نجاحات معتبرة للنساء في بنغلاديش.. رغم الصعاب

قروض صغيرة تغير حياة القرويات.. وتراجع كبير في معدل وفيات الأمهات والأطفال

نور جاهان ترعى قريبة لها في المستشفى
TT

ترتبط بنغلاديش في أذهان كثيرين بالفقر والكوارث الطبيعية، لكن هذه البلاد حققت على صعيد حقوق النساء ما لم تحققه الكثير من نظيراتها في العالم الإسلامي. فالمرأة البنغلاديشية تشارك في مهام حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وتعمل سفيرة وطبيبة ومهندسة وطيارة. وتتبادل السيدتان القويتان، الشيخة حسينة ومنافستها خالدة ضياء، الأدوار في قيادة البلاد منذ سنوات. أما نسبة المقاعد التي تشغلها النساء في البرلمان فتصل إلى 19.7 في المائة، وهو رقم لا يقل كثيرا عن نسبتهن في مجلس العموم البريطاني (22.3 في المائة).

وتقول وزيرة الخارجية ديبو موني، في مكتبها في دكا: «هذه دولة تنشط فيها النساء في كل مجال». وموني هي ابنة سياسي شهير، تلقت تعليمها في الغرب وحصلت على شهادات في الطب والحقوق، وتدافع منذ سنوات عن حقوق النساء والتقدم الصحي في البلاد.

وقد أدت الجهود التي تبذلها الحكومات المتعاقبة والمنظمات التنموية إلى تطورات كبيرة في حياة النساء في البلاد، من إتاحة الفرصة للحصول على الرعاية الصحية والتعليم الأساسي في المناطق الريفية والحضرية. كما عززت عقود من الإقراض المصغر وصناعة الملابس المتنامية من هذا التقدم عبر تحويل ملايين النساء إلى معيلات لأسرهن.

وتوضح قصة نور جاهان، التي تعيش في سوميشبور، وهي قرية من الصفيح يعيش فيها نحو 1.000 شخص، على بعد أربع ساعات من دكا، الصعوبات التي لا تزال تواجهها النساء في بنغلاديش، وتغير حياة الكثير منهن في الآونة الأخيرة. تخلى زوج نور جاهان عنها وتركها فقيرة معدمة في الميدان الرئيس في سوميشبور عندما كانت حاملا بطفلها الثاني قبل 10 سنوات. عملت جاهان، الممتلئة والمرحة التي تناهز السادسة والعشرين من العمر، فهي لا تملك شهادة ميلاد دقيقة، لسنوات خادمة لتعيل نفسها وطفليها. وفي دولة تصنف كأحد أفقر الدول في العالم، كانت هي الأدنى إلى حد بعيد. ثم قبل سنتين، طرق الحظ بابها أخيرا في صورة مشروع تنموي مخصص للنساء الأرامل أو التي تخلى عنهن أزواجهن للعمل في صيانة الطرق. وساعد المشروع الذي موله الاتحاد الأوروبي وبرنامج التنمية التابع للأمم المتحدة وتم تنفيذه بمساعدة الحكومات المحلية نحو 24.000 سيدة بنغلاديشية مثل جاهان.

عملت النساء على مدى عامين في إزالة الشجيرات وتمهيد الطريق، وكانت كل منهن تتقاضى 1.20 دولار يوميا. لكن المدخرات التي جمعنها سمحت للكثيرات منهن بشراء قطع أراض أو مساكن صغيرة. وتعلمن أيضا كيفية بدء مشاريع صغيرة تسمح لهم بكسب قوتهم.

تعمل جاهان الآن في بيع السماد وتجارة الأسماك الجافة، فيما تبيع أخريات في القرية الخشب والحلوى والأدوات المكتبية مقابل هامش ربح بسيط. وكانت إحداهن فخورة بامتلاك نول يدوي. وعوضا عن العوز، أصبحت هؤلاء النسوة مجرد فقيرات، وأصبح بإمكانهن الحصول على المأكل وإرسال أبنائهن إلى المدارس.

تأمل جاهان في التقدم لمنصب في الحكومة المحلية خلال الأعوام القليلة المقبلة، وتقول بفخر إن الناس يتوافدون إليها من أجل الحصول على مساعدتها. فأقارب جيرانها المرضى يطلبون منها مصاحبتهم إلى المستشفيات المحلية، على الرغم أنهم كانوا في السابق ينظرون إليها بالكاد. وتقول: «عندما أفكر فيما عانيته في السابق، تنتابني رغبة في البكاء. وعندما أرى ما أنا عليه الآن لا أملك سوى الابتسام».

وتشير فردوسي سلطان بيجوم، مسؤولة التنمية المجتمعية في بنك التنمية الآسيوي في دكا إلى أن الكثير من أسس وظائف التنمية قد أرسيت في أعقاب حرب بنغلاديش للاستقلال عن باكستان عام 1971. وتحول ما بدأ كمحاولة لدعم عشرات الآلاف من النساء الأرامل خلال القتال ليشمل مشاريع للحد من الفقر وتمكين النساء. وقالت بيجوم: «لا يزال أمامنا مشوار طويل كي نقطعه، لكننا شهدنا تقدما مطردا، وبشكل خاص خلال العقدين الماضيين»، مشيرة إلى انتشار تعليم الفتيات على نطاق واسع.

وتؤكد الإحصاءات التطور الذي تشهده حياة النساء في بنغلاديش، فقد تراجعت أعداد المواليد من الأمهات المراهقات من 130.5 لكل 1.000 في عام 2000 إلى 78.9 عام 2010. وأضف إلى ذلك تراجع معدل وفيات الأطفال في بنغلاديش إلى 52 في الألف، في حين تبلغ 66 في الألف في الهند و87 في باكستان. وتراجع نمو السكان. وفي أواخر الثمانينات كان متوسط الأطفال لدى الأسرة الواحدة 5.1، بيد أن هذا المتوسط تراجع إلى النصف في عام 2009 إلى 2.3 طفل، في الوقت الذي تصل فيه النسبة في الهند إلى 2.7 طفل للأسرة الواحدة بحسب إحصاءات البنك الدولي.

وبرز التقدم في أسوأ الفترات التي تشهدها بنغلاديش، وإجمالا تصنف بنغلاديش في المرتبة 146 بين 187 دولة على مؤشر يقيس التنمية البشرية التي جمعتها الأمم المتحدة، متفوقة على ميانمار والكثير من الدول الأفريقية، لكنها حلت بعد العراق. ويعيش ثلث سكان بنغلاديش تحت خط الفقر. ويشوب الفساد والروتين والبنية التحتية الضعيفة الحياة اليومية في البلاد. والحصول على المياه النظيفة والكهرباء نادر وأمر بالغ الصعوبة في القرى.

يتمسك السكان بالتقاليد المحافظة، ويعيش نحو 70 في المائة من السكان في المناطق الريفية. وهناك تقارير متكررة عن عنف أسري وعادة ما يرتبط بمطالب المهر. وتدين الكثير من النساء اللاتي حصلن على مناصب قيادية بتميزهن إلى أقاربهن الرجال الأقوياء. لكن في الوقت الذي ترى فيه الكثير من النساء في العالم الإسلامي حقوقهن تقوض، يختلف المشهد في بنغلاديش، فالتطرف ظاهرة هامشية، ولا تواجه مشاريع التنمية النسائية سوى معارضة دينية محدودة.

يشكل المسلمون غالبية السكان، وتحظى الديانة البوذية والهندوسية باحترام، وهناك قبول واسع لفكرة خروج المرأة للعمل. وقد سمح الإقراض المصغر الذي دشن في الثمانينات للكثير من النساء ببدء مشاريع صغيرة، ومؤخرا وجد الملايين من الأفراد العمل في صناعة الملابس التي تمثل ثلاثة أرباع صادرات البلاد.

في مصنع «مصطفى» لصناعة الملابس في مدينة تشيتاغونغ جنوب شرقي البلاد، تعكف المئات من النساء، غالبيتهن في العشرينات وأوائل الثلاثينات من العمر، على ماكينات الحياكة وطاولات القص لصنع السراويل للعملاء في الولايات المتحدة وأوروبا. يعمل بالمصنع 500 شخص (95 في المائة منهم من النساء) يتقاضى كل منهم نحو دولارين يوميا، بحسب كالول ماجو، المدير العام للمصنع. لكن برغم تدني الأجور فإن ذلك يمنحهم القدرة على إعالة أسرهن وتؤكد على حقيقة أن النساء في بنغلاديش ليسوا متلقيات للصدقات الخارجية.

* خدمة «نيويورك تايمز»