السودان يتهم الجنوب بمهاجمة منطقة هجليج النفطية.. ويؤكد احتفاظه بحق الرد

مون يجري اتصالا مع سلفا كير حول التطورات ويصل جوبا غدا.. والاتحاد الأفريقي يدعو الجنوب للانسحاب

TT

أعلن السودان، أمس، أنه سيحشد الجيش ويوقف المحادثات مع جنوب السودان بعد أن تأججت اشتباكات حدودية على نحو أثار خطر تجدد حرب شاملة. ودخل جنوب السودان في نزاع مرير مع الخرطوم بشأن مدفوعات نفطية وقضايا أخرى، بينما تصاعدت اشتباكات وقعت الشهر الماضي في المنطقة الحدودية التي لم يتم ترسيمها بدقة.

واتهم جنوب السودان على الفور السودان بقصف قرية على جانبه من الحدود البالغ طولها 1800 كيلومتر، حيث اندلع القتال منذ نحو أسبوعين.

وقال الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع في تصريحات صحافية إن الجيش قادر على الحفاظ على الاستقرار والسيطرة على الوضع.

ولم يتسن التحقق من تصريحات الجانبين لأن دخول مناطق الصراع شبه محظور على وسائل الإعلام الأجنبية. وعلى الصعيد الدبلوماسي قالت «وكالة السودان للأنباء» إن السودان سيوقف كل المحادثات التي يرعاها الاتحاد الأفريقي مع جوبا ويسحب فريقه التفاوضي من أديس أبابا فورا.

كما اتهم السودان جنوب السودان بمهاجمة منطقة هجليج المتنازع عليها. ومنطقة هجليج هي منطقة حيوية لاقتصاد السودان لأن بها حقلا نفطيا ينتج نحو نصف إنتاج السودان اليومي من النفط الذي يصل إلى 115 ألف برميل يوميا.

وقالت وزارة الإعلام السودانية في بيان إن مناطق في ولاية جنوب كردفان، وبخاصة منطقة هجليج، تعرضت أول من أمس لهجوم «وحشي» من جانب الجيش الشعبي لتحرير السودان بدعم من دولة جنوب السودان وباستخدام قوات مرتزقة وجماعات متمردة. ومضى البيان قائلا إن الحكومة السودانية تعلن أنها ستتصدى لهذا التصرف «العدائي» بكل الطرق والوسائل المشروعة.

من جهة أخرى، يصل بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، غدا، الجمعة، إلى جوبا في إطار أكبر تحرك دولي لوقف الحرب الوشيكة بين دولتي السودان وجنوب السودان، بعد أن أحكمت الأخيرة سيطرتها على بلدة هجليج النفطية واعتبرتها جزءا من أراضيها. وأكدت أنها تقدمت بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم الخرطوم بأنها قصفت مواقع داخل أراضيها، في وقت أكد رئيسها سلفا كير ميارديت في اجتماع طارئ لمجلس الوزراء، أمس، أن بلاده هي في حالة دفاع عن أراضيها ولن تنجر إلى أي حرب شاملة كما تفعل الحكومة السودانية.

من جهته، دعا برلمانا السودان وجنوب السودان السكان في كل من البلدين إلى الاستعداد لحرب جديدة بينما تستمر المعارك منذ يومين على طول الحدود المشتركة بينهما في منطقة نفطية متنازع عليها.

ففي الخرطوم، قرر المجلس الوطني السوداني (البرلمان)، أمس، وقف التفاوض مع جنوب السودان وسحب وفد الخرطوم المفاوض فورا من أديس أبابا. وقرر البرلمان السوداني أيضا «إعلان التعبئة العامة لمجابهة الوضع الأمني الراهن».

وفي جوبا، أكد جيمس واني إيقا، رئيس برلمان جنوب السودان، أن على شعب جنوب السودان الاستعداد من أجل الدفاع عن نفسه إذا ما سعى السودان «فعلا إلى الحرب»، داعيا النواب، أمس، إلى تعبئة السكان في هذا البلد الجديد.

وقال إيقا إن «الخرطوم يمكن أن تسعى إلى حرب حقيقية، وإذا لم تدافعوا عن أنفسكم، سيتم القضاء عليكم، لذلك يتعين عليكم تعبئة الشعب ميدانيا ليكون على أهبة الاستعداد».

وتستمر المعارك حاليا على الحدود بين السودان ودولة الجنوب التي تواصل اتهام الشمال بشن عمليات قصف جوي.

وتقدم السودان رسميا بشكوى للأمين العام للأمم المتحدة بشأن اعتداءات الجيش الشعبي على منطقة هجليج، حيث أعلن ذلك السفير رحمة الله محمد عثمان، وكيل وزارة الخارجية السودانية.

وقال عثمان في المؤتمر الصحافي الذي عقده، أمس، في مقر وزارة الخارجية السودانية، إن اعتداءات الجيش الشعبي على منطقة هجليج تمثل اعتداء سافرا على الأراضي السودانية، مبينا أن هذا الاعتداء يعد خرقا واضحا للأعراف والمواثيق الدولية. وأضاف: «من حق السودان الرد على هذه الاعتداءات والقانون الدولي يمنحنا ذلك».

وقال إن منطقة هجليج ليست من المناطق الحدودية الـ5 المتنازع عليها مع دولة الجنوب، مشيرا إلى قرار محكمة التحكيم الدولية بتبعية المنطقة للسودان، مبينا أن السودان تقدم أيضا بشكوى للاتحاد الأفريقي حول هذه الاعتداءات باعتبار أن الاتحاد الأفريقي يشرف على المفاوضات بين البلدين بأديس أبابا من خلال ثامبو مبيكي رئيس اللجنة رفيعة المستوى التابعة للاتحاد الأفريقي.

وقال إن البلدين كانا قد توصلا إلى نسبة 80 في المائة في ما يتعلق بقضايا الحدود. وأضاف: «لكن ما جرى يعد نسقا للاتفاقيات بين البلدين». وقال عثمان: «في هذا الجو لن تكون هناك مفاوضات مع دولة الجنوب».

على صعيد آخر، أعلنت القوات المسلحة عن معارك قالت إنها ما زالت مستمرة مع قوات الجيش الشعبي التابعة لحكومة دولة الجنوب على حدود السودان الجنوبية باتجاه مدينة هجليج. وأكد العقيد الصوارمي، خالد سعد، المتحدث الرسمي للقوات المسلحة السودانية في بيان، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، أن قوات تتبع لدولة جنوب السودان قامت باعتداءات على حدود السودان الجنوبية باتجاه مدينة هجليج. وأشار البيان إلى تحرك المعتدين من عناصر الجيش الشعبي والمرتزقة من داخل دولة جنوب السودان يتقدمهم الحقد وسوء النية والرغبة المتجذرة في تواصل الحرب.

وأكد نائب مدير الاستخبارات العسكرية في جنوب السودان، ماك بول، أن جيش جنوب السودان اتخذ مواقع في حقل هجليج النفطي الذي يطالب به البلدان وانتزعته الخرطوم من جوبا، أول من أمس. وقال لوكالة الصحافة الفرنسية من بنتيو عاصمة ولاية الوحدة الحدودية الغنية بالنفط في جنوب السودان، إن «الجيش الشعبي لتحرير السودان اتخذ مواقعه في هجليج وعمليات القصف مستمرة».

من جهة أخرى، نفى متمردون سودانيون، أمس، مساندتهم لجيش جنوب السودان في الهجوم على منطقة هجليج. وقال أرنو أنتوقلو لودي، المتحدث باسم متمردي الحركة الشعبية شمال السودان: «ليس لدينا دخل بهذا نهائيا».

واتهم السودان متمردي حركة العدل والمساواة في دارفور بالقتال إلى جانب قوات جنوب السودان على الحدود بين البلدين. إلا أن جبريل آدم بلال، المتحدث باسم حركة العدل والمساواة، قال: «هذا قتال بين السودان وجنوب السودان». وأضاف بلال: «لسنا طرفا في هذا النزاع رغم أن قواتنا لديها وجود في جنوب كردفان». وينفي جنوب السودان مساندته المجموعات المتمردة في السودان.

من جانبه، قال الدكتور برنابا مريال بنجامين، وزير الإعلام في جنوب السودان، لـ«الشرق الأوسط» إن كي مون أجرى اتصالا هاتفيا مع رئيس دولة الجنوب، سلفا كير ميارديت، أمس، للاطلاع على ما يجري في بلدة هجليج، مشيرا إلى أن مون أكد أنه سيصل إلى جوبا، غدا، الجمعة، للوقوف على التطورات بين الدولتين. وتوقع أن يصل في ذات اليوم ثابو مبيكي، رئيس الآلية الرفيعة للاتحاد الأفريقي، باعتباره هو الذي يقود الوساطة بين دولتي السودان، نافيا أن يكون الأمين العام للمنظمة الدولية قد طلب من بلاده سحب قواتها من هجليج. وأضاف أن سلفا كير أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة بأن الخرطوم ظلت تستهدف جنوب السودان بعد اتفاقية السلام، وأنها قامت باحتلال منطقة أبيي الغنية بالنفط، وأن القوات السودانية هاجمت جنوب السودان جوا وبرا وبأعداد كبيرة من القوات والميليشيات، وأن الجيش الشعبي تصدى للهجوم ورد المهاجمين. وأضاف: «لقد طلب سلفا كير من بان كي مون أن يعمل على أن توقف الخرطوم اعتداءاتها على بلادنا، وأن جوبا ما زالت تعتبر أن الحوار هو السبيل الوحيد لحل كل المشكلات بين البلدين».

إلى ذلك، أعرب الاتحاد الأفريقي، أمس، عن «قلقه العميق» من «تصعيد» المعارك بين السودان ودولة الجنوب، ودعا جوبا إلى الانسحاب «فورا» من منطقة هجليج الحدودية الغنية بالنفط، التي يطالب بها البلدان. وأعرب الاتحاد الأفريقي في بيان «عن قلقه العميق لتصعيد النزاع المسلح على الحدود بين السودان ودولة الجنوب ودعا الطرفين إلى ضبط النفس واحترام وحدة أراضي الدولة الأخرى».

وأشار الاتحاد بشكل خاص إلى «قلقه العميق من احتلال القوات المسلحة لجمهورية جنوب السودان لهجليج»، داعيا إلى «الانسحاب منها فورا ومن دون شروط». ويسعى الاتحاد الأفريقي إلى وساطة لتهدئة العلاقات المتوترة بين جوبا والخرطوم منذ استقلال الجنوب في يوليو (تموز)، وذكر أن الطرفين وقعا اتفاق عدم اعتداء في فبراير (شباط) الماضي.

ودعا الاتحاد الأفريقي كل من الدولتين إلى «سحب أي قوة عسكرية موجودة على أراضي الدولة الأخرى» وإلى «وقف الغارات الجوية» ووقف «إيواء ودعم القوات المتمردة في الدولة الأخرى».