفريقي ثابو مبيكي أمس أن لقاءه مع الرئيس السوداني عمر البشير في جوبا، والذي كان يفترض أن يتم في الثالث من أبريل الحالي وألغته الخرطوم، ما زال قائما. وأضاف أن سلفا كير أبلغ مبيكي بأن الكرة الآن في ملعب الرئيس البشير، وشدد على أن يتم في جوبا وليس دولة أخرى - كان هناك مقترح بأن تنقل القمة إلى أديس أبابا - وأن بلاده جاهزة لاستقباله. وقال إن رئيس الآلية الرفيعة تأكد أن سلفا كير لم يغير موقفه من دعوة البشير إلى جوبا، وعندما يصل مبيكي إلى الخرطوم سيطلع على موقف رئيس السودان من حضوره أو عدمه. وتابع «على البشير أن يحدد متى سيلتقي سلفا كير، ومن جانبنا فإننا جاهزون لاستقباله». وقال «الرئيس سلفا كير جدد التزام الحكومة بالتوقيع على اتفاقية وقف العدائيات، وأن وفد بلادنا كان جاهزا للتوقيع أول من أمس، لكن وفد الخرطوم عاد سريعا إلى بلاده بحجة إجراء المشاورات مع قياداته».

من جهته، قال الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين، وزير الدفاع السوداني، لدى وصوله الخرطوم أول من أمس، إنه طلب مهلة من الوساطة لمناقشة النقاط الخلافية مع الرئيس عمر البشير. وأضاف «نحن نريد اتفاقا ينزل على الأرض وما يكون هشا»، مؤكدا أنه والوفد المفاوض سيعودون لأديس أبابا متى طلبت الوساطة ذلك. وشدد على أهمية إقرار السودان وجنوب السودان بصورة واضحة بإيواء الحركات المناوئة حتى يبنى التفاوض على الصدق والشفافية.

وفي خضم هذه التطورات، دعت الولايات المتحدة الخرطوم وجوبا إلى «وقف المعارك» واستئناف المفاوضات التي انتهت أول من أمس في أديس أبابا من دون التوصل إلى اتفاق رسمي لتهدئة التوتر بين البلدين. وقال مارك تونر، المتحدث باسم الخارجية الأميركية، في تصريحات صحافية «إننا قلقون جدا» حيال الأزمة الجارية بين السودان وجنوب السودان، داعيا البلدين إلى «ضبط النفس». وأضاف «نناشد الطرفين وقف المعارك وضمان سلامة المدنيين أولا، ثم حل خلافاتهما برعاية الاتحاد الأفريقي».

من جهة أخرى، قال فيليب أقوير، المتحدث باسم جيش جنوب السودان، لـ«الشرق الأوسط»، إن ستيفن ديو داو وزير النفط والتعدين، وتعبان دينق حاكم ولاية الوحدة الغنية بالنفط، وقيادات عسكرية من ضمنهم شخصه، قد نجوا من موت محقق خلال القصف الجوي لسلاح الطيران السوداني أول من أمس في ولاية الوحدة. وأضاف أن القصف المستمر على أراضي دولته يبدأ منذ الساعات الأولى من الصباح بعد تحليق طائرة استطلاع من دون طيار تم صنعها في إيران. وقال «لقد تم قصف موكبنا على مرتين ونجونا منهما بأعجوبة، ويبدو أن الطائرة من دون طيار حددت مواقعنا وقامت طائرات (ميغ) بالقصف».

واستهجن أقوير نفي الخرطوم للطائرة من طراز «ميغ 29» والتي أسقطها الجيش الشعبي في ولاية الوحدة أول من أمس. وكان العقيد الصوارمي خالد سعد، المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية، قد نفى سقوط طائرة عسكرية للجيش السوداني في الجنوب. واعتبر ما ذهب إليه جنوب السودان بدعم إيراني للقوات المسلحة، مجرد ادعاءات وأكاذيب، واستهلاك إعلامي.

وقال أقوير إن دولته تتوقع هجوما بريا على ولاية بحر الغزال التي لها حدود مع دارفور، وقال إن حشودا كبيرة الآن في تلك الحدود من قبائل الرزيقات والفلاتة وعناصر جيش الرب الإرهابي. وتابع «نتوقع الهجوم خلال يومين، وإذا لم يوقع ربما تقوم القيادة العامة في الخرطوم بتغيير توقيت العمليات، لكننا رصدنا مكالمات لهذه الحشود».

من جهة أخرى، حصلت «الشرق الأوسط» على اتفاقية وقف العدائيات بين السودان وجنوب السودان، والتي أبدى فيه وفد جوبا ملاحظات، لكنه أكد على التوقيع في حينه. وأكدت الوثيقة على سحب البلدين قواتهما من على الحدود بنحو 10 كم، وأن يلتزم الطرفان بروح الشراكة في العلاقات بينهما وبناء أساس لدولتين قابلتين للتعايش وحل القضايا العالقة، وأن يؤكد الطرفان أن الاتفاق ليس مناورة تكتيكية، بل يجب أن يتحول إلى شراكة استراتيجية وتعاون. ويؤكد الطرفان من جديد على مذكرة تفاهم بشأن عدم الاعتداء والتعاون في 10 فبراير (شباط) الماضي، تتضمن اتفاقا شاملا لتوجيه جميع القضايا المتعلقة بالأمن بين الدولتين. ويؤكدان أن قرارات «JPSM» في هذه الوثيقة تتكون في وضع مذكرة التفاهم ووضع آليات تنفيذها.

ونصت الوثيقة على التنفيذ الفوري للاتفاقية والمقررات السابقة في مذكرة التفاهم التي تم توقيعها في العاشر من فبراير الماضي، والوقف الفوري لإطلاق النار على الحدود وسحب القوات، ويحظر على الدولتين دعم جماعات المعارضة المسلحة والحركات داخل الدولة الأخرى، وأن أي تمرد في أي دولة هي مسائل للسيادة الوطنية التي تتطلب مقاربة سياسية وليس مسألة أمنية، وأن يتفق الطرفان على التعاون في البحث عن حلول سياسية، وإنشاء بعثة تحقيق للتأكد من الالتزامات واستخدام آلية متخصصة من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة. ودعت الوثيقة إلى الوقف الفوري لكل أشكال الدعاية الإعلامية السلبية الرسمية والخاصة من دون أن يؤثر ذلك على حرية الصحافة في البلدين.