«مشاكل مصر كتيرة.. في الشارع في الصحة والتعليم.. بس على قد ما فيه مشاكل فيه مبدعين وحلالين»، هكذا كتب محمد البحراوي، مؤسس موقع «مشاكل وحلول مصر» على صدر موقعه الذي خصصه ليدون عليه المصريون ما يرونه في بلادهم من مشكلات ويطرحون لها الحلول. فكرة البحراوي قد لا تعكس مجرد واقع مليء بالمشكلات بقدر ما هي مرآة لما فجرته الثورة من طاقات وحلول لهذه المشكلات أبدعها الشباب، لكنها قابلت تجاهلا مستمرا من قبل حكومات الثورة المتلاحقة، إلا أن عزيمة الشباب لم تفتر آملين أن يجدوا في هذه الوسيلة الافتراضية منفذا لتطبيق الحلول والتغلب على المشكلات. يقول البحراوي: «يوما ما سيفكر المسؤولون أن يحلوا هذه المشكلات.. لكن يبقى الموقع جاهزا بالمشاكل والحلول المدروسة».
ويرى الكثير من المراقبين أن حكومات الثورة المتعاقبة، رغم ادعاءاتها بتبني أهداف الثورة، فإنها تنصلت منها بأعذار واهية، بعيدا عن إيجاد حلول واقعية لمشكلات المصريين خاصة البسطاء منهم، ويقول الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية: «حكومات ما بعد الثورة الثلاث كلها متشابهة وهي جميعا من اختيار المجلس العسكري الحاكم ولا تستطيع أن تفعل شيئا وجميعها كان يتحرك في حدود ضيقة لا يستطيع أن يتخطاها».
من جانبه يقول البحراوي، الذي يدير شركة برمجيات مصرية: «هناك مشكلات موجودة منذ عقود ولا أحد يهتم، وبعد الثورة جاءت 3 حكومات في نحو عام وواجهت نفس المشكلات لكنها عجزت جميعا عن حلها.. المشكلات لها حلول ولكن الإرادة السياسية تظل هي الفيصل». ويقول مراقبون إن حكومات ما بعد الثورة لم تكن تملك من أمرها شيئا، ولكنها انصاعت لأوامر «الغير»، إلا أن اللحظة الثورية كما يرى علماء السياسة دائما تحتاج إلى أن تقدم للناس حلولا عاجلة تجعلهم يؤمنون بالثورة قبل أن يقدموا لهم وعودا مربوطة بحبال الأمل.
وما إن فرغ شباب الثورة من تنظيف الميدان بعد تنحي مبارك حتى اصطدموا بمطالبات الشارع أو ما يطلق عليه ثورة التوقعات المتزايدة لدى الشارع بعد إسقاط النظام القديم، ويقول البحراوي الذي يحوي موقعه الإلكتروني مئات المشكلات وحلولها كتبها مصريون كما لمسوها بأرض الواقع: «نحن نريد إيصال هذه الحلول إلى المسؤولين وأن ترى طريقها للنور والتنفيذ على أرض الواقع وأن نشعر المواطن بفرق بعد الثورة»، وتابع: «تعاون معنا الدكتور معتز بالله عبد الفتاح، المستشار السياسي لرئيس الوزراء السابق؛ مدير مؤسسة بيت الحكمة البحثية، لعمل أبحاث ودراسات جدوى حول ما نقدمه من حلول لإعدادها بصورة نهائية وتكون متاحة إذا احتاجها المسؤولون».
وظل منصب رئيس الوزراء في مصر خلال سنوات حكم مبارك «أقرب لرئيس موظفي الحكومة منه إلى صانع سياساتها»، وانسحب الأمر إلى ما بعد الثورة مما أعجز حكوماتها. ويشير مراقبون إلى أن هذه الحكومات لم تكن فقط منزوعة الصلاحيات لحل مشكلات البسطاء، بل إنها ابتعدت أيضا عن المشاركة في ترتيبات فواصل سياسية هامة جرت خلال المرحلة الانتقالية وتركتها برمتها للمجلس العسكري الحاكم الذي تولى ترتيب المشهد السياسي بداية من الاستفتاء والإعلان الدستوري في مارس (آذار) من العام مرورا بالانتخابات البرلمانية والترتيبات لوضع الدستور القادم والانتخابات الرئاسية وهي الفواصل الرئيسية التي قد تحدد مستقبل البلاد السياسي إلا أنها جمعيا جرت في غيبة حكومات الثورة الثلاث.
شادية نبوي (55 عاما) تقول: «لم أشعر بالأمن منذ الثورة ولدي ثلاثة أولاد كانوا قبل الثورة عاطلين وبعد الثورة ظلوا كذلك»، وتتابع نبوي، التي كانت تركب إحدى وسائل النقل العام بالقاهرة: «لا توجد حكومة بالبلد حتى اسطوانات الغاز لم تعد متوفرة وأسعارها أصبحت أعلى مما كانت عليه أيام حكومات النظام السابق».
وبينما أبدت شادية سعادتها من ترشح نائب الرئيس لانتخابات الرئاسة أملا في الاستقرار، تحاول قوى سياسية في البلاد خاصة جماعة الإخوان المسلمين الحائزة على الأكثرية البرلمانية، إزاحة حكومة الجنزوري واصفة إياها «بالضعيفة» مطالبة بأن تتولى الأغلبية البرلمانية تشكيل الحكومة، وتخشى بعض أصوات ليبرالية ومدنية من أن يكون فشل حكومات الثورة المتتالية في تقديم حلول لمشكلات المواطنين خاصة البسطاء منهم، سببا في إعادة إنتاج النظام القديم بالطرق الديمقراطية وانتخاب أحد المرشحين للرئاسة ممن ينتمون للنظام السابق على الرغم من تقديم القوى الثورية والإسلامية لمرشحين.
ويقول نافعة: «بِتُ أؤمن أن هناك من خطط وأراد بالفعل دفع بسطاء المصريين عبر افتعال أزمات متلاحقة إلى كره الثورة». وبين آراء الخبراء وترتيبات السياسيين يظل المصريون يبحثون عن طوق نجاة.