الهند منقسمة حول أبرز مرشح لرئاسة حكومتها

رئيس حكومة غوجارات رفع اقتصادها عاليا وهو متهم بالتورط في مذبحة وأميركا حائرة إزاء التعامل معه

نارندرا مودي
TT

يتم تداول اسمه كمرشح محتمل لرئاسة وزراء الهند، لكنه منبوذ في أكثر الدول الغربية. وبينما يتطلع إليه البعض في الهند كمثل أعلى وقدوة وأكفأ زعيم هندي، يتهمه البعض الآخر بالتورط في عملية قتل جماعي للمسلمين. وربما يعد انقسام الآراء حول السياسي نارندرا مودي، الذي يمكن لصعوده أن يساعد في دفع الاقتصاد، هو الأكبر، لكن ربما يؤدي في الوقت ذاته إلى انقسام البلاد على أساس ديني لكونه هندوسيا، مما يقوض الهوية العلمانية المنشودة لأكبر دولة ديمقراطية في العالم وأحد حلفاء الولايات المتحدة الاستراتيجيين على حد قول المنتقدين. يتزلف كبار رجال الأعمال إلى مودي، رئيس وزراء ولاية غوجارات، نظرا لسعيه إلى اجتثاث الفساد وتعزيز التنمية الاقتصادية والصناعية. وجذبت الولاية التي يتولى رئاستها والتي شهدت نموا سريعا الاستثمارات من مختلف أنحاء الهند وكذلك أميركا مثل «فورد» و«جنرال موتورز». ومع ذلك لم يحصل على تأشيرة دخول للولايات المتحدة على خلفية مزاعم بفشله في الحيلولة دون وقوع مذبحة راح ضحيتها ما بين 1000 إلى 2000 مسلم خلال أعمال شغب اندلعت في ولايته عام 2002، بل وربما بتشجيعه على تلك المذبحة.

ويمثل بزوغ نجمه توق قطاع محدد من الطبقة الوسطى إلى قائد حاسم قوي أملا في تحقيق نجاح اقتصادي مماثل لما حققته الصين وإن صاحبه عدم تقبل للأفكار الليبرالية الخاصة بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية. وقال رون سومرز، رئيس المجلس التجاري الأميركي - الهندي، إن مودي جعل من ولايته مغناطيسا يجذب الاستثمارات. وأثنى تقرير اللجنة البحثية التابعة للكونغرس على غوجارات باعتبارها «أفضل نموذج لكفاءة الحكم والتنمية». وطالما كانت الولاية جاذبة للمشروعات الرائدة، لكن مودي ساعد على اكتشاف قدراتها منذ أن تولى المنصب نهاية عام 2001. حيث تجاوز النمو الاقتصادي 10% مقارنة بمتوسط النمو على مستوى الدولة والذي لم يصل إلى 8%. وقال مودي، السياسي البارز في حزب بهاراتيا جاناتا المعارض في مقابلة نادرة الشهر الماضي: «لقد قطعنا عهدا لكل من يرغب في الاستثمار في غوجارات بتوفير مناخ يحفز على العمل وليس به قدر كبير من الروتين الحكومي».

كان الحزب مواليا لرجال الأعمال والولايات المتحدة إلى حد كبير خلال الفترة التي ترأس فيها الحكومة الائتلافية منذ عام 1998 إلى 2004. لكن أبعد تصريحه الواضح بأن هوية البلاد هندوسية بالأساس الكثيرين في هذا البلد الذي يتسم بالتنوع بتعداد سكانه الذي يبلغ 1.2 مليار نسمة.

ينام مودي، الذي ليس له سوى قلة من الأصدقاء المقربين، 3 ساعات ونصف الساعة فقط في اليوم ويقر بأنه مدمن على العمل وليس لديه وقت لقراءة الكتب هذه الأيام ولم يعد يقوم بأي من أنشطته التي كان يقوم بها في الماضي باستثناء اليوغا التي يمارسها في الصباح. يرتبط موظفوه بقيود ومواعيد محددة، حتى الوزراء يلتزمون بمواعيد الحضور والانصراف ويطلبون الإذن عند مغادرتهم مكاتبهم لعقد اجتماعات فيما يمثل طريقا مختلفا تماما للعمل في الهند. وربما لا يكون مودي فاسدا بحسب منتقدين، لكن لا يزال رجال الأعمال يمولون الحزب مقابل الحصول على امتيازات ومصالح شخصية. ويشكو البعض من اهتمام الولاية بتعزيز الصناعة أكثر من اهتمامها برعاية السكان. ومع ذلك تم تمهيد طرق كل قرية في غوجارات وإمدادها بالكهرباء والمياه. وتشهد الزراعة نموا سريعا بفضل الاستثمارات في الري. وجعله سجله في مجال هذه الإنجازات وسمعته بإنجاز المهام واحدا من أهم الشخصيات المرشحة لشغل منصب رئيس الوزراء خلال الانتخابات المقررة عام 2014.

كما أوضح استطلاع للرأي أجرته مجلة «إنديا توداي» في يناير (كانون الثاني) تقدمه على راؤول غاندي، المرشح القوي للمنصب. وحظي مودي على 24% من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع وهو ضعف النسبة التي حصل عليها العام الماضي، بينما حصل راؤول، ابن سونيا غاندي، رئيسة حزب المؤتمر الحاكم، على 17%. ومن المتوقع أن يثير فوز مودي بمنصب رئيس الوزراء شعورا بعدم الراحة لدى الولايات المتحدة، حيث رفضت منحه تأشيرة دخول للبلاد عام 2005 على خلفية مزاعم بتورطه في أعمال الشغب واستمرت في نقدها لتصريحاته عن تقديم المسؤولين عن المذبحة للعدالة. ولا تسمح الولايات المتحدة لسفيرها بمقابلة مودي وتبقي على تمثيلها الدبلوماسي الضعيف، حيث لا يوجد سوى قنصل عام في مومباي. وترفض الحكومة البريطانية التعامل معه كليا.

وعلى الجانب الآخر لا تشعر بلدان أخرى بالانزعاج من مودي، ففي الوقت الذي لا تهتم فيه واشنطن بوجود علاقات بينه وبين كندا واليابان، انتبهت إلى الترحاب والحفاوة التي استقبل بها مودي عند زيارته للصين في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وتشير محادثات خاصة مع دبلوماسيين غربيين إلى وجود رغبة عامة لإعادة تأهيل مودي تحسبا لتمكنه من شغل منصب رئيس الوزراء. ونشر موقع «ويكيليكس» رسالة من السفارة الأميركية تعود إلى عام 2006 جاء بها: «نعتقد أن تحاشي مودي تماما سيضعف نفوذنا إلى حد كبير». وأضافت أنه ربما ينظر لتأجيل التواصل مع مودي إلى حين وصوله للمنصب، كموقف انتهازي. ولن يتبدد شبح شغب عام 2002 سريعا على عكس ما يشتهي كبار رجال الأعمال. وبدأت الاضطرابات باحتراق 59 هندوسيا، وهم أحياء في قطار بعد شجار مع مسلمين في محطة غودهرا. واتهم مودي بعدم اتخاذ اللازم لوضع حد لما أعقب الشجار من أعمال شغب على أفضل تقدير، وإصدار تعليمات للشرطة بعدم التدخل والسماح للهندوس بالانتقام من مسلمي غوجارات على أسوأ تقدير. وقتل ما بين 1000 إلى 2000 مسلم في الأيام التالية لتلك الواقعة بوحشية، في حين لم تحرك الشرطة ساكنا، بل شاركت في تأجيج أعمال العنف في بعض الأحيان. ومنذ ذلك الحين يتم عرقلة محاولات معاقبة الجناة بحسب منظمة «هيومان رايتس ووتش». ويرى مؤيدوه أن الوقت قد حان من أجل تجاوز هذا الأمر، في حين يقول معارضوه إن التخطيط الذي شاب تلك الواقعة يجعل من هذا الأمر مستحيلا.

يحاول مودي اليوم تحسين صورته ربما في إطار سعيه للمنصب، لكن لا يبدو عليه أي شعور بتأنيب الضمير، حيث لا يزعجه انتقاد من سماهم ببعض «جماعات المصالح الشخصية». وقال: «لم أرتكب أي خطأ وملتزم بالقضية الإنسانية». وبدأ العام الحالي سلسلة من «الصيام» اليومي في أنحاء الولاية، ويجلس خلال هذه الجولات في وضع تأمل على منصة، بينما يقضي الأتباع وبينهم رجال أعمال مسلمون ساعات يتغنون فيها بفضائله باسم التعاطف والتراحم. وقال: إنه أراد تذكير الناس ليس فقط بإنجازاته، بل أيضا بعدم اندلاع أعمال عنف كبيرة بين المسلمين والهندوس منذ عام 2002. وقال: «أريد أن أقول للعالم أجمع أن يحاولوا فهم وتقدير ما حققناه من تقدم وتنمية، والأهم من ذلك إدراك أن القوة الحقيقية في ولاية غوجارات هي السلام والتناغم والوحدة». يبدو الكثيرون في المراكز التجارية في مدينة أحمد آباد، التي تعد كبرى مدن الولاية، مقتنعين بأن مودي يصلح لمنصب رئيس الوزراء. وقال كالكيت شاودهاري، وهو معلم تحت التدريب، 23 عاما: «أيا كان ما حدث من أعمال شغب عام 2002. كان صحيحا. إذا قتل الهندوس في القطار، لم لا يقتل المسلمون؟ ولا ينبغي أن نحمل مودي المسؤولية حتى يظهر دليل قاطع بتحريضه على أعمال الشغب».

الوضع مختلف في عشوائيات سيتيزين نيغار، حيث يقيم آلاف ممن تم تهجيرهم بسبب أعمال الشغب بجانب مقالب القمامة. ولا يستطيع مسلمون في غوجارات الحصول على قروض مصرفية ولا يحظون بفرصة في التعليم أو الوظائف الحكومية بحسب علماء اجتماع. ورفضت الحكومة تزويد سكان سيتيزين نيغار بالاحتياجات الأساسية. وقال أفرو بانو، 62 عاما، والذي شاهد ابنه متفحما ومقتل 5 من أفراد أسرته بينهم 3 أطفال عام 2002: «لم يقدم لنا الكثير، إنه دمرنا ولم يحمنا، فهو مثل الثعبان أو العقرب. أتمنى أن يغادر الولاية على خلفية فضيحة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»