هولاند يضع قدما في قصر الإليزيه.. وتعبئة غير مسبوقة اليوم

5 استطلاعات تتوقع فوز المرشح الاشتراكي بالرئاسة الفرنسية وأصوات مرشح الوسط بيضة القبان

TT

عززت استطلاعات رأي أخيرة فرضية تمكن المرشح الاشتراكي لانتخابات الرئاسة الفرنسية المقبلة، فرنسوا هولاند، من إلحاق الهزيمة بمرشح اليمين، نيكولا ساركوزي، لكن في الدورة الثانية من الاستحقاق، وبذلك قد يعود اليسار إلى السلطة بعد أن أبعد عنها طيلة ثلاث ولايات رئاسية (اثنتان مع شيراك والثالثة مع ساركوزي)، ما يعادل 17 عاما.

وإذا صحت هذه التقديرات، فإن هولاند سيكون سادس رئيس للجمهورية الخامسة، وثاني رئيس اشتراكي، بعد فرنسوا ميتران الذي احتل هذا المنصب طيلة 14 عاما (1981 - 1995). وبحسب خمسة استطلاعات للرأي نشرت نتائجها في الساعات الـ48 الماضية، فإن هولاند سيتفوق على ساركوزي في الدورة الأولى التي ستجري الأحد المقبل (من 28 في المائة إلى 30 في المائة لهولاند مقابل 25 في المائة إلى 27 في المائة لساركوزي) ليحقق في الدورة الثانية المقررة في السادس من مايو (أيار) فوزا مريحا بفارق نقاط قد يصل إلى 12 نقطة. وإذا أثبتت نتائج التصويت صحة التوقعات، فإن ساركوزي سيكون فقط ثاني رئيس جمهورية (منذ 54 عاما) يخفق في الفوز بولاية رئاسية ثانية بعد جيسكار ديستان في عام 1981.

غير أن الاستطلاعات مهما تواترت توقعاتها لا تنتج رئيسا. ولذا، فإن كل معسكر يعمد إلى تكثيف جهوده وتعبئة قواه تحضيرا للجولتين الأولى والثانية. واليوم ستشهد العاصمة باريس أضخم مهرجانين انتخابيين لهولاند وساركوزي اللذين سيتقاسمان المدينة بحيث ينتظر أن يزحف عشرات الآلاف من الأنصار عليها بعد الظهر. ويتوقع مراقبون أن تصل التعبئة إلى ذروتها بحيث تفوق أعداد المشاركين 150 ألف شخص عبئت لأجلهم قطارات النقل السريع والقطارات العادية والحافلات والطائرات وكل وسائل النقل الممكنة. ودعا جان فرنسوا كوبيه، أمين عام حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني (الحاكم) مناصري ساركوزي إلى المجيء إلى باريس «بكل الوسائل الممكنة، بما في ذلك الدراجات الهوائية أو سيرا على الأقدام». وفي حين ضرب هولاند لمناصريه موعدا في حديقة متنزه غابة «فانسان»، الواقع على مدخل العاصمة الشرقي، اختار ساركوزي لمهرجانه ساحة الكونكورد التي تحرسها المسلة الفرعونية. ويحمل خيار ساركوزي شحنة رمزية قوية، إذ إنه احتفل في الساحة نفسها بفوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2007 على المرشحة الاشتراكية سيغولين روايال، رفيقة درب فرنسوا هولاند السابقة ووالدة أولاده الأربعة.

ويتنافس للدورة الأولى على أصوات الـ44 مليون ناخب فرنسي عشرة مرشحين أبرزهم إلى جانب ساركوزي وهولاند، مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن، والوسط فرنسوا بايرو، ومرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلونشون. وأثبت ميلونشون، العضو السابق في الحزب الاشتراكي أنه «فلتة الشوط»، إذ لم يكن أحد يتوقع له قبل أشهر قليلة أن يحتل هذا الحجم ويحظى بهذه الشعبية. ويسعى ميلونشون ولوبن للفوز بالمرتبة الثالثة حيث تفيد استطلاعات الرأي أن كلا منهما يجاوز نسبة 16 في المائة بينما تراجعت أسهم بايرو في الأسابيع الأخيرة لتستقر بحدود 10 في المائة.

وكانت استراتيجية ساركوزي الانتخابية تقوم على اتباع خط سياسي متشدد في مواضيع الأمن والهجرة والأجانب والإسلام، مما يمكّنه من سحب البساط من تحت قدمي مرشحة اليمين المتطرف. غير أن هذا النهج وإن نجح جزئيا في إعادته مرحليا إلى الواجهة وتمكينه من استعادة شعبية تهافتت مع مرور سنوات الحكم، إلا أنها غير كافية لتوفير فرص الفوز في الجولة الثانية. لذا، فإن ساركوزي بحاجة للأصوات التي ستنصب على بايرو. والحال، أن الخط اليمين المتشدد «يخيف» الوسطيين ويبعدهم عن الرئيس المنتهية ولايته. لذا، فالمعادلة التي يتعين على ساركوزي حلها بالغة التعقيد: فإذا مال يمينا من جانب، فإنه يبعد الوسطيين وأن التزم خطا معتدلا فإنه ينفّر غلاة اليمينيين.

أما هولاند، فإنه أكثر اطمئنانا لما يمكن أن يحصل في الجولة الثانية. فالغالبية الساحقة من أصوات ميلونشون ومرشحة الخضر (نحو 3 في المائة) ستجير لصالحه. كذلك ثمة نسبة لا بأس بها من أصوات الوسط (بايرو) ستأتي إليه (ما بين 30 في المائة و40 في المائة) فضلا عن أصوات صغار مرشحي اليسار المتطرف، مثل مرشح الحزب المناهض للرأسمالية ومرشحة حزب النضال العمالي. وبشكل عام، فإن خزان الأصوات يسارا أكبر مما هو يمينا الأمر الذي سيمكن هولاند من التفوق على منافسه اليميني.

وعلى الرغم من كل الدلائل، فإن الانتخابات لا تخلو عادة من مفاجآت. والمفاجأة الأولى قد تكون نسبة الامتناع عن التصويت حيث إن الاستطلاعات تفيد بأن ما بين 20 في المائة و30 في المائة من الناخبين سيقاطعون الانتخابات، مما يمكن أن يضر بالدرجة الأولى المرشح هولاند. والمجهول الثاني يتناول الموقف الذي سيلتزم به بايرو. ويسعى كل من ساركوزي وهولاند إلى اجتذابه إلى جانبه. وذهب وزير الخارجية آلان جوبيه إلى القول إنه قد يكون رئيس حكومة ناجحا لساركوزي، بينما أشاد هولاند بدعوته إلى «تنظيف» الحياة السياسية في فرنسا. والمجهول الثالث ما قد يحصل بين الدورتين الأولى والثانية، خصوصا في المناظرة التلفزيونية المنتظرة بين المرشحين المؤهلين إذ يعول ساركوزي عليها لإبراز تفوقه على هولاند وتحطيم برنامجه الانتخابية وخطة حكمه وقلب التوقعات رأسا على عقب احتذاء بالشاعر العربي الكبير أبو تمام عندما قال: «السيف أصدق إنباء من الكتب...».