ولد بلخير: الحوار مع الغالبية الرئاسية أهم مكسب حققته النخبة السياسية منذ الاستقلال

رئيس البرلمان الموريتاني لـ «الشرق الأوسط» : بقاء «التحالف الشعبي التقدمي» منتظما في منسقية المعارضة ليس مرجعية ولا نموذجا

TT

قال مسعود ولد بلخير، رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي ورئيس البرلمان الموريتاني، إن حزبه ما زال يتمسك بخط معارضة النظام القائم، إلا أنه تخلى عن منسقية المعارضة بحجة أنها لا تمثل المعارضة في المرجعية ولا النموذج.

وأضاف ولد بلخير في حوار مع «الشرق الأوسط» أن النتائج التي تمخضت عن الحوار الذي جمعه مع الغالبية الرئاسية هي أهم مكسب حققته نخبة البلد السياسية منذ الاستقلال، موضحا أن السلطة ماضية في تطبيق البنود المتفق عليها، وفي حالة ما إذا وقع العكس فإن ذلك لا ينفي أهمية النتائج ولا يقلل من شأنها، و«عندئذ سنبين للكل أن النتائج لم تطبق، وأن الحكومة لم تلتزم بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وفي كل الحالات لن أعض على يدي ولن يؤنبني ضميري ولن أتأسف، لأنني على يقين من أن الطريق الذي سلكت صحيح، وأنني سعيت إلى خدمة بلدي وبذلت كل جهد في سبيل أن أجنبه عواصف الفوضى».

وفيما يتعلق بموقفه من «الربيع العربي»، أوضح ولد بلخير أنه لا يخوض السياسة «نيابة عن تلك الشعوب لأنها هي أدرى بحالها. ونحن أدرى بحالنا ولست ضدهم ولا ضد الثورات التي أنشأت في بلدانهم، ولم أدعم سريا أو علنيا الحكام الذين انطلقت الثورات ضدهم، ولم أتواطأ مع أحدهم على أفعاله وتصرفاته، بل تأسفت كثيرا لحجم الخسائر البشرية والمادية ولوضع اللاجئين».

وفي ما يلي نص الحوار:

* أين يتموقع حزب التحالف الشعبي التقدمي الذي تترأسه في المشهد السياسي؛ بعد تخليه عن منسقية المعارضة؟

- موقع الحزب في المشهد السياسي واضح كوضوح الشمس في كبد السماء. نحن حزب معارض وفي اعتقادي أنه لا يوجد في الساحة الوطنية من هو أكثر جدية ولا أصدق منا في المعارضة، غير أنه يمكن للحزب أن يكون معارضا، وليس منتظما في المنسقية، فهي ليست مرجعية ولا نموذجا للمعارضة، وهنا أجدد التأكيد على أننا حزب معارض، لكن معارضتنا لا نتفاخر بها لأنها نابعة عن وعي وإدراك عميق وقراءة متأنية وموضوعية للوضعية التي يعيشها البلد، وذلك من منطلق الواقعية والوطنية والشمولية والخصوصية ومراعاة المصلحة وخدمة المواطنين، هذه هي قناعتنا الراسخة، التي ساقتنا للدخول في الحوار مع الأغلبية الرئاسية. فالحوار هو الطريقة المثلى لحلحلة الأزمات السياسية، وبإمكانكم أنتم كصحافيين أن تسألوا الآخرين عن البديل عندما رفضوا وامتنعوا عن المشاركة فيه، والنتائج التي سيحصلون عليها من تلك البدائل التي يفضلونها على الحوار السياسي.

* لقد وصفت هذا الحوار بأنه أهم مكتسب في المسار الديمقراطي في البلد، بينما وصفته المعارضة بـ«الهزيل»، وأن النظام لن يلتزم بتطبيقه. كيف تنظرون إلى ذلك؟

- إنني على يقين من أن النتائج التي تمخضت عن الحوار الذي جمعنا مع الأغلبية الرئاسية هي أهم مكسب حققته نخبة البلد السياسية منذ الاستقلال، ذلك لأن هذه النتائج تضمنت أهم النقاط التي تقوي ما نحن بحاجة إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى، أي الوحدة الوطنية والتلاحم الاجتماعي، من خلال تجريم العبودية في نص الدستور، والاعتراف بحق الاختلاف والتنوع الثقافي، وهما مسألتان جوهريتان لا غنى عنهما لمن يريد بناء دولة ديمقراطية قوية. فالأولوية فيها هي للوحدة التي تجسد مفهوم المواطنة، الذي يزيل كل مظاهر الظلم والتمييز والعنصرية والتهميش ليفسح المجال أمام تطبيق العدالة والمساواة والتوزيع العادل للثروة الوطنية، كما تضمنت الوثيقة قضايا وأمورا مهمة وأساسية لترقية الديمقراطية، وتجريم الانقلابات، وتشكيل لجنة وطنية مستقلة للانتخابات بصلاحيات واسعة، وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية لصالح الوزير الأول (رئيس الوزراء)، وتعينه من الأغلبية البرلمانية وجوبا، وإصلاح القضاء والمجال المسموع والمرئي، إضافة إلى مكانة ودور الجيش. فهذه المكاسب هي ثمرة جهد واستجابة لمطالب ظلت تشكل إجماع الطبقة السياسية الوطنية، وخلافنا لم يكن سببه نتائج الحوار ولا المحاور والمواضيع المقترحة له أصلا، وإنما سبب الخلاف يعود لمحاولة البعض محاكاة ثورات وقعت في بلدان أخرى، بيد أن السبب الحقيقي والجوهري هو أن مبادرة الحوار جاءت من أناس يصفهم بعض رفضة الحوار بـ«الأراذل»، وهذا هو المأخذ الوحيد على الرئيس محمد ولد عبد العزيز، الذي يرى بعض دعاة الثورة الرافضين للحوار أنه تنازل عن الدولة وتركها للأراذل، فهل الأفضل أن يكون البلد في أيادي الأراذل الذين يسوقونه إلى بر الأمان أو يُعطى للأشراف الذين يسيرون به إلى المجهول؟

الحاصل عندي حتى الآن أن السلطة ماضية في تطبيق البنود المتفق عليها، وفي حالة ما إذا وقع العكس، فإن ذلك لا ينفي أهمية النتائج ولا يقلل من شأنها، وعندئذ سنبين للكل أن النتائج لم تطبق، وأن الحكومة لم تلتزم بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وفي كل الحالات لن أعض على يدي، ولن يؤنبني ضميري، ولن أتأسف، لأنني على يقين من أن الطريق الذي سلكت صحيح، وأني سعيت إلى خدمة بلدي، وبذلت كل جهد في سبيل أن أجنبه عواصف الفوضى والعنف، وسنواصل بالأساليب الديمقراطية السلمية نضالنا ومعارضتنا الجادة لكل ما يهدد أمن واستقرار البلد، ولن يجرنا هذا كله للفتنة والفوضى، فأنا لا أسعى لامتيازات شخصية على حساب الشعب، ولا أبيع مواقفي، ولا أساوم بمصلحة وطني، ولا أستغل عفوية الشعب واندفاعه وتعطشه للعدالة والحرية والمساواة في المقايضة بمقعد مهما كان علوه.

* يرى البعض أنك من أكبر المعارضين لما بات يعرف بـ«الربيع العربي»؛ ألا ترى أن ذلك سباحة ضد التيار، ربما تسبب لك متاعب سياسية؟

- هذا إفك وزور. أنا لا أخوض السياسة نيابة عن تلك الشعوب لأنها هي أدرى بحالها، ونحن أدرى بحالنا، فأنا لست ضدهم ولا ضد الثورات التي قامت في بلدانهم، ولم أدعم سريا أو علنيا الحكام الذين انطلقت الثورات ضدهم، ولم أتواطأ مع أحدهم على أفعاله وتصرفاته، بل تأسفت كثيرا لحجم الخسائر البشرية والمادية ولوضع اللاجئين.

عارضت ثورة المحاكاة التي دعا لها البعض لقناعتي الراسخة بأن بلدنا لا يمكنه تحملها ولا تحمل تبعاتها، أنا مناضل بذلت ما مضى من عمري في النضال من أجل الحرية، من أجل الديمقراطية، التي تضمن المساواة في الحقوق والواجبات لكل أفراد شعبنا أولا، ثم لكل شعوبنا الإسلامية العربية والأفريقية، وكنت ومازلت وسأظل مناضلا مناهضا لكل أشكال وأنواع الظلم والاستبداد، وسأظل دائما بجانب المظلومين والمهمشين والمحرومين والمقصيين، هكذا كنت وما زلت، فكيف بي اليوم أقف ضد مطالبة الشعوب بحقها في الحرية والديمقراطية؟ هذا كلام فارغ غير منطقي وغير معقول. لكنني من دعاة السلم والسلام، وهي الصفة التي طبعت نضالي المرير في رحلتي للبحث عن الحرية، رغم المحاولات المتعددة لدفعي إلى العنف وعصيان الدولة والمجتمع، إلا أنني (وأكررها) لا أرى أن العنف يحل المشكلات بل يزيد في تعقيدها وتعقدها، لذلك رفضت الثورات التي لا هدف لها غير إزاحة حكم وإقامة آخر محله، وهذا في حد ذاته ليس هدفا، فالسلطة وسيلة لا غاية، ويمكن لمن يبحث عنها أن يصل إليها دون إراقة دماء الأبرياء ودون العبث بالممتلكات الخاصة والعامة، فوحدة الشعب واستقراره أغلى عليّ من السلطة، هذه هي الأسباب التي جعلتني أعارض ثورة الفساد التي تؤدي للفتنة وتقسيم الشعب إلى فصائل ومجموعات عرقية وقبلية، وتشجع قيام الدويلات الإثنية والطائفية والآيديولوجية، أما الثورة الواضحة والصحيحة التي لا يمكن أن يبقى أحد بعيدا عنها هي تلك التي تنفجر بطريقة عفوية لإرغام السلطة على القيام بإصلاحات جوهرية من شأنها أن تدفع عجلة النمو الشامل بعدالة ومساواة وتوزيع عادل للثروة الوطنية بعيدا عن تأطير الأحزاب أو الحركات أو الجماعات الطائفية لها، كما يمكن للثورة أن تحدث التغييرات التي يحتاج المجتمع دون اللجوء للفوضى والعبث بممتلكات الأفراد والدولة، وأنا متأكد أن خيار السلم والحوار هو الطريقة الأنضج والأحسن والأرقى والأقرب والأفضل للوصول إلى الهدف الذي هو في النهاية إقامة دولة القانون.

وقد سبق أن قلت علنا في كلمة ألقيتها قبل بداية «الربيع العربي» في دمشق المحتضنة آنذاك لاجتماع البرلمانات العربية إن الشعوب العربية متعطشة للحرية والديمقراطية، وإنها تعاني من الظلم وكبت الحريات، وطالبت بفك القيد ورفع اليد عنها حتى يتسنى لها اختيار من تؤمنه على إدارة شؤونها.

* يعتقد البعض أن تجميد جزء من مناضلي حزبكم عضويته في الحزب، الذي يمتاز عن باقي الأحزاب السياسية الموريتانية بالارتباط الوثيق بين جميع مكوناته، مقدمة لسلسلة المتاعب التي تنتظركم؟

- الميزة التي ذكرتم ما زالت هي سلوك المناضلين في التحالف الشعبي التقدمي، الارتباط والصلة القوية هما السمتان البارزتان لهم، لأن الأهداف والمبادئ التي جمعتهم ما زالت هي هي، ومن الطبيعي أن يخرج فرد أو عدة أفراد عن النهج والطريق، وهذا شيء عادي وبديهي جدا، ولا يسبب متاعب سياسية لي أو للحزب، الذي طرد مجموعات من مختلف مكونات الشعب خلال فترات سابقة نتيجة مخالفاتهم للنظم أو البروتوكولات الموقع عليها من طرف الحزب، فمنذ تأسيسنا للعمل من أجل التغيير ونحن نشهد في بعض الأحيان خروج فرد أو اثنين أو جماعة ولم يترك ذلك أي أثر علينا، بل إن هذه المظاهر تشكل عامل قوة وتحفيزا للمناضلين وتشجعهم على العمل المضاعف، وهؤلاء مثل الذين سبقوهم لا يتجاوز أمرهم كما ذكرت سابقا زوبعة في فنجان.

* كنتم من الأوائل الذين ناهضوا العبودية في موريتانيا ثم ظهرت حركة الانعتاق التي يتزعمها بيرام ولد عبيد لتضاف إلى الجهود المناهضة للعبودية، ما تقييمكم للعبودية في البلد؟ وما القواسم المشتركة مع حركة الانعتاق الجديدة؟

- صحيح أنني ناهضت العبودية في فترات الظلم والاستبداد وانعدام الوعي، حيث الدولة والمجتمع متفقان على نكران القضية وتعمد ممارستها، قارعت الأنظمة الشمولية التي سفهت نضالي ورمتني بالعنصرية والتطرف، بل قيل إنني أهدف إلى التفرقة، وتحملت ذلك وأكثر حتى عمت الفكرة وحظيت بالقبول، وهذا ما شجعني على الاستمرار في النهج والطريقة التي رسمت لنضالي ضد وجود هذه الظاهرة.

العبودية موجودة ممارسة سواء بصفة تقليدية أو عصرية، وهي بالنسبة لي اليوم مثل الأمس لم ولن أتقبل ممارستها تحت أي مبرر وتحت أي غطاء، كما أنني كنت وما زلت مناهضا لها ولكل المخلفات الناجمة عنها كالتهميش والغبن والإقصاء والتمييز والجهل والفقر، وهي ظاهرة مشينة موجودة لدى كل شرائح المجتمع، عربا وزنوجا، وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق.

يجب إنهاء هذه المعضلة، فالقوانين موجودة لكنها معطلة ولم نلمس لتطبيقها أي أثر على أرض الواقع، والسبب في ذلك يعود أساسا لعدم وجود الإرادة السياسية والقضائية الجادة لإنهاء هذه المعاناة، ويبقى التواطؤ البين للإدارة مع الملاك أهم الموانع التي تقف في وجه تطبيق القوانين المجرمة للعبودية، وهنا أوجه نداء ملحا للسلطات بأن تتخذ خطوات سريعة وملموسة لتطبيق القوانين بجدية، وأن تتعامل مع الظاهرة دون اللجوء لأساليب التحايل على الممارسات الواضحة، وذلك من أجل تجنب المشكلات والبلبلة، كما أحث السلطات على اتخاذ إجراءات اقتصادية لمكافحة الفقر في أوساط تجمع العبيد، وبناء المدارس وتوعيتهم من خلال حملة واسعة وشاملة تستهدف شرح القوانين المجرمة للاسترقاق في برامج، وخطب، وحوارات، ونقاشات مباشرة بمشاركة الأئمة والفقهاء والسياسيين والحقوقيين.

نحن نتفق مع كل من يقف ضد الظلم. ولا ظلم أكبر من ظلم العبودية، ونثمن لكلّ دوره الإيجابي في النضال السلمي الذي يوحد الشعب.

* ما وجهة نظرك فيما جرى في البلدين الجارين؛ مالي والسنغال، وما الأثر الذي يمكن أن يتركه تغيير الحكم فيهما على موريتانيا؟

- يهمنا كثيرا استقرار دول الجوار بصفة عامة. وما جرى في الدولتين الشقيقتين السنغال ومالي مختلف تماما. وكان موقفنا واضحا وصريحا وسريعا حيث أصدر الحزب بياناته في الوقت المناسب، رفضنا الانقلاب في مالي وطالبنا بالعودة الفورية للشرعية الدستورية، مثلنا في ذلك مثل كل الدول والمنظمات الأفريقية والدولية والأحزاب الديمقراطية التي لا تقبل بتغيير الحكم إلا عن طريق صناديق الاقتراع. أما ما حدث في السنغال قبل الانتخابات فقد تأسفنا له كثيرا وطلبنا من الأطراف ضبط النفس والاحتكام إلى صناديق الاقتراع في انتخابات شفافة ونزيهة تسمح للسنغاليين باختيار رئيسهم بطريقة ديمقراطية، وقد شكلت هذه الانتخابات نموذجا للقارة الأفريقية، وجنبت الشعب الدخول في أتون حرب، وقد سجلنا ارتياحنا بشأن الجو الديمقراطي الذي طبع تحول السلطة في هذا البلد، ونتمنى أن تحذو كل الدول الأفريقية حذو السنغال، وأن تقف بصرامة ضد تدخل الجيش في السياسة لإحداث التغييرات. وعلى الشعب الموريتاني أن يستوعب الدروس من هذين البلدين المجاورين فالتغييرات غير الدستورية لم تعد مقبولة كوسيلة للوصول إلى السلطة، فالطريق الوحيد لذلك هو الحصول على أصوات الشعب، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. كما أنتهز هذه الفرصة، وإن كانت متأخرة لأنوه وأثمن الموقف الذي صدر عن وزارة الخارجية الموريتانية الرافض لإعلان الدولة الأزوادية في الشمال المالي.