حمص عاصمة الثورة السورية بأكثر من 5 آلاف قتيل

تدمير أكثر من 50% من المدينة.. ومخاوف من مشروع تقسيم يهيئ له النظام

مبان في مدينة حمص قالت المعارضة السورية إنها تعرضت للدمار أمس (رويترز)
TT

بينما يقول أهالي حمص إن المدينة خربت بالكامل، يقدر ناشطون حجم الدمار الذي لحق بها بأكثر من 50 في المائة، جراء الحملة العسكرية الشرسة التي شنها النظام السوري على المدينة التي انتفضت ضده، فاستحقت لقب «عاصمة الثورة» قبل أن يشكل عدد قتلاها نحو 50 في المائة من عدد قتلى السوريين برصاص قوات النظام، حيث يقدر إجمالا بأكثر 11 ألف قتيل في عموم البلاد، منذ اندلاع الثورة في 15 مارس (آذار) 2011، ومع أن كل المناطق التي ثارت ضد النظام تعرضت لحملات عسكرية عنيفة وقصف مدفعي من درعا وإدلب وريف دمشق، فإن حمص وريفها نالا الحصة الأكبر في التدمير، وتم تدمير بلدات سهل الحولة وتلدو والحولة وتلبيسة بالإضافة إلى مدينة الرستن والقصير، القريبة من الحدود مع لبنان. كما أن الأحداث الإجرامية والمجازر ذات الطابع الانتقامي والطائفي التي شهدتها أحياء حمص لم تشهدها مناطق أخرى، الأمر الذي جعل أهالي حمص قبل المراقبين يبحثون عن إجابة لسؤال: لماذا حمص؟

حمص التي تتوسط البلاد، وتعد أكبر المحافظات السورية بمساحة تتجاوز 10.000 كيلومتر مربع، تعتبر رابطة المحافظات الشمالية مع المحافظات الجنوبية، وعقدة المواصلات الأبرز في البلاد، ومدينة حمص تبعد عن دمشق 175 كيلومترا، وإلى الجنوب من حلب على مسافة 200 كيلومتر، وإلى الشرق منها تبعد تدمر 150 كيلومترا وإلى الغرب منها طرابلس لبنان على مسافة 90 كيلومترا. وكان للطبيعة الجغرافية المتوسطة أثر كبير في التركيب الديموغرافي للسكان، حيث يقرب عددهم من مليون ومائتي ألف نسمة، إذ استقطبت أبناء الأرياف الفقراء من مختلف الطوائف ليسكنوا أحياءها. وسكانها مسلمون سنة غالبيتهم يعيشون في أحياء حمص لا سيما القديمة؛ باب السباع وباب هود وجب الجندلي وجورة الشياح والدبلان وأبو عوف، وعلويون يعيشون في أحياء حديثة عشوائية فقيرة مثل النزهة والزهرة وعكرمة، والشيعة وادي إيران - وادي العرب ووادي الذهب، إلى جانب المسيحيين الذين يعيشون في أحياء حمص القديمة؛ الحميدية والمحطة وبستان الديوان وغيرها.

وتتنوع أطياف الحماصنة المسلمين السنة الأصليين من حيث تحدرهم من قوميات أخرى مثل الشركس والتركمان والأكراد، عدا أبناء العشائر من البدوية الذين يتركزون في أحياء مثل بابا عمرو والبياضة والخالدية وباب الدريب ودير بعلبة، وكرم اللوز.. إلخ، وقبل اندلاع الأحداث في حمص لم يكن هناك فصل بين تلك الأحياء التي كان سكانها يشكلون نسيجا اجتماعيا متناغما، يجمعه الواقع الاقتصادي، إذ ينتمون في غالبيتهم العظمى إلى الطبقة الوسطى وما دون، ومن هنا اكتسبت لقب «أم الفقير»، ولعل هذا ما جعل المجتمع الحمصي يبدو أكثر تكافلا من غيره في المدن الأخرى.

تقول سيدة أعمال حمصية إن «المدينة وحتى اقتحام الجيش النظامي لحي بابا عمرو كانت تتحمل وزر الأعباء الإنسانية وحدها، فطبقة صغار التجار من أبناء المدينة ساعدوا كثيرا أبناء الأحياء المنكوبة»، وتتابع السيدة: «إن هذا ما يفسر الأعمال الانتقامية التي قام بها النظام ضد رجال الأعمال والتجار الصغار، فتم توجيه ضربة قاضية لهم فقصفت محالهم وشركاتهم في حمص القديمة، كما شنت حملة تخريب ونهب لحي الإنشاءات المتاخم لبابا عمرو، الذي شكل الداعم الأساسي لحي بابا عمرو»، وتضيف أن «عمليات النهب الواسعة للبيوت الطبقة الثرية من أبناء حمص في حي الإنشاءات تقدر بالمليارات»، وتعطي مثالا على ذلك ما تعرض له منزلها قائلة: «لقد سرق جنود النظام كل محتويات بيتي.. حتى ملابس نومي القديمة.. لم يتركوا شيئا من لوحات وتحف وأثاث فخم.. كل شيء كل شيء نهب»، هذا «عدا تدمير المنازل وتكسير السيارات بالدبابات».

ويتهم ناشطون النظام السوري بافتعال أحداث وارتكاب مجازر ذات طابع انتقامي طائفي بهدف الفرز الطائفي، وبما يسهل تقسيم البلاد كسيناريو أخير للحفاظ على السلطة والنجاة من المحاكمة، فمنذ الأيام الأولى كان هناك تحذيرات من دعوات الطائفية التي شجع عليها النظام لخلق حالة فوضى واقتتال أهلي على الأرض، تبرر استخدامه الآلة العسكرية في إخماد الثورة، وأيضا لنزع سمة الثورة عن الاحتجاجات، إلا أن تلك التحذيرات لم تمنع وقوع جرائم وحشية ومجازر إنسانية مروعة، الهدف منها تهجير السكان، وقدر عدد المهجرين من حمص بأكثر من 100 ألف نسمة، غالبيتهم من المسلمين السنة، وفدوا إلى منطقة القلمون ودمشق، وغالبية السكان من المسيحيين نزحوا إلى البلدات والقرى المسيحية في وادي النصارى، الأمر الذي أقلق الناشطين إذ رأوا فيه تمهيد لتغيير ديموغرافية محافظة حمص وتقسيمها، كونها مشروع عقدة تعيق التقسيم، أن صح هذا الاحتمال، إذ لا يوجد حتى الآن تفسير منطقي لحجم الدمار الذي خلفته آلة النظام العسكرية في حمص.

وأشير إلى أن لجانا من كل الاختصاصات.. أعمال الكهرباء والصرف الصحي والمياه والهاتف وأخرى للمرافق العامة.. شكلت وباشرت أعمالها في وضع تقديرات أولية للصيانة وإصلاح ما يمكن إصلاحه، وقدرت ذلك بأنه يمكن أن يتم خلال شهر. وقدر حجم الأضرار في البنية التحتية للقطاع الخدمي: الكهرباء والمياه والصرف الصحي والهاتف، بنحو بملياري ليرة سورية في حي بابا عمرو وحده.

وبحسب مصادر رسمية، فإن هناك نسبة من الأبنية تعرضت للتخريب والتصدع ويجب إزالتها، حيث يعمل الآن على وضع مخطط جديد للحي، لكن سكان حي بابا عمرو أبدوا تخوفهم من هذه التصريحات، لا سيما بعدما قامت قوات الأمن باحتلال كثير من البيوت في الحي وأحياء أخرى تمت السيطرة عليها، وجرى توطين سكان فيها من أهالي الأحياء الموالية، في إشارة إلى جلب عائلات علوية لتسكن المنازل التي نزح عنها أصحابها.

وقال ناشطون إن السلطات في مدينة حمص «تقوم ببناء جدار فصل بين منطقة الإنشاءات ووادي الذهب الذي يسكنه علويون وشيعة من أبناء ريف حمص، حيث تم بناء جدران إسمنتية بارتفاع 3 أمتار تقريبا»، ويتخوف السكان من عزم النظام «قطع كل الطرق التي تصل بين حي وادي الذهب وطريق دمشق والإنشاءات المتاخمة لحي بابا عمرو»، وذلك ضمن «خطة لعزل حي بابا عمرو بهدف تهجير ما بقي من سكانه تمهيدا لإعادة إعماره وتوطين موالين له قريبين من بابا عمرو». بينما رجح آخرون أن تكون تلك وسيلة لمنع «المراقبين الأممين وهيئة الصليب الأحمر من الدخول لتسجيل ما ارتكب هناك من فظائع».

ويعتبر حي بابا عمرو الحي الأكثر تتضررا في حمص بسبب تركز «الجيش الحر» فيه، وكان ذلك لعدة أسباب، أولها أن الحي عموما شكل حاضنا اجتماعيا قويا لـ«الجيش الحر»، كما يتمتع بطبيعة جغرافية جعلته عصيا على النظام من حيث اتساعه ومن حيث انفتاح أطرافه على ريف حمص، هذا بالإضافة إلى وجود نفق طوله عدة كيلومترات كانت الحكومة قد شقته ضمن مشروع جر مياه، وقد استخدمه «الجيش الحر» لعدة أشهر لإدخال الإمدادات إلى الحي، دون أن تعرف السلطات أنه ذات النفق الذي شقته الحكومة واستغرقت في إنجازه نحو 5 سنوات، وكانت الشائعات والأساطير التي روجتها الأجهزة الأمنية تحكي عن عشرات الأنفاق التي يشقها سكان بابا عمرو، لخرق الحصار الذي استمر عدة أشهر، ولم يكشف النقاب عن استخدام هذا النفق، في وسائل الإعلام الرسمية، لتبقى الشائعات التي روجها الإعلام الرسمي والخاص التابع للرسمي، تؤكد وجود عناصر أجنبية مدعومة إسرائيليا بحفر أنفاق وتجهيزها، حتى إن إحدى وسائل الإعلام قالت إنه تم العثور على مصنع صواريخ في بابا عمرو. ولا يستبعد الناشطون استخدام النظام لتلك الشائعات مبررا لمسح بابا عمرو وغيرها من الأحياء الثائرة، وإعادة إعمارها وفق مخطط تقسيمي، وذلك بالنظر إلى الحصار الشديد الذي مورس على مدينة حمص ولأكثر من مرة، فالحصار الأول كان في 6 يونيو (حزيران) والثاني في 15 يوليو (تموز)، وفي الحصار الثاني بدأ استخدام المدفعية لقصف المنازل والممتلكات العامة والخاصة، وقتل واعتقال السكان في عدة أحياء من حمص، خصوصا أحياء باب السباع وبابا عمرو والخالدية والوعر والإنشاءات وغيرها.

وفي 2012 بدأت حملة جديدة على المدينة، وعلى حي بابا عمرو تحديدا، حيث تعرض الحي لقصف عنيف حتى أعلن «الجيش الحر» انسحابه في أول مارس. وبعدها وقعت مجازر كرم الزيتون والعدوية والرفاعي في 12 مارس، إلى جانب مجازر أخرى، قبل أن تبدأ حملة جديدة على المدينة في 19 مارس تضمنت قصفا عنيفا لأحياء حمص القديمة والخالدية والقصور، وشملت عمليات تهجير جماعية من هذه المناطق لا تزال مستمرة.