الطوارق يعلنون «دولة أزواد» في شمال مالي.. والمجتمع الدولي يرفض الاعتراف بهم

ماليون يطالبون بالسلاح للدفاع عن المناطق الشمالية.. و«دول الميدان» تجتمع الأحد لبحث الوضع

صورة وزعت أمس تظهر امرأة تنتظر على متن دراجة نارية أمام محطة للتزود بالوقود في باماكو (إ.ب.أ)
TT

أعلن المتمردون الطوارق أمس «استقلال أزواد» في شمال مالي، في خطوة رفضت على الفور من قبل غالبية مكونات المجتمع الدولي، وعززت الالتباس في منطقة تهيمن عليها مجموعات إسلامية مسلحة ومجرمون وهي على شفير «كارثة إنسانية». وقالت «الحركة الوطنية لتحرير أزواد» في بيان إنها قررت «باسم الشعب الأزوادي الحر»، «بشكل لا رجعة فيه إعلان استقلال دولة أزواد». وأكدت الحركة في بيانها «اعترافنا بحدود دول الجوار واحترامها» و«الانخراط الكامل في ميثاق الأمم المتحدة». كما تعهدت «بالعمل على توفير الأمن والشروع في بناء مؤسسات تتوج بدستور ديمقراطي لدولة أزواد المستقلة»، داعية المجتمع الدولي إلى «الاعتراف بأزواد دولة مستقلة دون تأخير». وأكدت الحركة في «بيان استقلال أزواد» أن لجنتها التنفيذية «ستستمر في تسيير شؤون أزواد حتى يتم تعيين سلطة وطنية أزوادية».

من جهته، أكد المتحدث باسم الحركة في فرنسا موسى آغ طاهر أن الحركة تريد احترام «الحدود مع الدول المجاورة» في الصحراء أي الجزائر وموريتانيا والنيجر. وأوضح آغ طاهر «أنهينا للتو معركة مهمة جدا هي معركة التحرير»، قبل أن يدين «القوى الإرهابية التي انتهزت فرصة هذا الوضع».

في غضون ذلك، أدان المئات من الشباب الماليين، «الفظائع» التي اقترفها المتمردون في شمال البلاد، وطالبوا بالسلاح لمحاربتهم. ونددت «حركة الشباب من أجل إنقاذ شمال مالي» في بيان تلي أمس خلال تجمع عقدته عدة جمعيات في باماكو بأعمال النهب وتخريب المنشآت الاجتماعية، و«انتهاك حقوق الإنسان الأساسية»، كما حدث في كيدال وغاو وتمبكتو. وقالت حركة الشباب إن «سكان المناطق الثلاث باتوا رهائن لدى مجموعات من الهمج الذين ليس لهم لا دين ولا يعترفون بقانون». وقال عبد الملك سانغاري زعيم إحدى الجمعيات التي نظمت التجمع «إنهم يغتصبون أمهاتنا وأخواتنا ويسرقون ممتلكات الناس. نطالب بالسلاح فنحن مستعدون للتطوع في شمال مالي لاستعادة أراضينا». وعبر العديد من الشباب عن هذا المطلب من خلال لافتات كتب عليها «مالي واحدة، ولا تتجزأ» و«مساعدة مالي تعني مساعدة أفريقيا» و«سكان شمال مالي لهم الحق في المساعدة الطبية والغذائية».

وتهاطلت أمس المواقف الدولية الرافضة لإعلان استقلال أزواد. فقد رفض الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي وفرنسا القوة المستعمرة السابقة إعلان استقلال أزواد. وقال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي جان بينغ في بيان إنه «يدين بحزم هذا الإعلان الباطل والذي لا قيمة له» وإنه «يدعو الأسرة الدولية إلى الدعم الكامل لهذا الموقف المبدئي لأفريقيا». وشدد بينغ على «مبدأ عدم المساس بالحدود التي ورثتها الدول الأفريقية عند حصولها على الاستقلال»، كما شدد على «حرص الاتحاد الأفريقي الشديد على الوحدة الوطنية ووحدة وسلامة أراضي مالي». ومنطقة أزواد الشاسعة تمتد على مساحة تعادل مساحتي فرنسا وبلجيكا مجتمعتين، وتعد مهد الطوارق، وهي تقع شمال نهر النيجر وتشمل ثلاث مناطق إدارية هي كيدال وتمبكتو وغاو.

وبعد أسبوع من الانقلاب العسكري الذي أطاح في باماكو الرئيس أمادو توماني توري، سقطت المناطق الثلاث بأيدي الحركة الوطنية لتحرير أزواد وحركة أنصار الدين اللتين يعتقد أنهما تتلقيان مساندة من عناصر من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ومجموعات أخرى. وقد تقدم الإسلاميون ومجموعات إجرامية على متمردي حركة تحرير أزواد، كما ذكر شهود، مما يحد من فاعلية إعلان استقلال المتمردين الطوارق الذين لم يتمكنوا من إحكام السيطرة على «أرضهم». وأكد القائد العسكري لجماعة أنصار الدين الإسلامية في بيان أمس أنه يخوض حربا «ضد الاستقلال» و«من أجل الإسلام». وقال عمر حاماها في بيان أن «حربنا جهاد وحرب شرعية باسم الإسلام. نحن ضد حركات التمرد وضد الاستقلالات. نحن ضد كل الثورات التي ليست باسم الإسلام. جئنا لنطبق شعائر الإسلام».

من جهته صرح أحمد أويحيى رئيس حكومة الجزائر الجارة الشمالية والقوة العسكرية الإقليمية لصحيفة «لوموند» الفرنسية أمس أن الجزائر «لن تقبل أبدا بالمساس بوحدة وسلامة أراضي مالي». وحذر أويحيى من أن أي تدخل أجنبي لن يؤدي سوى إلى «انزلاق» الوضع. وأشار إلى أن «الوضع (في مالي) مقلق جدا. فهو بؤرة توتر على حدودنا» مذكرا بأن الجزائر تتقاسم «نحو ألف كيلومتر» من الحدود مع مالي. وأكد رئيس الوزراء الجزائري الذي سبق أن لعب دور الوسيط في أزمة الطوارق أن الجزائر «تدعم الحل عبر الحوار ولن تقبل أبدا بالمساس بوحدة وسلامة أراضي مالي».

ولاحقا أعلنت الخارجية الجزائرية أن الجزائر والنيجر وموريتانيا ستعقد اجتماعا في نواكشوط (غدا) الأحد بغياب مالي العضو في مجموعة «دول الميدان» لدراسة الوضع المتأزم في مالي. وقالت الخارجية الجزائرية في بيان نشرته وكالة الأنباء الجزائرية «سيتوجه الوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والأفريقية عبد القادر مساهل إلى نواكشوط على رأس وفد جزائري للمشاركة في اجتماع مع وزراء خارجية موريتانيا والنيجر». ولم يشر البيان إلى ممثل مالي أحد أعضاء دول الميدان الأربع وهي الجزائر ومالي والنيجر وموريتانيا، التي تعقد اجتماعات كل ستة أشهر آخرها كان في نواكشوط في يناير (كانون الثاني) الماضي. وأوضحت الخارجية الجزائرية أن اجتماع نواكشوط «سيبحث الوضع في المنطقة على ضوء التطورات التي تشهدها مالي».

وكانت الحكومة الجزائرية دعت غداة الانقلاب في مالي إلى عودة «فورية» إلى الشرعية الدستورية في مالي، وجددت تمسكها بالوحدة الوطنية والوحدة الترابية لهذا البلد. وأنشئت القيادة العسكرية الموحدة لهيئات أركان جيوش دول الساحل ومقرها تمنراست بجنوب الجزائر في 2010 وهي تضم الجزائر ومالي والنيجر وموريتانيا. وتجتمع كل ستة أشهر لتنسيق محاربة التهريب العابر للحدود والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. ومنذ نحو سنة أصبح للقيادة مركز موحد للمخابرات ومقره الجزائر العاصمة. وقال أويحيى إن الجزائر تشن حربا بلا هوادة ضد الإرهاب الذي «لا يعرف حدودا ولا جنسية منذ 1994». من جهة أخرى، أكدت وزارة الخارجية الجزائرية أن القنصل الجزائري في غاو وستة أعضاء في القنصلية اختطفوا الخميس بعد أن هاجمت مجموعة مسلحة القنصلية. وذكرت مصادر مطلعة من جنوب الجزائر، أن زوجة أحد المختطفين من قنصلية الجزائر بغاو، غادرت مساء أمس في طريقها إلى الجزائر. وأوضحت أن أسرتها كانت بانتظارها بمطار بوفاريك العسكري جنوبي العاصمة. وتفيد المصادر أن زوجها يعمل مستشارا للقنصل المختطف بوعلام سايس، يسمى الطاهر تواتي بن بوديسة، 32 سنة، وهو ينحدر من الجلفة (300 كلم جنوب العاصمة). ولا يعرف إن كانت زوجة المستشار القنصلي، تعرضت للخطف مع بقية العاملين الستة بالقنصلية.

من جهة أخرى، قال آغ طاهر لمحطة التلفزيون «بي إف إم تي في» إنهم أعلنوا «انتهاء العمليات العسكرية لتلبية مطلب الأسرة الدولية». وكانت الحركة الوطنية لتحرير أزواد أعلنت مساء أول من أمس، انتهاء «عملياتها العسكرية». وأضاف آغ طاهر «حاليا وبالنسبة للمتطرفين، نعرف أن الحركة الوطنية لتحرير أزواد لديها مهمة شاقة تتمثل في الضمان الكامل للأمن في مناطق غاو وتمبكتو وكيدال»، ملمحا إلى أن حركته العلمانية يمكن أن تقوم بعمليات عسكرية ضد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحلفائه من الطوارق. وأكدت الحركة الوطنية في إعلانها «الانضمام التام إلى ميثاق الأمم المتحدة» و«الالتزام الصريح لحركة تحرير أزواد بتوفير ظروف سلام دائم واختيار الأسس المؤسسية للدولة القائمة على دستور ديمقراطي لأزواد مستقلة».

بدورهم، أعد رؤساء أركان دول المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا الذين اجتمعوا أول من أمس في أبيدجان «تفويضا» لتشكيل قوة يمكن إرسالها إلى مالي التي تواجه أزمة حادة، سيطرح على رؤساء دول المنطقة للموافقة عليه. كما حذرت منظمة العفو الدولية من أن المنطقة على «شفير كارثة إنسانية كبرى»، مشيرة خصوصا إلى خطف فتيات فيها. وبدورها، دعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى استئناف المساعدة الإنسانية في الشمال بسرعة خصوصا لعشرات الآلاف من النازحين بسبب المعارك. أما منظمتا «أوكسفام» و«ورلد فيجن» فعبرتا عن قلقهما من انعكاسات الحظر الكامل الذي فرضته غرب أفريقيا بعد الانقلاب والذي يهدد الأمن الغذائي لملايين الأشخاص. ودعت الجبهة المعادية للانقلابيين في مالي التي تضم أحزابا سياسية ومنظمات، الأمم المتحدة إلى تدخل عاجل «لتجنب كارثة إنسانية في غاو».