تصاعد حدة التوتر في سوريا والهدنة تبدو بعيدة المنال

أنان يصر على أن الاتفاقية لا تزال قابلة للتطبيق بينما خطته دخلت مرحلة الإنعاش

صورة من موقع شام لمتظاهرين سوريين ضد نظام الأسد في بلدة كارناز بحماة أمس (أ.ف.ب)
TT

يبدو أن خطة السلام في سوريا التي تم التوصل إليها برعاية الأمم المتحدة، قد دخلت مرحلة الإنعاش، حيث تتجاهل سوريا تنفيذ الخطوة المبدئية الخاصة بعودة قوات الأمن إلى ثكناتها، في الوقت الذي يسافر فيه كبار المسؤولين حول العالم للتجهيز لوقف إطلاق نار غير محتمل الحدوث، والذي من المقرر أن يبدأ الخميس.

يصر مهندس خطة وقف إطلاق النار كوفي أنان، الممثل الخاص للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، على أن الاتفاقية لا تزال قابلة للتطبيق، وقال في مؤتمر صحافي عقد في تركيا: «أعتقد أنه من السابق لأوانه أن نقول إن الخطة قد فشلت».

وفي رسالة مطولة وجهها إلى مجلس الأمن، بدا أنان أكثر تشاؤما، حيث ألقى باللوم على الحكومة السورية في عدم إحراز تقدم.

ويثير فشل وقف إطلاق النار المقرر له يوم الخميس بعض الأسئلة غير المريحة حول الخيارات المتبقية أمام المجتمع الدولي لوقف هذا الصراع الذي يتواصل منذ ثلاثة عشر شهرا والذي أدى إلى مقتل 9.000 شخص، حسب تقديرات الأمم المتحدة.

لا توجد رغبة كبيرة في التدخل العسكري الخارجي في سوريا - تلك الدولة الاستراتيجية التي تمزقها الانقسامات الطائفية التي يتجاوز صداها الحدود السورية. وقد فشلت كافة النداءات المتكررة لوقف العنف الدائر هناك حتى الآن، في الوقت الذي تواجه فيه روسيا، التي تعتبر بمثابة الراعي لسوريا، الضغوط بسبب مطالبتها بأن يكون السلام وفقا للشروط السورية.

وقالت سوزان رايس، مندوبة الولايات المتحدة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة، التي تترأس بلادها مجلس الأمن في هذا الشهر، للمراسلين في الأمم المتحدة، إن دول مجلس الأمن الخمسة عشر قد ساندت دعوة أنان الخاصة بضرورة احترام كلا الطرفين في سوريا لاتفاقية وقف إطلاق النار التي تلوح في الأفق، مع بعض المسؤوليات المحددة التي يتعين على دمشق القيام بها.

قال إنان في خطابه إنه بات واضحا خلال الأيام الخمسة الماضية أن الحكومة السورية لم تصدر أوامر إلى جيشها بالانسحاب من المدن والبلدات الرئيسية، كما تنص الخطة.

يؤكد أنان في خطابه أنه على الرغم من ذكر الحكومة السورية لعدد قليل من الأماكن التي انسحبت منها قواتها، «تشير التقارير الموثوق بها إلى قيام القوات المسلحة السورية بتنفيذ بعض العمليات العسكرية في التجمعات السكانية خلال نفس الفترة، وذلك عن طريق تحركات القوات العسكرية في المدن مدعومة بنيران المدفعية».

كتب أنان قائلا إن الشروط الجديدة المفاجئة التي طرحتها الحكومة السورية يوم الأحد الماضي، بما في ذلك الحصول على ضمانات لالتزام المعارضة السورية وحلفائها الإقليميين بالاتفاق، قد تؤدي إلى تقويض خطة السلام.

يؤكد خطاب أنان وتصريحات كبار المسؤولين في واشنطن وباريس ولندن، كافة ما يقوله النشطاء السوريون داخل البلاد حول عدم وجود أي تغيير في الوضع العسكري على الأرض.

لا تزال الشوارع في بعض ضواحي دمشق المحاصرة، مثل دوما، مليئة بالجنود والدبابات التي تحيط بالمدن، بينما يقول أحد سكان حلب، الذي تم الوصول إليه عبر التليفون، إن الاعتداءات واسعة النطاق التي تقوم بها قوات الجيش على عدد من القرى الواقعة شمال المدينة - لا تزال مستمرة بلا هوادة.

وفي اتصال هاتفي عبر «سكايب»، قال وليد الفارس، ناشط من حي الخالدية في حمص: «لا أعلم إن كنت تستطيع سماع صوت التفجيرات والقذائف في الخلفية بينما أتحدث إليك الآن، هل تسمع ذلك؟ لا تزال الدبابات موجودة في أماكنها، وقد التقطنا بعض الصور التي تظهر أن الجيش لا يزال موجودا في الشوارع. لم يتغير أي شيء، لا يزال القذف مستمرا ولا تزال هناك دبابات وقناصة».

كما أكدت بعض الجماعات النشطة مقتل العشرات في سوريا، في الوقت الذي أشارت فيه إلى أن قوات المعارضة للرئيس بشار الأسد لا تزال موجودة في أماكنها. يؤكد المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره بريطانيا مقتل 19 جنديا في بعض الهجمات، بينما تؤكد وسائل الإعلام الحكومية السورية أنه قد تم دفن 33 فردا من القوات المسلحة.

يقول النشطاء إن منظمات المعارضة الرئيسية، وهي المجلس الوطني السوري والجيش السوري الحر، قد التزما بوقف إطلاق النار، ولكن لا يزال من غير الواضح بعد ما إن كانت تلك المنظمات تبسط سيطرتها على التحالف الفضفاض من المسلحين المحتشدين ضد الحكومة أم لا.

هذا في حين وصف المجلس السوري الحر الشروط الجديدة التي طالبت بها دمشق بأنها «غير مقبولة وغير واقعية»، بينما صرحت بسمة القضماني، عضو اللجنة التنفيذية في المجلس الوطني السوري، للمراسلين في جنيف، بأن حكومة الأسد «تعتزم تكثيف الهجمات بدلا من البدء بالامتثال لقرار وقف إطلاق النار».

وحتى روسيا قد أشارت إلى دمشق ببعض السخط، حيث قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر صحافي مشترك بموسكو مع نظيره السوري وليد المعلم: «من الممكن أن تكون خطواتهم أكثر فعالية وحزما».

ومن جانبه، أكد المعلم أن حكومته تلتزم اتفاقية السلام، ويبدو أنها ستخفف من مطالبها بضرورة تقديم المعارضة السورية وحلفائها الإقليميين لضمانات كتابية بنزع سلاح المعارضة.

وأشار إلى أن السوريين يتوقعون أن يقوم أنان شخصيا بتقديم تلك الضمانات، مطالبا بنشر المراقبين الدوليين بحلول يوم الخميس فور دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.

يشير خطاب أنان إلى أن المحادثات مع دمشق حول هذا المسألة قد توقفت.

بدا أن لافروف نقل التصريحات السورية دون التيقن من مصداقيتها، فأكد أن المسؤولين السوريين أخبروه أن القوات الحكومية انسحبت من بعض مناطق حمص على الرغم من استمرار سماع دوي الانفجارات بوضوح في خلفية المحادثات الهاتفية التي تجرى إلى المدينة.

ووجه الوزير الروسي انتقادات إلى المعارضة قائلا «لا يمكننا تجاهل الحقائق الواضحة بأن مقترحات كوفي أنان لم تلق قبولا من البعض، إن لم يكن من غالبية فصائل المعارضة بما في ذلك المجلس الوطني السوري».

وفي رده على الولايات المتحدة التي انتقدت روسيا والصين لإعاقتهما اتخاذ قرار أكثر قوة تجاه سوريا في مجلس الأمن، قال لافروف: «ينبغي للولايات المتحدة والدول الأخرى التي ترتبط بعلاقات مباشرة مع المعارضة السورية، ألا تسارع بإلقاء اللوم على روسيا والصين، بل أن تستخدم نفوذها في إجبار الجماعة على وقف إطلاق النار على بعضهم البعض»، بحسب ما نقلته وكالة «إنترفاكس» الروسية.

من جانبها، قالت إدارة أوباما إن سلوك الحكومة السورية يعكس ما وصفته بتاريخ من الوعود الكاذبة. وصرح جاي كارني، المتحدث باسم البيت الأبيض، للصحافيين إنه بدلا من أن يسحب الأسد قواته «شهدنا أدلة كثيرة على أعمال وحشية واعتداءات ضد مدنيين أبرياء».

وفي تركيا، طالب السيناتور جون ماكين، خلال زيارته مخيمات اللاجئين السوريين في منطقة هاتاي التركية بصحبة السيناتور جوزيف ليبرمان، المجتمع الدولي بتسليح المعارضة ضد قوات الأسد والمساعدة في إنشاء مناطق آمنة داخل سوريا يمكنهم الحصول فيها على تدريب عسكري.

وقد كانت المناطق الحدودية التي يقيم بها اللاجئون قد شهدت توترا بعد حادثة يوم الاثنين التي قتل خلالها لاجئان وجرح خلالها 23 شخصا.

وقال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، الذي يزور الصين حاليا، إن إطلاق النار على اللاجئين يمثل انتهاكا واضحا للحدود، وطلب من وزير خارجيته العودة للتعامل مع الأمر.

* شارك في كتابة التقرير نيل ماكفاركوهار من بيروت، وريك غلادستون من نيويورك، وسيبنام آرسو من أنقرة، وآلان كويل من لندن، وهالة الدروبي من بيروت، وإلين باري من موسكو، ومراسل «نيويورك تايمز» في دمشق.

* خدمة «نيويورك تايمز»