البوسنة المنقسمة تحيي ذكرى الحرب.. والصرب تجاهلوها

سكان يأسفون لاستمرار النزاعات ويعتبرون السلام المكسب الوحيد

بوسنية تواسي مواطنتها أمام 11541 كرسيا وضعت لترمز بعددها لقتلى حصار سراييفو، في سراييفو أمس (رويترز)
TT

أحيت البوسنة، أمس، الذكرى العشرين لانطلاق الحرب التي شهدتها قبل عشرين عاما، حيث تعيش مجموعاتها الثلاث حاليا بسلام من دون تجاوز الانقسامات التي طبعت نزاعا بات مرادفا لأسوأ الفظائع التي شهدتها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. كما تتزامن الذكرى مع اعتراف المجموعة الأوروبية باستقلال الجمهورية اليوغوسلافية السابقة التي رفضها الصرب وكذلك مع بدء حصار سراييفو وهو الأطول في تاريخ الحروب المعاصرة.

وأسفرت الحرب بين الصرب والمسلمين والكرواتيين عن مقتل نحو 100 ألف شخص، بينما أدى القصف العشوائي لسراييفو طوال النزاع إلى مقتل عشرة آلاف شخص من بينهم مئات الأطفال. وإحياء لذكرى هؤلاء، أقيم حفل موسيقي بجادة تيتو الرئيسية في وسط المدينة أمام 11541 كرسيا أحمر فارغا صفت على طول 800 متر، كرمز لقتلى الحصار.

وغنت جوقة بمرافقة أوركسترا سيمفونية صغيرة «لماذا لست هنا؟» في مطلع الحفل الذي استغرق ساعة. وقالت مبرورة ليبريتش، المحللة الاقتصادية التي فقدت شقيقها في الحصار، باكية: «كل هؤلاء، انظروا إلى كل هؤلاء القتلى، شاهدوا هذا النهر من الدماء».

ووضعت مقاعد أصغر حجما رمزا للأطفال القتلى، وزعت عليها الألعاب أو دفاتر المدرسة والزهور. وقالت السيدة المتقاعدة عزيمة حجوفيتش «أتخيل على هذه الكراسي كل القتلى وقلبي يعتصر عندما أفكر في عائلاتهم وفي فظاعة الحصار».

على طول الجادة، وضعت شاشات عملاقة عرضت عليها أسماء القتلى بالترتيب الأبجدي. وقال صائغ الفضة فؤاد نوفاليا الذي يعمل في وسط المدينة التاريخي متذكرا «لن أنسى قط القصف المتواصل، القناصة المتوارين، والناس الذين ماتوا وقوفا في صف للتزود بالمياه والخبز».

لكن الصرب المقيمين بجمهورية الصرب (جمهوريتهم التي تتمتع بحكم ذاتي) تجاهلوا الذكرى الرسمية أمس. وعبر بوسنيون عن أسفهم لاستمرار النزاعات السياسية في البوسنة بعد مرور 20 عاما على الحرب. وأعرب فؤاد نوفاليا عن أسفه لغرق بلاده الدائم في نزاعات السياسيين وأزمة اقتصادية بلا نهاية. وقال: «لدينا السلام، وهذا هو التطور الوحيد».

وشهدت نهاية هذه الحرب مذبحة مروعة في سريبرينيتسا (شرق)، حيث قتل نحو ثمانية آلاف مسلم في يوليو (تموز) 1995 على أيدي القوات الصربية في مجزرة اعتبرها القضاء الدولي جريمة إبادة. وبعد ذلك بأربعة أشهر، وضعت اتفاقات دايتون (الولايات المتحدة) التي تم التوصل إليها تحت ضغوط دولية مكثفة - حدا للنزاع. لكنها رسخت انقسام البوسنة إلى كيانين، صربي وكرواتي - مسلم، يتمتع كل منهما بدرجة كبيرة من الحكم الذاتي وتوحدهما مؤسسات مركزية ضعيفة.

وتعرقل النزاعات المتواصلة بين سياسيي المجموعات الثلاث أي تقدم في البلاد التي تطمح إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يوما ما. وتعد البوسنة اليوم متأخرة كثيرا عن بقية جمهوريات يوغوسلافيا السابقة على الطريق الطويل لعضوية الاتحاد الأوروبي. ولم تتقدم البوسنة بعد لعضوية الاتحاد. ويتعين عليها أولا تعديل دستورها الذي يعود إلى فترة اتفاقية دايتون بما يتماشى مع قرار للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان يصف نظامها الصارم لتوزيع حصص السلطة على أساس عرقي بأنه تمييزي. لكن الصرب يرفضون أي خطوة نحو توسيع السلطة المركزية معتبرين البوسنة تكوينا مصطنعا فرضته عليهم القوى الخارجية.

كما تعتبر البوسنة حاليا من أكثر دول أوروبا فقرا، حيث يصل معدل البطالة إلى أكثر من 40 في المائة من 3.8 مليون نسمة، يعيش ربعهم تحت حد الفقر وفقا للأمم المتحدة. وقال الحارس في موقف سيارات منيب كوفاشفيتش البالغ 53 عاما «لا يهمني من يرأس الجمهورية وما ديانته إن كنت قادرا على كسب قوتي بوسيلة لائقة».

واليوم، فإن معظم المسؤولين عن هذه الحرب إما في السجن أو أمام القضاء الدولي الذي يحاكمهم على جرائم حرب أو وافتهم المنية. وقد اعتقل الزعيمان السياسي والعسكري لصرب البوسنة خلال الحرب رادوفان كارادجيتش وراتكو ملاديتش المتهمان بجرائم إبادة بعد سنوات من التخفي، وأحيلا إلى محكمة الجزاء الدولية لجرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة.