أنصار حزب الله يخشون العزلة بسبب مواقف حزبهم المؤيدة للأسد

السوريون الذين كانوا يدافعون عنه يعتبرونه الآن حزبا طائفيا

أنصار حزب الله، يهتفون للامين العام للحزب الشيخ حسن نصر الله خلال خطاب له عبر شاشة عملاقه من مكان سري، خلال افتتاح مجمع السيدة زينب في الضاحية الجنوبية من بيروت، (ا.ف.ب)
TT

قام مازن، وهو نجار يقوم بتنظيم المظاهرات ضد الرئيس بشار الأسد في إحدى ضواحي العاصمة السورية دمشق، بتمزيق ملصقات وصور زعيم حزب الله، حسن نصر الله، التي كانت تزين سيارته ومتجره. ومثله مثل العديد من السوريين، كان مازن (35 عاما) يمتدح حسن نصر الله بسبب موقفه من إسرائيل، وكان ينظر إلى حزب الله على أنه البطل العربي الذي يدافع عن المظلومين، ليس فقط من المسلمين الشيعة، ولكن السنة أيضا. وبعد مساندة حزب الله لبشار الأسد خلال حملته القمعية ضد الشعب السوري الذي ثار على حكمه منذ ما يقرب من العام، تحولت نظرة مازن إلى حزب الله وأصبح يراه على أنه حزب طائفي يساند الأسد لأن معظم معارضيه من المسلمين السنة.

ويقول مازن: «الآن، أنا أكره حزب الله».

إن قرار نصر الله بالحفاظ على تحالفه الحاسم مع الأسد قد خاطر بمكانة حزب الله وبمحاولاته لبناء علاقات إسلامية في لبنان وفي العالم العربي.

وعلى الرغم من أن قاعدة حزب الله في لبنان لا تزال قوية حتى الآن، فإن الحزب يواجه خطر العزلة. وقد نأت حركة حماس الفلسطينية، التي تعد حليفا أساسيا لحزب الله منذ وقت طويل، بنفسها عن حكومة الأسد، ونقلت مقرها الأساسي من العاصمة السورية دمشق. وعلاوة على ذلك، ندد الثوار السنة في سوريا بشكل واضح بحزب الله ووصفوه بأنه عدو لهم. وفي لبنان، يرى معارضو حزب الله أن هذه فرصة ثمينة للعمل على تأكل قوة الحزب.

وفي خطوة تعكس موقفه من الحقائق الجديدة - وصمود الثورة السورية - لجأ حزب الله إلى تغيير خطابه. وفي بعض الخطابات المكتوبة بعناية شديدة، أشار نصر الله بلطف، ولكن بحزم أيضا، إلى أن الأسد لن يتمكن من سحق الثورة السورية بالقوة ويتعين عليه التخلي عن القوة ومحاولة التوصل إلى تسوية سياسية. وقد اعترف نصر الله بشكل ضمني بوجود حالة متنامية من الغضب في العالم الإسلامي نتيجة حصيلة القتلى الكبيرة والمتزايدة، وأشار بصورة غير مباشرة إلى اتهام الحكومة السورية بـ«استهداف المدنيين»، كما حث الأسد على «تقديم الحقائق إلى الشعب».

وقال علي بركة، وهو مسؤول من حركة حماس ومشارك في المحادثات، إن نصر الله قد حاول شخصيا، من وراء الكواليس، أن يبدأ عملية مصالحة في سوريا في بداية الثورة، وأنه يقوم بتلك المحاولات مرة أخرى الآن.

وقال بركة، وهو ممثل حركة حماس في العاصمة اللبنانية بيروت: «نصر الله يرفض عمليات القتل من الجانبين»، وأضاف أن نصر الله قد زار دمشق في شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي، وأقنع الأسد بمحاولة الوصول إلى حل سياسي، على أن يعمل حزب الله وحماس كوسيط في المحادثات، ولكن تم إجهاض تلك الخطة من جانب الحكومة السورية، لأن حركة حماس قد بدأت تقدم الدعم للمسلمين السنة في المعارضة.

ونادرا ما يسمح حزب الله بإجراء مقابلات رسمية، وقد رفض مثل هذه المقابلات على مدار عدة أشهر، ولكن مؤيدو الحزب والناشطون الحاليون والسابقون في الحزب قد أشاروا إلى أن الوضع الحالي يثير مخاوف من ردود فعل عنيفة ضد الشيعة، كما يعد اختبارا للموالين للحزب الذين يتعين عليهم شرح موقف الحزب تجاه الآخرين، وتجاه أنفسهم.

وقالت ناشطة طلابية سابقة إن نصر الله بدأ يخفف من تشدد موقفه لأنه يريد أن يتجنب دخول مؤيديه في حرب أخرى. وتقضي هذه الناشطة ساعات على «فيس بوك» للدفاع عن الحزب، مؤكدة، على سبيل المثال، أن القوات المارقة، وليس الأسد، هي المسؤولة عن تلك «الأخطاء». وأضافت تلك السيدة، التي تعمل في إحدى المؤسسات التابعة لحزب الله: «لا يريد نصر الله أن يعاني مؤيدوه»، وأضافت أن البعض لا يزال «مكسورا من الداخل» من الحرب مع إسرائيل عام 2006 و«لا يريد مزيدا من الضغوط».

ويعد الصراع الموجود في سوريا بمثابة اختبار للتناقضات الموجودة في حزب الله منذ فترة طويلة، فعلى الرغم من أن الحزب يعتمد على تأييد الرأي العام، فإنه يتصرف بصورة استبدادية في بعض الأحيان. وعلى الرغم من أن الحزب يعد مجموعة لبنانية تم تشكيلها لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، فإنه يدين بقوته الكبيرة - والأموال التي استخدمها لإعادة بناء جنوب لبنان عقب الحرب مع إسرائيل عام 2006 - إلى رغبة إيران في إظهار قوتها في المنطقة. وعلى الرغم أيضا من أن الحزب يصور نفسه على أنه كيان لكل المسلمين، فإنه يعتمد على دعم كبير من المسلمين الشيعة الذين مكنوه من أن يكون الكيان العسكري الأكثر صلابة في منطقة الشرق الأوسط والقوة السياسية الأكبر في لبنان.

وقبل كل شيء، نجح حزب الله في الاستحواذ على احترام الجميع بسبب تمسكه بمبادئه، وحتى بين الطوائف المتناحرة والقوى اليسارية في بيروت والتي تشكك في تشدده الديني. والآن، يدفع الحزب ثمن سياسته البراغماتية في سوريا. وقالت إحدى العاملات في مجال الرعاية الصحية، وهي حاصلة على شهادة جامعية ودائما ما كانت من المؤيدين للحزب، إن تأييد الحزب للأسد يجعلنا نثق في أهم مبدأ للحزب وهو عمله على مقاومة إسرائيل. وقالت لأصدقائها في مقهى على شاطئ البحر في مدينة صيدا اللبنانية، بعد التسوق في إحدى المراكز التجارية الجديدة: «هناك أطراف خارجية وراء الثورة السورية، والهدف الحقيقي هو النيل من لبنان والمقاومة».

وقد تبنت تلك السيدة وجهت نظر الحزب المتمثلة في أن الولايات المتحدة وحلفاءها قد خططوا للثورة السورية بهدف معاقبة حزب الله بسبب حربه ضد إسرائيل عام 2006.

غير أن ذلك الجدال قد احتدم. فقد أعلنت حماس، في ظل عجزها عن إنكار شرعية الثوار السنة في سوريا، عن تبنيها موقفا حياديا، على نحو أثار غضب الأسد، ثم نقلت قيادتها من دمشق. وذهب بعض قادة حماس من غزة إلى مدى أبعد، بمدحهم الثورة السورية أمام جموع تصرخ قائلة: «لا لحزب الله».

وقد اتهم حزب الله، الذي تم حرمانه من الغطاء السياسي لحركة حماس، بالكراهية الطائفية، وبات هدفا للحركة أيضا. وقد أحرق الثوار السوريون علم حزب الله، واتهموه بأن قناصة تابعين له يقتلون المدنيين في سوريا، وأطلقوا على فرقهم أسماء محاربين تاريخيين. وفي وقت سابق، رأى بعض المحللين أنه إذا ما صعدت حكومة سنية في دمشق، فربما تدعم حزب الله ضد إسرائيل. لكن في الوقت الحالي، على حد قول مايكل وحيد حنا من مؤسسة «سينشري فاونديشن»، ربما يكون حزب الله قد أضاع فرصة لتأمين مراهناته.

وصاغ أنصار حزب الله، الذين لم يرغب أي منهم في الكشف عن هويته بسبب عدم تشجيع الحزب إجراء مقابلات مع صحافيين، مخاوفهم في صورة طائفية. وأعرب أحدهم عن مخاوفه من أنه إذا ما تولى السنة السلطة في سوريا، فسوف يحظرون دخول الشيعة إلى الأضرحة الموجودة هناك وفي العراق، على النحو الذي تم التكهن به في أحد النصوص الشيعية. ورأى أحد الأنصار الآخرين لحزب الله أن «المتطرفين السنة» ربما يفجرون مناطق تابعة لحزب الله.

لا يبدو حزب الله معرضا لخطر فقدان أنصاره الأساسيين. لكن بعض الموالين له لديهم تساؤلات.

ففي مقهى صيدا، أعلن العامل الصحي أن السوريين الذين يحصلون على تعليم مجاني ورعاية صحية ليس لديهم أي مبرر للثورة. ولم تتفق صديقته الشيعية المنتمية إلى معقل حزب الله في جنوب لبنان معه في الرأي، حيث قالت: «إنهم متمتعون ببعض الامتيازات، لكنهم يحاربون دفاعا عن حقوقهم».

وذكر أحد أنصار الحزب في الضاحية، معقل حزب الله في بيروت، أن محطة «الجزيرة» الإخبارية التلفزيونية تلفق أخبارا غير صحيحة عن الأعمال الوحشية وتلقي باللائمة على الحكومة فيها. وهزأ منه أحد الأصدقاء قائلا: سيكون سقوط الأسد سيئا بالنسبة للشيعة، لكنه «يذبح شعبه».

وقال أحد أعضاء حزب الله إن عمليات القصف التي تشنها الحكومة قد تسببت في مقتل العديد من المدنيين، لكنها كانت مبررة لأن الضحايا قد سمحوا للثوار باستخدام منازلهم «كمخازن ذخيرة». ووظفت إسرائيل حجة مماثلة، أدانها حزب الله، دفاعا عن قصفها الأحياء التي يسيطر عليها حزب الله في عام 2006.

وأشار بركة من حركة حماس إلى أن قادة حزب الله الذين يثمنون شهرتهم بالمبادئ الأخلاقية، قد كدرهم «قتل المدنيين» من الجانبين وأدركوا أن الحكومة ليست ملومة. قال بركة: «إنهم واعون».

وقال إنه تحدث مع نصر الله لمدة خمس ساعات يوم 9 مارس (آذار)، مخبرا إياه بأنه لا يمكن أن يحقق أي من الطرفين الانتصار بالقوة. وفي 14 مارس، بارك حزب الله جهود حماس لإشراك المعارضة من خلال اتصالاتها بجماعة الإخوان المسلمين، حسبما أفادت صحيفة «السفير» المؤيدة لحزب الله.

وفي اليوم التالي، مع تأكيد الأسد على ضرورة وقف الثوار القصف أولا، ناشد نصر الله السوريين جميعا - «الشعب والنظام والحكومة والجيش» - إلقاء أسلحتهم «بشكل متزامن».

وطالب لاحقا بإجراء إصلاحات «جادة وجوهرية». ومن خلال إشارته إلى اعتبارات دينية و«عربية وأخلاقية»، قال إن التوصل لحل سياسي يعتبر مسؤولية الجميع «الذين تخفق قلوبهم تعاطفا مع الشعب السوري - الرجال والنساء والأطفال والمسنين». لكنه أشار أيضا إلى الألم النفسي على المستوى الإقليمي بشأن عمليات القتل.

وحتى بالنسبة لأنصار حزب الله الذين يزعمون أن الثورة السورية ممولة من الخارج، تبدو فكرة الثورة لها صدى طبيعي.

«العالم العربي الذي يحتاج لليقظة»، هذا ما قالته الناشطة الطلابية السابقة في مكتبها. وتساءلت باستهزاء: «كيف تقضي يومك أيها الرجل العربي في مشاهدة ليدي غاغا وتدخين الشيشة؟». وأبدت إعجابها باندلاع ثورة «نظيفة وطاهرة» في العالم العربي. قالت: «لو كانت حقيقية، لو كانت بالفعل تعبر عن إرادة الشعب، فلن تكون جيدة فحسب، بل عظيمة».

* ساهم في إعداد التقرير من سوريا موظف من صحيفة «نيويورك تايمز» وإد أو من عرسال بلبنان

* خدمة «نيويورك تايمز»