حفلات تخرج الطلبة الجامعيين في بغداد.. طقوس وأزياء غريبة

طلاب وطالبات لـ «الشرق الأوسط»: احتفالنا تمرد على واقع مرير ومستقبل مجهول

TT

على غير هدوئها المعتاد، استيقظت باحات أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد على قرع الطبول وضجيج ناس غرباء حطوا فيها كأنهم من كوكب آخر، في مشهد لا يتكرر إلا مرة كل عام، وفي مناسبة مميزة ينتظرها الطلبة بشغف تدعى احتفالية تخرج المراحل المنتهية من أقسام الأكاديمية والتي رافقتها هذا العام طقوس وفعاليات فنية طريفة وغريبة من ابتكارات الطلبة خرجت عن المألوف وضمن برنامج احتفالي كبير استمر لساعات طويلة.

«الشرق الأوسط» كانت حاضرة بين صفوف المحتفلين، تلتقط وتسجل صورا لأغرب وأطرف الفقرات الاحتفالية التي تنوعت بين مهرجانات الأزياء التنكرية والشعبية المتقنة والمفعمة بالجمال والألوان وتقليد الأزياء العربية والكردية والهندية والغربية وأفلام الكابوي، وأجمل زفة عرس حقيقية، وتقمص حركات وأشكال أهم الشخصيات الكارتونية والفنية والسينمائية الشهيرة، إضافة إلى تقديم لوحات استعراضية وفنية كوميدية.

وتشهد الجامعات والمعاهد في بغداد خلال أبريل (نيسان) من كل عام العديد من حفلات التخرج التي يشارك فيها الطلبة والطالبات وذووهم في مقر الجامعة أو في قاعات ونواد مناسبة، وتنظيم فقرات من ابتكار الطلبة أنفسهم يغلب عليها طابع الغرابة والطرافة معا، بحرية تكاد تكون مفرطة ومبالغا فيها بالقياس مع الأعوام الماضية.

وعلى الرغم من التهديدات التي عاشها الشباب العراقي في الآونة الأخيرة عبر استهدافهم من قبل جماعات مسلحة ومتشددة بدعوى تقليدهم لظاهرة «الإيمو»، التي انتشرت في بغداد وبعض محافظات الوسط والجنوب، فإن الشباب ظلوا متمسكين بطقوسهم الاحتفالية وعاداتهم في اختيار الملابس وتسريحات الشعر التي وجدوها وسيلة للتعبير عن رفضهم لسياسة تكبيل وتقييد حريتهم كما يقول الطالب أمجد العمري من قسم السمعية والمرئية في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، وهو يؤكد أن «أهم صفة في احتفالية هذا العام أنها جاءت عفوية وتعبر عن رغبة الطالب وطريقته في الاحتفال واختياره أزياء مميزة أضفت الكثير من الطرافة على برنامج الحفل».

وأضاف العمري أن «مهرجان هذا العام يتمتع أيضا بمساحة مناسبة من الحرية والأمان الذي لمسناه بعد سنوات من الخوف والعنف التي عاشها العراقيون عموما والطلبة خصوصا، الأمر الذي أثر على حفلات التخرج وطقوسها التي صارت تقتصر على تنظيم حفل صغير تغلب عليه الحيطة والحذر من احتمال خرقه أو إلغائه بسبب تهديدات الجماعات المتشددة».

وقال زميله الطالب معتز عاتي، الذي بدا بزيه العربي مرتديا الدشداشة والعقال، لـ«الشرق الأوسط»: «أحببت هذا الزي لكونه ينتمي إلى أصول قريتي في جنوب الناصرية، وقد أهدوني هذه الملابس كي أرتديها في حفل التخرج وألتقط الصور مع الزملاء».

أما الطالب سرمد سهيل من قسم المسرح فقد اختار تقليد أزياء الهنود الحمر مع صباغة وجهه بالألوان المميزة هو وعدد من زملائه، وقال عن سبب اختياره هذه الأزياء: «أحببنا أن نمارس حريتنا هذا اليوم بالكامل، وعمادة الجامعة لم تضع أي شروط على ملبسنا وطريقة احتفالنا وهذا هو سر فرحتنا، لكنها فرحة تشوبها الأحزان والقلق لأننا سنفارق جدران الجامعة التي عشنا فيها أربع سنوات وسنمضي في محنة البحث عن وظيفة مناسبة لتأمين المستقبل المجهول حتى الآن».

الطالبات رغد وأسيل وهدى وتبارك وسمر إحسان فضلن ارتداء الأزياء المصرية ممثلة في الطرحة والعباءة والجلابية الزاهية والخلخال وبقية إكسسوارات الزي المعروفة مما أضفى جوا بهيجا على فعاليات الحفل وكن منشغلات بالتقاط الصور مع بقية زملائهن.

أحد الطلبة، رفض ذكر اسمه، كان يقلد شخصية العروس، بكل تفاصيلها وبدا ملاحقا من قبل شباب الجامعة كي يتمكنوا من زفافه على طالب آخر، لكنه وضع خمارا على وجهه ولما سألته «الشرق الأوسط» عن سبب ذلك قال: «ما زلنا نخاف الوشاية بنا ولا نريد أن يضربوا رؤوسنا بـ(البلوكة)»، في إشارة إلى ظاهرة استهداف الشباب بحجة ظاهرة «الإيمو».

واختار الطالب مصطفى خالد زي المتسولين من ذوي الإعاقة ويدفع كرسيه زميله طه رعد الذي بدا بملابس رثة حاملا معه القناني الفارغة، في إشارة إلى مهنة جامعي علب العصير من الفقراء والمتسولين، وعن زيه قال: «اخترت هذا الزي كي ألفت انتباه الجهات المعنية حول أهمية إيجاد حلول مناسبة لظاهرة زيادة أعداد المتسولين في بغداد». في حين علق زميله «ربما يكون مصيرنا جمع العلب الفارغة من الطرقات لأننا سنبقى بالتأكيد بلا وظائف مناسبة».

وعن رأيه في مظاهر الاحتفال قال طالب الدراسات العليا في الأكاديمية الأستاذ علي المطيري لـ«الشرق الأوسط»: «إن الاحتفالية هي أحد تقاليد الكلية، منذ سبعينات القرن المنصرم، ولو أنها تغيرت هذا العام، وهي تحمل طابعا مبهجا أكثر بسبب انتماء معظم الطلبة لأقسام فنية ومسرحية وتشكيلية، أي أن ما يقدمونه ضمن اختصاص دراستهم وتوجهاتهم».

وأضاف «فوجئت اليوم بأشكالهم الطريفة وأزيائهم التي زادت الحفل بهجة وغرابة شارك بها الجميع في طقس جميل نحرص على ديمومته كل عام».