مرشح إسلامي يحاول رأب الصدع بين التيارين الديني والعلماني في مصر

عبد المنعم أبو الفتوح: السيد الوحيد في هذه الأمة هم المصريون

ملصقات الحملة الانتخابية لعبد المنعم أبو الفتوح (واشنطن بوست)
TT

تعدى المتحدثون الذين أشعلوا حماسة الجماهير مع تدشين حملة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الدعائية هذا الأسبوع الاستشهاد بآيات من القرآن الكريم وأشعار منمقة، تلك الأساليب التي يوظفها المرشحون الإسلاميون الذين يخوضون سباق الترشح للرئاسة.

تدفقت كلمات الممثلة ذات الشعر الأحمر المكشوف التي تمتدح فيها أمانة أبو الفتوح. ووصفه مذيع برنامج حواري ليبرالي بأنه شجاع. وقال ابن أحد رجال الدين الذين يظهرون على شاشات التلفزيون إن أبو الفتوح سوف «يحشد جميع المصريين معا من اليمين إلى أقصى اليسار».

مع كون المصريين على بعد شهر واحد فقط من اختيار أول رئيس للبلاد منذ سقوط حسني مبارك العام الماضي، يظهر أبو الفتوح نفسه في صورة المرشح الوحيد القادر على تسوية الخلافات التي تشكل تصدعا عميقا بين التيارين الإسلامي والعلماني في مصر. والسؤال: هل ستحظى فكرة إجماع الآراء بنسبة قبول كبيرة في ظل السياسات الاستقطابية الجديدة في مصر؟

أبو الفتوح عضو سابق بجماعة الإخوان المسلمين، الجماعة الإسلامية الأوسع نفوذا في مصر، ويخوض سباق الرئاسة كمرشح مستقل صاحب رؤية إصلاحية. وعلى الرغم من أن السباق يضم مرشحين لم يجعلوا الدين جزءا محوريا في حملاتهم الدعائية، فإنه بات يتجلى بشكل أكثر وضوحا كخيار بين أنماط عديدة من الأفكار الإسلامية. ومن بين تلك الأنماط، ربما يمثل أبو الفتوح أكثر الخيارات اعتدالا.

على الجانب الآخر، كان حازم أبو إسماعيل، المرشح المفضل لدى تيار المتشددين المعروفين باسم السلفيين، والذين ذكروا في إحدى المرات أن النساء السافرات لا يجب أن يعتبرن أنفسهن مسلمات. يذكر أنه أعلن يوم أول من أمس الخميس عن عدم استيفاء أبو إسماعيل شروط الترشح للرئاسة، بعد أن ثبت للجنة العليا للانتخابات أن والدته تحمل الجنسية الأميركية.

ومن المرجح أن يكون أكبر منافسي أبو الفتوح في انتزاع أصوات الإسلاميين المعتدلين هو خيرت الشاطر، الذي أضيف إلى قائمة المرشحين المحتملين الأسبوع الماضي بعد أن نكثت الجماعة عهدها الذي قطعته على نفسها منذ فترة طويلة بعد الدفع بمرشح في سباق الرئاسة.

ومن المثير للسخرية أنه قد تم طرد أبو الفتوح من جماعة الإخوان المسلمين بعد استمراره كعضو فيها لعقود بسبب رغبته في الترشح لمنصب الرئاسة. ومن المنافسين أيضا عمرو موسى، وزير الخارجية ورئيس جامعة الدول العربية السابق المنتمي للتيار الليبرالي، مع أن صلاته بالنظام السابق تجعله مكروها بالنسبة للعديد من المصريين.

حتى الآن على الأقل، يحتل أبو الفتوح مكانة متدنية في استطلاعات الرأي. لكنه يراهن على أن المجموعة المتباينة من أنصاره - الشباب الليبراليون والمسيحيون الذين يخشون من استحواذ التيار الإسلامي المتشدد على السلطة، إضافة إلى الإسلاميين الذين ليسوا على وفاق مع جماعة الإخوان المسلمين - ربما تضيف أصوات كافية تساعده في الفوز. ونظرا لعدم استطاعته تحمل عواقب إغضاب أي من تلك التكتلات، فقد كانت رسالته موسعة وأجندته صعبة الفهم.

«السيادة الحقيقية ملك للشعب، والسيد الوحيد في هذه الأمة هم المصريون، من دون وجود رجل أول أو سيدة أولى»، هذا ما قاله أبو الفتوح للجمع المبتهج في تدشين حملته بحديقة الأزهر في القاهرة، وظهر وجهه يشع ابتهاجا على شاشات عملاقة.

قال أبو الفتوح: «الأسياد الحقيقيون هم الشعب، وبصرف النظر عن الاعتقاد أو الجنس أو اللون أو المستوى الاجتماعي، فالناس جميعا سواسية أمام القانون».

على الرغم من أن البرنامج السياسي لأبو الفتوح ربما يكون غامضا، فإن المحللين يقولون إنه على درجة من الأهمية، في ظل سير مصر على طريق التحول الديمقراطي بعد عقود من الاستبداد.

ومع استحواذ الإسلاميين على ثلثي المقاعد في البرلمان المنتخب حديثا، ثمة قدر محدود من الشك في أن الدين سيلعب دورا أكثر فاعلية في الشؤون العامة المصرية. إلا أنه في مصر، وفي دول الشرق الأوسط، يحاول الناس التوصل إلى إجابة عن سؤال ما يعنيه العيش في ظل ديمقراطية إسلامية. «على المدى الطويل، ربما تكون حملته بمثابة نواة لحركة سياسية جديدة يمينية وسطية»، هذا ما قاله أشرف الشريف، محاضر مساعد بالجامعة الأميركية في القاهرة يدرس الحركات الإسلامية. «إنه فكر جديد يتجه إلى جانب اليسار من جماعة الإخوان المسلمين، لسان حال الليبراليين يقول: «إذا كان الفوز سيحالف مرشحا إسلاميا في جميع الأحوال، فإنه أفضل مرشح». إنه قادر على تضمين الإسلاميين الإصلاحيين والعلمانيين المعتدلين والأقباط الذين ينظرون إليه على أنه أخف المرشحين الإسلاميين ضررا».

يذكر أن أبو الفتوح كان قد أعلن على الملأ عن اعتقاده بضرورة السماح للنساء والمسيحيين بتقلد مناصب بارزة في الحكومة في مصر، بما فيها منصب الرئاسة، وهي خطوة رفضتها جماعة الإخوان المسلمين. فضلا عن ذلك، فإنه يرغب في إلغاء شرط ضرورة حصول الأقباط على تصريح من الرئيس لإنشاء كنيسة، حسبما أشار علي البهنساوي، المنسق الإعلامي لحملته. وفي حالة انتخابه رئيسا، يعتزم أبو الفتوح اقتراح مشروع قانون يكفل لأفراد الشعب من جميع الديانات الحق في إنشاء دور عبادة من دون عراقيل مبالغ فيها من قبل الحكومة، بحسب البهنساوي.

غير أن البعض ما زالت تحدوه شكوك. وقد تحول الحزب الديمقراطي الاجتماعي اليساري إلى أبو الفتوح بوصفه مرشحا إسلاميا يمكنهم دعمه.

«نميل بدرجة كبيرة إلى التصويت لصالحه ودعمه، لأنه يبدو عقلانيا وأعرفه منذ سنوات طويلة بشكل شخصي»، قال محمود أبو العار، رئيس الحزب.

غير أن أبو الغار ذكر أنه عندما طلب ضمانا بأن أبو الفتوح سيعين نائبين له أحدهما ليبرالي والآخر سيدة أو مسيحي، رفض المرشح المحتمل التعليق. ولم يعلق مكتب أبو الفتوح على تلك الرواية، لكنه ذكر أن أبو الفتوح يتبنى سياسة ممثلة في عدم تقديم وعود في مقابل دعمه.

لا تبدو الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين مهتمة على وجه الخصوص بالتهديد الذي ربما يمثله أبو الفتوح بالنسبة لمرشحهم. يذكر أنه في يوم الخميس الماضي، تقدم الشاطر رسميا بأوراق ترشحه، وسط ابتهاج الآلاف من مرشحيه في الشوارع. قال عمرو دراج، عضو بحزب الحرية والعدالة: «أبو الفتوح بالتأكيد مرشح إسلامي، لكنه يتبنى آراء الليبراليين وغير الإسلاميين بدرجة تفوق تبنيه آراء أي مرشحين إسلاميين آخرين».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»