وفاة أحمد بن بلة أول رئيس للجزائر المستقلة

قال لـ «الشرق الأوسط» قبل عام: أحوال البلاد لا تعجبني

أحمد بن بلة
TT

توفي أمس بالجزائر أحمد بن بلة، أول رئيس للجزائر المستقلة، عن 96 عاما. وقالت كبرى بناته في اتصال مع «الشرق الأوسط»: «نعم توفي السيد الرئيس اليوم (أمس) بين عائلته وفي بيته»، الذي يقع بأعالي العاصمة. وكان بن بلة دخل في غيبوبة منذ شهر إثر وعكة صحية حادة ألمت به.

وسافر بن بلة مطلع العام الحالي إلى فرنسا للعلاج، وعاد بعد فترة قصيرة إلى الجزائر حيث دخل في فترة نقاهة. ولكن سرعان ما تدهورت صحته من جديد، ونقل مرتين إلى المستشفى العسكري بالعاصمة حيث قضى نحو شهر. ونصح الأطباء أفراد أسرة الرئيس الأسبق بنقله إلى البيت لأن حالته الصحية كانت قد بلغت مرحلة الموت الإكلينيكي، لذلك ترقب الجزائريون وفاته في كل لحظة.

والتقت «الشرق الأوسط» أحمد بن بلة ببيته قبل نحو عام، وبدا خلال حديث دام ساعة قلقا على أوضاع البلاد. وقال تحديدا: «قلت للرئيس عبد العزيز بوتفليقة أنت بمثابة أخي الصغير، ونصحته بأن يحسن أوضاع البلاد وقلت له: إن حال الجزائريين لا تعجبني أبدا».

ولد بن بلة بمدينة مغنية القريبة من الحدود المغربية في 25 ديسمبر (كانون الأول) 1916. وكان يقول دائما بأنه مغربي الأصل والنشأة. درس في تلمسان بالغرب الجزائري وبها أدى الخدمة العسكرية. ويقول من عرفوا الرجل عن قرب إن المجازر التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في 8 مايو (أيار) 1945 أثرت فيه كثيرا ودفعته إلى الالتحاق بـ«حزب الشعب الجزائري» الذي كان يزخر بالكوادر المتشبعة بالفكر الثوري التحرري. وشارك بن بلة في العملية المسلحة الشهيرة المعروفة باسم «الهجوم على بريد وهران» عام 1949 التي حضر لها أبرز مفجري ثورة التحرير لاحقا.

وألقي القبض على بن بلة بالجزائر العاصمة عام 1950 وحكم عليه بالسجن مدة 7 سنوات. وهرب من السجن عام 1952 وسافر إلى القاهرة، حيث انضم إلى فريق من السياسيين الذين مهدوا للثورة وأسس معهم «وزارة خارجية في المهجر» تابعة لـ«جبهة التحرير الوطني». وألقت السلطات الاستعمارية القبض عليه مجددا في 1956 عندما كان متنقلا بالطائرة من المغرب إلى تونس، رفقة قادة بارزين هم الرئيس الراحل محمد بوضياف، ورجل الثورة حسين أيت أحمد، ومصطفى الأشرف. ونقل إلى السجن بفرنسا، حيث بقي حتى استقلت الجزائر في 5 يوليو (تموز) 1962. وعاد إلى الجزائر بعد الاستقلال مع بقية القادة المسجونين.

وانتخب بن بلة رئيسا للجمهورية الجزائرية المستقلة في 15 ديسمبر 1965. وبعد أقل من 3 سنوات تعرض لانقلاب عسكري قاده وزير دفاعه هواري بومدين، الذي سمى الانقلاب بـ«التصحيح الثوري»، تعبيرا عن اتهام بن بلة بـ«الانحراف عن مشروع ومبادئ الثورة». وكان الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة عضو «مجلس الثورة» آنذاك أحد أبرز مهندسي عملية الانقلاب.

ووضع بومدين، بن بلة في الإقامة الجبرية حتى عام 1980، أي بعد عامين من وفاة بومدين. وحاول الرئيس المصري جمال عبد الناصر مرات كثيرة إقناع بومدين بالإفراج عنه خلال عقد الستينات من القرن الماضي، دون جدوى.

وقال بن بلة عن جمال عبد الناصر بعد وفاته: «أنا وفي لفكر جمال عبد الناصر لأنني أعتبره رجلا عظيما ساهم في دعم الثورة الجزائرية أكثر من أي شخص آخر في الوطن العربي».

وسافر بن بلة إلى فرنسا حيث أنشأ حزبا معارضا في عقد الثمانينات من القرن الماضي سماه «الحركة الديمقراطية بالجزائر». وعاد إلى البلاد في أواخر 1990. وعرف في تلك الأثناء بدعمه الرئيس العراقي صدام حسين الذي قابله في عز حرب الخليج الثانية. وعاش بن بلة مدافعا عن «عروبة الجزائر»، وترجم ذلك بالاستعانة بآلاف المدرسين العرب من مصر وسوريا والعراق، حضروا إلى الجزائر للدفع بسياسة التعريب ومحو آثار «فرنسة الجزائر». ولقي معارضة شديدة من طرف النخبة الفرانكفونية المتنفذة ومن أقرب رجال الثورة إليه. وكان مولعا بالفكر الاشتراكي اليساري، ولشدة تأثره به كان يظهر بلباس الزعيم الصيني ماو تسي تونغ. وجلب له ذلك خصومة شديدة من طرف التيار الديني ممثلا في زعيمه آنذاك الشيخ البشير الإبراهيمي، رئيس «جمعية العلماء المسلمين الجزائريين»، الذي أعاب عليه «تنكره لدور الإسلام في تحرير الجزائر».

وعرف عن بن بلة كثرة تنقله بين الجزائر وفرنسا وسويسرا في السنوات الأخيرة. ويشاع أنه لم يكن يتردد في طلب مقابلة الرئيس بوتفليقة ليلومه على كل شيء لا يعجبه.