الجنرال التركي إيفرين يغيب عن المحكمة وضحاياه يطالبون بحضوره

ترحيب شعبي بمحاكمة قائد انقلاب عام 1980

متظاهرة أمام مقر المحكمة في أنقرة تطالب بمعاقبة الجنرال كنعان إيفرين وهي تحمل حبلا ولافتة عليها تصريح سابق لإيفرين الذي برر إعدام العشرات من الناشطين الشباب خلال سنوات حكمه بالقول: «هل نطعم هؤلاء الإرهابيين بدلا من شنقهم؟». واحتشد المتظاهرون أمام المحكمة في أنقرة أمس (أ.ب)
TT

لليوم الثاني على التوالي، غاب الجنرال التركي كنعان إيفرين عن محاكمة منفذي انقلاب 1980 في تركيا، التي انطلقت أول من أمس. ولم تخفِ الصحف التركية ارتياحها لإحالة مرتكبي الانقلاب العسكري على القضاء لأول مرة في بلد شهد ثلاثة من هذه الانقلابات. وتأتي هذه المحاكمة في إطار انقسام في تركيا بين الحكومة والمؤسسة العسكرية التركية التي ما زالت تصر على دورها السياسي في البلاد.

ويحاكم الجنرال إيفرين قائد النظام العسكري رئيس الجمهورية السابق، وقائد سلاح الجو حينها تحسين شاهينكايا أمام محكمة الجنايات لكنهما لم يحضرا الجلسة الافتتاحية لأنهما طاعنان في السن ومريضان. ودامت الجلسة الأولى تسع ساعات ولم يتل خلالها القضاة، خلافا لما جرت عليه العادة، مذكرة الاتهام ضد الجنرالين لأنهما كانا غائبين.

وقد يصدر بحق كنعان إيفرين، وعمره 94 عاما، وتحسين شاهينكايا، 86 عاما، حكم بالسجن المؤبد بتهمة ارتكاب «جرائم ضد الدولة» في سابقة في تركيا، حيث لم يحاكم قط أي مسؤول على انقلاب.

ودعا محامي الطرف المدني الأربعاء القضاة إلى استدعاء المتهمين حتى ولو كانا في «قفص أو حمالة» على غرار الرئيس المصري السابق، حسني مبارك.

وتندرج المحاكمة في إطار صراع على السلطة بين الجيش وحزب العدالة والتنمية الذي يحاول الحد من النفوذ السياسي للجيش. وينظر حاليا في عدة قضايا تتعلق بمؤامرات مفترضة يتهم فيها مئات المشبوهين، بمن فيهم الكثير من كبار ضباط الجيش.

وطالب محامي مجموعة من الضحايا أوريل غاندوغان باحضار إيفرين إلى المحكمة، قائلا: «بحسب الدستور، كل مواطن متساوٍ أمام القضاء، وكل مواطن تركي تجب محاسبته أمام المحاكمة التركية». وأضاف: «يجب جلبهما (إيفرين وشاهينكايا) للمحكمة ليفهما بند المساواة في الدستور.. ولو بالقوة إذا استدعى الأمر ذلك». وتابع المحامي أنه مثلما مثل الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، أمام المحكمة، على الرغم من تقدم سنه وكونه عسكريا، على إيفرين وشاهينكايا المثول أمام المحكمة.

وطالبت لجنة من 3 قضاة أمس بالتقارير الطبية للمتهمين لاتخاذ قرار حول إمكانية محاكمتهم غيابيا. واستمعت المحكمة أمس لبيانات الضحايا استعدادا للمرحلة المقبلة من المحكمة.

واستمعت المحكمة إلى الكثير من ضحايا انقلاب 12 سبتمبر (أيلول) 1980، واستؤنفت المحاكمة صباح أمس، ويتوقع أن تستمر جلسات الاستماع تلك. واحتشد المتظاهرون أمام مقر المحكمة أمس، من بينهم عدد من أعضاء عائلات المعدومين والمعتقلين خلال حقبة الحكم العسكري تلك. وقد أعدم خمسون شخصا حينها واعتقل 600 ألف، وقضى العشرات تحت وطأة التعذيب، بينما اختفى آخرون خلال السنوات الثلاث التي تلت الانقلاب.

واستذكر مصطفى أونال في صحيفة «زمان» أن بدء هذه المحاكمة يتم بفضل تعديل دستوري في 2010 ألغى البند الذي يضمن حصانة الانقلابيين. وقال إن «حصيلة تركيا في مجال محاكمة الانقلابيين ليست مجيدة، لم يحاسب المسؤولون على انقلابي 1960 و1971 أبدا، وهذا ما أدى إلى تشجيع الانقلابات». وكذلك أطاح العسكر بحكومة إسلامية منتخبة في 1997.

وأعربت صحيفة «طرف» المعروفة بانتقادها المؤسسة العسكرية عن حماستها بالقول: «وأخيرا تواجه تركيا ماضيها الانقلابي».

ومن جانبها، أفادت صحيفة جمهورية بـ«أنهم ليسوا اثنين فقط»، وطالبت بإحالة كل الانقلابيين على القضاء. وأمام قصر العدل تجمع مئات المتظاهرين استجابة لدعوة الكثير من الأحزاب اليسارية الصغيرة للمطالبة بتحقيق العدالة لضحايا الانقلاب. ورفعوا لافتة كتب عليها «ضمير الانقلابيين أمام القضاء»، كما رفع بعضهم صور رفاق لهم قتلوا في السجن.

وقال علي أمير (56 عاما) لوكالة الصحافة الفرنسية: «جئت لأقول إننا لم ننسَ. لا أريد أن تكون هذه القضية مجرد إجراء شكلي»، مؤكدا أنه سُجن أربع سنوات وتعرض لتعذيب لمدة 87 يوما في سجن ملاتيا (شرق) لانتمائه إلى تنظيم يساري.

من جانبها، قالت مرفت اسنداج، والدة خليل اسنداج، لوكالة الأناضول إن «ابني لم يطلق أبدا النار على الجنود أو يلقي حجارة على الشرطة. لقد سجنوه دون دليل أو شهادة. ولم يسمحوا لنا برؤيته. لقد أعدموا ابني بلا ذنب، وحسبي الله ونعم الوكيل فيهم».

ويرى الكثير من المراقبين أن الهدف من وراء هذه القضية هو محاكمة جميع المسؤولين عن الانتهاكات الجماعية لحقوق الإنسان التي رافقت هذا الانقلاب.

وقال سيزغين تانريكولو، نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، إن «جلادي هذا الانقلاب لا يزالون في الخارج. ويجب أن يحاكموا هم أيضا على أفعالهم أمام القضاء. وإلا فإن العدالة لن تتحقق».

من جانبها، قالت منظمة «هيومان رايتس ووتش» في بيان صدر أول من أمس: «على ضوء الأدلة الموجودة بالفعل في قرار الاتهام يتعين أيضا على مدعي عام أنقرة التحقيق بشان السماح من أعلى مستوى بسياسة التعذيب»، داعية أيضا إلى محاكمة «شبكة واسعة من العسكريين والشرطيين والموظفين والأطباء المتورطين في التعذيب».