أفول نجم في السياسة الصينية بعد جريمة طالت ضحية بريطانية

الحزب الشيوعي يفصل بشكل نهائي بو تشيلاي.. وتوقيف زوجته بشبهة القتل

بو تشيلاي (أ.ب)
TT

تم تجريد بو شيلاي، المسؤول البارز بالحزب الشيوعي الصيني الذي كان يتوقع أن يشغل أحد المناصب القيادية البارزة في البلاد خلال المرحلة المقبلة، من بقية المناصب التي كان يشغلها في الحزب، بشكل غير رسمي الثلاثاء، كما تم اعتقال زوجته للاشتباه في تورطها في قتل أحد رجال الأعمال البريطانيين إثر خلاف تجاري.

وفي ظل العالم السري لسياسية النخبة الحاكمة في الصين، كان سقوط بو في غضون شهرين فقط أمرا مذهلا للغاية. واعتبارا من ليلة الثلاثاء الماضي، أصبح بو – وهو سليل إحدى الأسر الثورية في الصين – قيد التحقيق في «انتهاكات جسيمة»، وفقا لبرقية رسمية مقتضبة.

وتستعد الصين خلال فصل الخريف لانتقال السلطة، التي تتم مرة واحدة كل عقد من الزمان، إلى رئيس جديد ورئيس وزراء جديد وأعضاء جدد في سبعة من المقاعد التسعة في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي بالحزب الشيوعي، ولكن الجدل الذي يحيط ببو كانت له تداعيات خطيرة على عملية انتقال السلطة التي تتم بعناية شديدة، وأدى إلى انتشار التقارير التي تشير إلى وجود انشقاقات في صفوف القيادة.

وحتى قبل اندلاع تلك الفضيحة، كان يتم النظر إلى بو من قبل كثيرين على أنه قوة مدمرة في الحزب الذي دائما ما يقدر التوافق الشعبي. وقد أثارت حملته التي تحمل اسم «النهضة الحمراء» – بما في ذلك الغناء الجماعي للأناشيد الثورية – المخاوف من العودة إلى الثورة الثقافية، كما أن الإجراءات الصارمة التي اتخذها بشكل علني ضد الجريمة قد تم النظر إليها على أنها إجراءات وحشية. ومن دون أي شكل من أشكال الخجل، ضرب بو المثل بمدينته الصغيرة وقال إنها «نموذج» جديد للتنمية الاشتراكية، مع التركيز على الرفاهية الاجتماعية، وهو تحد مباشر للقوى «الإصلاحية» في الحزب، بزعامة رئيس الوزراء المنتهية صلاحيته وين جياباو، التي تدعو إلى مزيد من التحرر الاقتصادي على النمط الغربي.

ومن جهته، تحدى جياباو، بشكل مباشر، بو، في أحد المؤتمرات الصحافية الشهر الماضي، مؤكدا على أن الانفتاح الاقتصادي يجب أن يستمر، وإلا فستواجه الصين خطر العودة إلى الاضطراب الذي كانت تعاني منه البلاد في الستينات والسبعينات من القرن الماضي.

وعلى مدى أسابيع، كانت الخيوط المتباينة لقضية بو الضبابية تتكشف من خلال الشائعات التي تُنشر على شبكة الإنترنت ومن خلال ما تنشره وسائل الإعلام الخارجية، إلا أنه تم نشر مقالين بعد تمام الساعة الحادية عشرة من مساء الثلاثاء على وكالة «شينخوا» الصينية الرسمية، التي بدأت تزيح الستار وتكشف الغموض المحيط بتلك القضية، لتعلن عن الرواية الرسمية لما حدث في مدينة تشونغتشينغ بجنوب غربي البلاد، التي كان بو يعمل بها حتى وقت قصير كرئيس للحزب الشيوعي.

بدأت متاعب بو تظهر على السطح اعتبارا من 6 فبراير (شباط)، عندما دخل قائد الشرطة السابق وساعده الأيمن في وقت من الأوقات وانغ ليجون، القنصلية الأميركية في مدينة تشنغدو وقدم بعض الادعاءات، حسب ما نشرته «شينخوا»، بشأن مقتل رجل الأعمال البريطاني نيل هيوود الذي عثر على جثته في إحدى الغرف الفندقية بمدينة تشونغتشينغ في 15 نوفمبر (تشرين الثاني)، وأعلنت الشرطة في بداية الأمر أنه توفي نتيجة تناوله الكحوليات بشكل مفرط، ولكن تم حرق الجثة قبل تشريحها. وأعلنت وكالة «شينخوا» أن وانغ قد أخبر بعض الدبلوماسيين الأميركيين بأن هيوود قد قتل.

وبعدما قضى يوما كاملا داخل القنصلية الأميركية، خرج وانغ واصطحبه مسؤولون في الأمن القومي إلى العاصمة بكين وخضع هناك للتحقيق. وبناء على ادعاءاته، قامت الشرطة بإعادة فتح ملف مقتل هيوود، ووجدت أن هذا الأخير قد دخل في معاملات مالية مع زوجة بو، بو غو كايلاي، وأنه كان على علاقة وثيقة بنجل بو، بو غوغوا. وكشفت التحقيقات عن أن زوجة بو ونجله «كانا على علاقة جيدة بهيوود، ولكن كان هناك صراع على المصالح الاقتصادية التي كانت قد زادت بشكل كبير»، حسب ما أعلنت عنه «شينخوا». وقالت تحقيقات الشرطة: «بعد إعادة التحقيق، أصبحت هناك أدلة تثبت أن هيوود قد قتل». ووجد المحققون أن زوجة بو، وتشانغ شياو، الذي تم تعريفه بأنه «منظم» منزل بو، يعدان الآن «مشتبها فيهما إلى درجة كبيرة في ارتكاب الجريمة». وبالفعل، اعتقلت الزوجة، وتشانغ «بشبهة القتل العمد».

منذ فصل بو من قيادة الحزب الشيوعي في مدينة تشونغتشينغ، الشهر الماضي، انتشرت عدة تكهنات حول مكان وجوده، ويعتقد أنه وضع تحت الحراسة في بكين. وكان المقال الذي نشرته «شينخوا» الثلاثاء قد قال إنه تم فصل بو من المكتب السياسي للحزب الشيوعي الذي يضم 25 عضوا ومن اللجنة المركزية للحزب، ولكنه لم يدلِ بأية تفاصيل حول وجود اتهامات محددة ضده، ولكن تشينغ لي، وهو خبير في السياسيات الصينية في معهد بروكينغز في واشنطن، قال: «من المحتمل بشدة» أن يواجه اتهامات جنائية.

وقال جين تشونغ، وهو مراقب للصين في هونغ كونغ منذ فترة طويلة ورئيس تحرير مجلة «أوبن»، إن هذه الادعاءات ضد زوجة بو تعكس أول سقوط لقيادي بارز في جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد. وأضاف: «لقد تجاوز هذا أي شيء يمكن أن أتخيله. إنها ليست مجرد قضية سياسية، ولكنها تنطوي علي جريمة نكراء وخطيرة».

ولكن ما يميز هذه القضية عن غيرها من قضايا التطهير السابقة هو السمعة والصيت الذائع لبو، حيث إنه نجل بو يبوه، أحد الحلفاء الثوريين لماو تسي تونغ (كما أن زوجته هي ابنة غو جينغ شينغ، وهو ثائر أيضا وكان يشغل منصب رئيس الحزب في شينغيانغ).

ومن مدينة تشونغتشينغ، كان بو قد كون قاعدة كبيرة من الأنصار فيما يسمى بـ«اليساريين الجدد» في الصين، وهو السبب الذي جعل كبار القادة يقررون التحرك بحذر وخطوة بخطوة. وفي تعليق رسمي على ما يحدث بدأت صحيفة «الشعب» اليومية أمس، وضع أساس منطقي لعملية التطهير، حيث قالت: «إن حالة نيل هيوود هي قضية جنائية خطيرة تنطوي على بعض أفراد العائلة والموظفين العاملين لأحد زعماء الحزب والبلاد. إن سلوك زوجة بو ينتهك قواعد الحزب بشدة، وقد أضر بالحزب وبالبلاد على حد سواء، وألحق أضرارا بالغة بصورة الحزب والبلاد». وأضاف التعليق: «لا يسمح الحزب لأي عضو بارز بأن يكون فوق القانون».

ويرى البعض أن الحزب قد قرر الإعلان عن التحقيقات مع زوجة بو في محاولة لتقويض التأييد الشعبي لبو والحد من وجود أي رد فعل عنيف، وتجنب حدوث أي صدامات في الصفوف العليا للحزب. ويرى البعض الآخر أن تلك القضية قد أظهرت أن الحزب متماسك ومتحد بالفعل، وأن تجاوزات بو - والتجاوزات المفترضة لزوجته - كانت شديدة بالدرجة التي جعلت الحزب يتخلص من بو بسرعة، ويعمل على انتقال السلطة بالشكل الصحيح. وقال تشينغ لي، وهو خبير في معهد بروكينغز: «أعتقد أن هذا دليل على وجود حالة من الاتحاد بين قادة الحزب. لقد عقدوا العزم على وضع قضية بو تشيلاي خلف ظهورهم».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»