ساركوزي يعرض برنامجه قبل 17 يوما من الاقتراع الرئاسي

«اتحاد المنظمات الإسلامية» يعقد اليوم مؤتمره قرب باريس في أجواء بالغة التشنج

TT

عرض الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، أمس، برنامجه الرئاسي مفصلا وبالأرقام قبل 17 يوما من الدورة الأولى من انتخابات الرئاسة، في آخر محطات حملة اتسمت حتى الآن بخطاب شديد اللهجة ركز على الأمن والهجرة. وجاء هذا عشية انطلاق نشاطات ملتقى «اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا»، وسط جدل أثارته دعوة اليمين المتطرف لمنع الملتقى وحل الاتحاد.

وقدم ساركوزي، الذي تتوقع الاستطلاعات تعادله مع المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند في الدورة الأولى وفوز خصمه بفارق كبير في الدورة الثانية، برنامجه مساء أمس في وثيقة من 15 صفحة طبعت منها مئات آلاف النسخ. ويستعيد البرنامج كل الاقتراحات التي عرضها ساركوزي خلال الأسابيع الأخيرة، الواحد تلو الآخر، بما في ذلك الزيادة في رسم القيمة المضافة (من 19.6 إلى 21.2 في المائة) لتخفيف ضرائب الشركات والحد من الهجرة الشرعية وإصلاح التدريب المهني وفرض ضريبة على الفرنسيين الأثرياء المقيمين في الخارج هربا من الضرائب والعودة إلى التوازن المالي العام بحلول 2016. وقد حذر ساركوزي من أن هذا الجهد الرامي إلى التخلص من الديون كما وعد به شركاءه الأوروبيين سيكلف البلاد 115 مليار يورو بينها 75 مليارا من الوفر و40 مليارا من الموارد الجديدة.

ويعد فريق الرئيس المرشح أيضا ببعض «المفاجآت» بما فيها إجراءات تخفيض تكلفة الحصول على رخصة قيادة السيارة بهدف تسهيل التنقل من أجل البحث عن وظيفة. كما وعد مستشار الرئيس هنري غاينو أمس بنشر «رسالة إلى الفرنسيين» يعرب فيها نيكولا ساركوزي عن الأمل في أن «يتقاسموا هذه القناعة بأنه لم يعد بالإمكان الانتظار لتغيير بعض الأمور، تغيير العولمة وتغيير أوروبا وتغيير فرنسا».

وفي خضم وطيس الحملة الانتخابية، يستعد اتحاد المنظمات الإسلامية، لافتتاح أشغال مؤتمره التاسع والعشرين اليوم في لوبوجيه (شمال باريس). واستبقت وزارة الداخلية بدء نشاطات الملتقى التي تستمر حتى التاسع من الشهر الحالي بإصدار قرارات منعت بموجبها دخول ستة دعاة مسلمين من دخول الأراضي لفرنسية بينهم المصري يوسف القرضاوي والفلسطيني عكرمة صبري والسعودي إياد بن عبد الله القرني. واتصل الرئيس ساركوزي شخصيا بأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي تربطه به علاقات صداقة قوية ليعلمه بمنع قبول القرضاوي الذي يحمل جواز سفر دبلوماسيا قطريا من دخول الأراضي الفرنسية. كما عمدت دوائر قصر الإليزيه إلى توزيع نص رسالة مفتوحة وجهها ساركوزي قبل ثلاثة أيام لرئيس اتحاد المنظمات الإسلامية التونسي أحمد جاب الله يحذره فيها من مغبة ما سيقال ويناقش إبان الأيام الأربعة للملتقى. وجاء في رسالة ساركوزي: «لن أسمح أن توجه خلال الملتقى الذي يجري على الأراضي الفرنسية رسائل تدعو إلى العنف والكراهية ومعاداة السامية التي هي بمثابة تعدّ لا يطاق على الكرامة الإنسانية وعلى القيم الجمهورية».

ويأتي الملتقى في وطيس الحملة الانتخابية الرئاسية وخصوصا عقب عمليات الاغتيال والقتل التي قام بها الفرنسي من أصل جزائري محمد مراح في مدينتي مونتوبان وتولوز (جنوب) الذي أعلن انتماءه لتنظيم القاعدة موقعا 7 ضحايا بينهم ثلاثة أطفال وحاخام يهودي. وأحدثت هذه العمليات حالة صدمة لدى الرأي العام الفرنسي ووجهت الأنظار نحو ما سمي «الإرهاب الإسلامي» و«المخاطر» التي تشكلها الخلايا الجهادية على أمن المجتمع الفرنسي. وكانت النتيجة أن الحكومة الفرنسية عمدت إلى اتخاذ تدابير منها ردعي ومنها وقائي. وتمثل الرد في ترحيل مجموعة من الأشخاص بينهم أئمة، الذين تعتبر باريس أنهم يشكلون «خطرا» على الأمن أو يستخدمون حججا ومقولات تروج للعنف. أما الوقائي فبرز من خلال القبض على 25 شخصا من السلفيين، بينهم 15 ينتمون إلى خلية «فرسان العزة» وعشرة ممن مروا في مخيمات التدريب في أفغانستان وباكستان. ويتوقع أن تتواصل العمليات الأمنية وقد تتكثف في الأيام القليلة القادمة التي تفصل عن الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية في 22 الحالي.

غير أن الضجة التي تحيط بالملتقى الإسلامي هذا العام لم يسبق لها أن حصلت في السابق. وتجدر الإشارة إلى أن اتحاد المنظمات الإسلامية جزء لا يتجزأ من المجلس التمثيلي للدين الإسلامي في فرنسا الذي أطلق عام 2003 عندما كان الرئيس ساركوزي وزيرا للداخلية. ومارس الوزير ساركوزي وقتها ضغوطا قوية على الحاج تهامي بريز، رئيس الاتحاد، وفؤاد العلوي، أمينه العام، لحملهما على الدخول في المجلس الفرنسي بسبب «الوزن» الذي يتمتع به الاتحاد لدى مسلمي فرنسا، ولأنه يضم ما يزيد على 200 جمعية فاعلة. وتبين «ثقل» الاتحاد الذي يعتبر قريبا من فكر «الإخوان المسلمين» في الانتخابات المتلاحقة التي جرت لتعيين الهيئة التمثيلية لمسلمي فرنسا. والأبرز من ذلك أن ساركوزي شارك شخصيا وهو وزير للداخلية وشؤون الوقف والأديان في نشاطات ملتقى العام 2004. ولذا فإن موقفه الراهن يعكس طلاقه مع هذا التجمع الذي يعد الأهم والأبرز للمسلمين في فرنسا وأوروبا، حيث يرتاده عشرات الآلاف منهم خلال أيامه الأربعة.