قناصة وقصف وألغام على الحدود السورية ـ اللبنانية و27 ألف نازح

لبنان يسعى جاهدا للحفاظ على هدوئه من تداعيات الأزمة السورية

أسرة سورية لاجئة في منطقة وادي خالد على الحدود السورية اللبنانية (رويترز)
TT

هناك مقولة شائعة بأن أي زلزال سياسي يحدث في الشرق الأوسط سوف تكون له توابع في لبنان، فهذا البلد هو عبارة عن رقعة شطرنج جيوسياسية تشهد نزاعات تمتد من الصراع العربي - الإسرائيلي إلى الحرب الباردة بين العرب وإيران. ولكن رغم وجود صراع يزداد حدة ودموية يوما بعد يوم في سوريا، فقد ظل لبنان هادئا إلى حد بعيد طيلة الأشهر الـ14 الماضية. صحيح أن هناك مظاهرات خرجت في لبنان، ما بين مؤيد للنظام السوري ومعارض له، إلا أنه لم يحدث أي اضطراب واسع في النظام العام هناك.

ويصف نديم شحادة، الباحث السياسي بمعهد البحوث والدراسات الملكي في لندن «تشاثام هاوس»، الموقف في لبنان بأنه «منيع ضد الانفجار». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الوضع هناك غير قابل للاشتعال.. خلال الأعوام السبعة التي أعقبت اغتيال الحريري، أضرمت فيه الكثير من النيران، لكنه أثبت مناعته». وفي مارس (آذار) الماضي، صرح دبلوماسيون غربيون بأن «لبنان تمكن من المحافظة على الاستقرار، بفضل صدور قرار دولي بعزل البلد عن الاضطرابات التي تجتاح المنطقة».

ولكن مع تفاقم العنف في سوريا بصورة يومية وتعمق الشكوك حول مدى قدرة اتفاقات الهدنة على الصمود، هل سيظل لبنان بعيدا تماما عن الفوضى التي تشهدها جارته الشرقية؟

الفوضى على الحدود

* فرض واقع الخطر القادم من سوريا نفسه بقسوة مع واقعة إطلاق النار عبر الحدود التي أدت إلى مقتل المصور علي شعبان في أبريل (نيسان) الحالي، بينما كان يمارس عمله كمراسل صحافي شمال البلاد. وقد أعربت دمشق عن «خالص تعازيها»، وذكرت وكالة الأنباء الحكومية السورية، أنه أصيب أثناء تراشق بالنيران مع «جماعة إرهابية مسلحة» كانت تحاول التسلل إلى داخل البلاد.

وفجأة، تحولت الحدود الممتدة لمسافة 200 ميل، التي كان الزعماء السوريون يرفضونها في الماضي باعتبارها وضعا فرضه الاستعمار من أجل تقسيم الشام، إلى منطقة متنازع عليها بصورة تشبه إلى حد بعيد ما حدث على الحدود السورية مع العراق عقب الغزو الأميركي عام 2003.

يذكر أن سوريا لم تسحب قواتها بالكامل من لبنان سوى في عام 2005، بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، بعدها عمدت دمشق إلى غلق المعابر الرسمية في عدة مناسبات خلال العامين التاليين، كوسيلة لممارسة ضغط سياسي على حكومة لبنانية منقسمة. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، وبدعوى قيام الجيش السوري الحر الوليد بعبور الحدود، بدأ الجيش السوري في وضع قوات أمن وألغام أرضية بطول الحدود. وبحسب منظمة «هيومان رايتس ووتش»، فقد أصيب الكثيرون بجراح خطيرة أثناء محاولتهم الفرار من العنف الدائر في سوريا.

وقد اتهم خالد ضاهر، وهو نائب في البرلمان اللبناني عن المنطقة الحدودية، الجيش اللبناني بالتنسيق مع سوريا لقمع الانتفاضة عبر الحدود. وقد تعهدت الحكومة اللبنانية، بعد الإمساك بعدة شحنات من الأسلحة المهربة، بتعزيز التدابير الأمنية بطول الحدود.

وداخل منزل أمن في شمال لبنان، أواخر مارس الماضي، شكا أحد المهربين إلى «الشرق الأوسط» أن «الجيش اللبناني يتعاون مع الجيش السوري من أجل السيطرة على الحدود». وأيده في هذا رجل أعمال سوري ذكر أنهم أرسلوا 800 ألف دولار من أجل تسليح الجيش السوري الحر، موضحا أنهم «يبيعون الأسلحة داخل لبنان. البعض يسرق من الجيش اللبناني، والبعض الآخر يستورد الأسلحة إلى لبنان». وفي بداية أبريل الحالي، أعلنت صحيفة «الأخبار» اليومية اللبنانية، أنه تم إلقاء القبض على ضابط استخبارات بالجيش اللبناني مسؤول عن أحد مستودعات السلاح للاشتباه في قيامه بسرقة أسلحة وذخائر وبيعها.

ويقدر خبراء الاقتصاد اللبنانيون، أن تكون حركة التنقل عبر الحدود بين الدولتين قد تراجعت بنسبة 75 في المائة تقريبا منذ بدء الاحتجاجات. ويعتمد لبنان على سوريا في تجارته مع معظم دول العالم، حيث تمثل حركة المرور عبر الأراضي السورية 60 في المائة من حجم التجارة اللبنانية. ورغم انهيار الحركة الشرعية لمرور البضائع بين البلدين، ما زال المهربون يستفيدون من الخط الحدودي، الذي له سمعة سيئة في سهولة الاختراق، من أجل نقل الإمدادات والأسلحة إلى سوريا، بينما يمر اللاجئون والجرحى من المقاتلين في الاتجاه المعاكس. وقد ظلت الطرق مفتوحة نسبيا طوال فترة الثورة، ولكن في الأسابيع الأخيرة، قام الجيش السوري بإحكام السيطرة عليها.

ويعد وائل خالدي، مساعد الرئيس التنفيذي للهيئة العليا للإغاثة السورية، أحد المنسقين الرئيسيين لعملية توفير انتقال أمن للإمدادات واللاجئين. يقول الخالدي: «كان الأمر أسهل بكثير عنه في الوقت الحالي، فقد كان لدينا من قبل نحو 250 طريقا تمتد إلى داخل سوريا. نحن نتخصص في الأدوية والغذاء. نحو 80 في المائة من الإمدادات المطلوبة تأتي من لبنان، ونحو 20 في المائة تأتي من تركيا»، بحسب كلام الرجل.

إن ضعف قوة الجنود السوريين المتمركزين بالقرب من الحدود وانكشاف طرق الإمدادات الخاصة بهم يعني أنه يمكن التفاوض من تحت الطاولة لإبرام صفقات بموجبها «يتركوننا نحصل على إمداداتنا ونتركهم يحصلون على إمداداتهم».

وفي إطار ما تبذله القوات السورية من جهود من أجل قمع التمرد المسلح في حمص والمناطق المحيطة بها، تبنت نهجا أكثر صرامة وقسوة تمثل في قطع الطرق بين لبنان وسوريا. وأوضحت التقارير التي تم تداولها خلال الشهر الحالي قيام القوات التابعة لنظام الأسد بزرع ألغام جديدة على طول الحدود اللبنانية – السورية، بدلا من تلك التي أبلتها فيضانات الشتاء أو أزيلت على أيدي نشطاء ولاجئين. ويقول خالدي من اللجنة العليا للإغاثة السورية، إنه على مدى الشهرين الماضيين فقط فقد ثلاثة من زملائه حياتهم بسبب الألغام، بينما فقد سبعة آخرون أرجلهم. وتعيق الألغام الحركة من وإلى لبنان في محاولة من النظام السوري للحد من أعداد اللاجئين الذين يفرون من البلاد حتى لا تبدو في حالة انهيار. وتحدث اللاجئون في شمال لبنان عن وجود قناصة وقصف وألغام تحصد أرواح البشر الذين يهربون بطريقة غير شرعية.

ويظل قبول وجود اللاجئين السوريين في لبنان قضية حساسة للغاية. ويعني عدم عزم الحكومة اللبنانية توفير أماكن إقامة، مثل الحكومة التركية، أن أكثر السوريين الذين عبروا الحدود اندمجوا في المناطق الحضرية. بحسب وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، يقيم أغلب اللاجئين لدى «عائلات مضيفة» لا مخيمات وهو أمر جيد، حيث عادة ما تتسم مخيمات اللاجئين بشدة الازدحام وتشبه العشوائيات إلى حد كبير. إذا زاد عدد الهاربين من سوريا، كما توضح التقارير القادمة من تركيا في بداية أبريل، سيكون هناك حاجة إلى توفير المزيد من أماكن الإقامة الرسمية. المثير للاهتمام هو قول رئيس ائتلاف الجمعيات الخيرية لإغاثة النازحين السوريين في لبنان أنها ستقيم مخيمات للاجئين السوريين إذا لم تتدخل الحكومة اللبنانية وتقدم المساعدة لمن يحتاجها. وذكرت صحيفة «ديلي ستار» أن الائتلاف يضم نحو 30 جمعية إسلامية وتبلغ ميزانيته عدة ملايين من الدولارات وهي الجهة الأساسية التي تتولى إعالة آلاف اللاجئين السوريين في لبنان.

وأقرت الهيئات الدولية بوجود زيادة في عدد اللاجئين الذين يفرون من سوريا، حيث يوجد نحو 27 ألف لاجئ في لبنان بحسب بعض التقديرات، وهو عدد أكبر بكثير من الإحصاءات الرسمية التي أوردتها وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة والتي أوضحت أن العدد هو 10 آلاف.

عرسال

* عرسال بلدة صغيرة في شمال لبنان تقع على بعد أقل من 10 أميال من سوريا. وتعد تلك البلدة معقل للسنة الذين تربطهم أواصر القرابة وروابط اجتماعية بالمسلمين السنة الذين يشاركون في الثورة المندلعة على الجانب الآخر من الحدود. بحسب وكالة اللاجئين، هناك أكثر من 350 أسرة لاجئة تقيم في منازل أسر في لبنان وكذلك في المساجد والمراكز الاجتماعية. ويساهم مسؤولون من حزب المستقبل المناهض للأسد في تنسيق عملية العثور على أماكن لإقامة اللاجئين. في أحد المراكز التي تتقاسم فيه أسرة بأكملها غرفة مخصصة لفرد واحد ليس معهم في أكثر الأحوال سوى حشوات بسيطة وبعض الملابس. ووجدت أم علي ملاذا في أحد هذه المراكز. هربت هذه السيدة العجوز القادمة من قرية بالقرب من إدلب في نهاية شهر فبراير (شباط). وقالت وهي تعرض صور شقيقتها التي قتلت في قصف مدفعي: «لقد تمزق صدرها من قوة الانفجار».

وتأثرا بهذه الخسارة العنيفة والقتال المستمر، قررت القيام بهذه الرحلة الخطيرة لتلحق بابنها في لبنان. ورغم شعورها بأمان نسبي في بلدة عرسال، تخشى شأنها شأن الكثير من اللاجئين السوريين الآخرين من الذهاب إلى أبعد من ذلك.

ويقول أبو أحمد، لاجئ من حمص: «لن أغادر عرسال إلا متجها إلى أرض الوطن، فلا يوجد أمان». يشير هذا التخوف والارتياب إلى ردود الفعل المتباينة بين اللبنانيين تجاه نزوح اللاجئين السوريين خاصة في ظل هيمنة حزب الله المؤيد لنظام الأسد على الكثير من القرى المحيطة بعرسال.

الحبل السياسي الرفيع

* تتأثر قرارات الحكومة اللبنانية فيما يتعلق بالحدود واللاجئين والعقوبات الدولية على سوريا برغبتها المستميتة ألا تكون ساحة معركة بين القوات الموالية للأسد والقوات المناهضة له. طالما اتسم المشهد السياسي في البلاد على مدى السنوات السبعة الماضية بالانقسام بين مؤيدي نظام الأسد ومعارضيه، حيث أدى الخلاف بشأن المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري وتزويد حزب الله بأسلحة إيرانية - سورية، إلى سقوط الحكومة وامتلاء شوارع بيروت بالجماعات المسلحة مرة أخرى وإن لم يكن ذلك لفترة طويلة. وانتقدت الحكومة اللبنانية في يناير (كانون الثاني) دعوة جامعة الدول العربية الرئيس السوري بشار الأسد للتنحي عن السلطة، حيث صرحت بأن وزراء الخارجية العرب اتخذوا نهجا «غير متوازن» في التعامل مع الأزمة السورية. وفي فبراير اتضحت سياسة الحكومة اللبنانية «الانعزالية» عندما امتنعت عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة العنف الذي يحدث في سوريا مثلها مثل روسيا وإيران حليفتي سوريا التقليديتين. وفي الوقت الذي نأت فيه الحكومة بنفسها عن تأييد طرف بعينه، أصبحت بيروت ملجأ أمن للنشطاء والصحافيين السوريين الذين هربوا من سوريا تفاديا للاعتقال. مع ذلك، اتخذت التوترات بين مؤيدي ومناهضي النظام السوري منحى عنيفا، ففي الخامس من أبريل، تبادل عمال سوريون مناهضون للرئيس بشار الأسد إطلاق النار مع سوريين مؤيدين للأسد في الجنوب اللبناني. كذلك وقعت مصادمات بين الجماعة الإسلامية وأعضاء في حزب البعث في لبنان، حيث اندلعت أعمال عنف في صيدا بعد تخريب بعثيين للافتات ضد الرئيس الأسد علقتها الجماعة الإسلامية.

على الجانب الآخر، هناك شائعات بتحول مخيمات اللاجئين الفلسطينيين المزدحمة إلى «ساحة معركة» بين مؤيدي ومعارضي نظام الأسد بحسب وصف ساري حنفي، الأستاذ بالجامعة الأميركية في بيروت لصحيفة «نيويورك تايمز». وربما يعد شارع سوريا، الذي يوجد في مدينة طرابلس بشمال لبنان، اسما على مسمى، حيث يعد بمثابة خط سياسي فاصل بين لبنان وبين أي هزات قادمة من دولة الجوار. ويقع على جانبي الخط معسكران متقاتلان، حيث ترفرف أعلام الثورة الضخمة في شوارع باب التبانة وتحظى الثورة بدعم كبير من السكان السنة، بينما يوجد في حي جبل محسن المجاور علويون لا يزالون يدينون بالولاء لنظام الأسد. وقال أسد الحايك وهو يحملق في حطام منزله المحترق في باب التبانة: «إنه صراع قديم، لكن السبب وراء وقوع الأحداث الأخيرة هو الوضع في سوريا». ودمرت شقته في قصف استمر ليومين في فبراير أسفر عن مقتل ثلاثة واستدعى رد من الجيش مما أدى إلى إصابة عدد من الجنود.

لقد اتخذ العداء بين البلدين صورا عنيفة عدة مرات في الماضي وبشكل شبه دائم إبان فترات الأزمة السياسية. وتزامنت آخر فترة قتال مع معركة وحشية وقعت في مدينة حمص السورية وظهور مجموعة من التحالفات المناوئة لنظام الأسد عبر أنحاء لبنان. تحدث رفعت علي عيد، رئيس الحزب العربي الديمقراطي وقائد العلويين في طرابلس لـ«الشرق الأوسط» قائلا «إذا وقع مكروه في سوريا، فلن يصبح هناك لبنان.. لا يمكنني أن أجزم تحديدا بما إذا كان هذا النظام سيسقط أم لا، لكنني أؤكد لكم أنه حال سقوطه، ستكون له تبعات مؤلمة بالنسبة للجميع، سواء أكانوا في صف سوريا أم ضدها».

يبلغ عدد العلويين في لبنان نحو 50.000 فقط، ومعركتهم مع السنة الفقراء في باب التبانة لن تتسبب في حد ذاتها في زعزعة استقرار لبنان. ومع ذلك، فإن موطن الخوف يكمن في احتمال أن يصبح ذلك الموقف المتأزم بمثابة نموذج مصغر لقتال أوسع نطاقا ينكأ الجروح الطائفية التي مزقت أوصال الدولة إبان الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما.

في الوقت نفسه، ما زالت هناك مخاوف من حزب الله، الحزب الميليشياوي الشيعي الذي ارتقى من حركة سرية مقاومة للاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان ليصبح القوة العسكرية المهيمنة في الدولة. يذكر أن هيمنة «حركة المقاومة» ناتجة عن علاقتها السرية بالنظام السوري. تحدث هلال خشان، الأستاذ بالجامعة الأميركية ببيروت مؤخرا إلى إذاعة «فويس أوف أميركا» قائلا «قلب وعقل حزب الله في إيران. ورئة حزب الله في سوريا، لأن سوريا هي شريان الحياة بالنسبة لحزب الله».

لقد أثارت القوة، العسكرية والسياسية، لحزب الله الشيعي، حفيظة معظم صفوف المعارضة اللبنانية، ومع تداعي النظام السوري، صعد تحالف «14 مارس» الضغط على حزب الله. تشرح أمل غريب، أستاذ العلوم السياسية المساعد بالجامعة الأميركية في لبنان قائلة: «كلما تداعى النظام، بات من الأسهل توجيه ضربة لحزب الله وإيران.. إذا أصبح النظام ضعيفا، فستضعف شوكة حلفائه بالتبعية».

يكثف معارضو حزب الله مطالبهم للحزب بنزع سلاحه وتسليم أعضائه الأربعة الذين أدانتهم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان - في إطار التحقيق في واقعة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري عام 2005. وقال قائد حزب الكتائب المعارض، أمين الجميل، في فبراير «هل من المنطقي أن ندعم مطلب الشعوب العربية بالتخلص من هيمنة جيوش أنظمتها، بينما نبقي شعب لبنان تحت سيطرة ميلشيا حزب الله؟».

لقد ظل حزب الله ثابتا في دعم النظام السوري، من خلال قول قائد الحزب في حديث تلفزيوني في أوائل فبراير: «لا يمكن لأحد أن ينكر أن هناك خطة أميركية - إسرائيلية ترمي إلى تغيير النظام في سوريا». وفي حين ظل الحزب اللاعب الأكثر قوة في لبنان، فقد بدأت تظهر تصدعات في تحالفاته السياسية. الأكثر من ذلك أن محاولة اغتيال سمير جعجع التي وقعت مؤخرا من قبل مهاجمين مجهولي الهوية أحيت مشهدا خطيرا مألوفا بدرجة كبيرة في الساحة السياسية اللبنانية.

السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هنا هو: هل سيكون لبنان قادرا على الاحتفاظ بحياديته في حال ما إذا تحول الصراع في سوريا إلى حرب أهلية طويلة الأجل؟ إن تصريحات المجلس الوطني السوري المعارض بتلقيه وعود دولية بالحصول على مساعدات إنسانية دولية قيمتها 176 مليون دولار ورواتب للثوار داخل سوريا قيمتها 100 مليون دولار من شأنها أن تقض مضاجع النخبة اللبنانية التي تحاول الإمساك بالعصا من المنتصف. سيكون من اللازم نقل هذه الموارد إلى سوريا بطريقة ما، وتعتبر شبكات التهريب عبر لبنان إحدى الوسائل المتاحة. وقد أظهر النظام السوري استعدادا لشن هجوم عبر الحدود في الماضي، ومن المرجح أن يستخدم الأساليب التقليدية وغير التقليدية معا في شن هجوم على أي أهداف استراتيجية وهمية أو حقيقية.

يرى خليل جبران في كتاب «مرايا الروح» أن لبنان بالنسبة لنا ساحة للرجال من الغرب ومن الشرق، أما لبنان الذي ينشده فهو أشبه بسرب من الطيور يرفرف في الصباح الباكر، بينما يقود رعاة الأغنام قطيعهم نحو المروج.

ومع تبني الساسة اللبنانيين على اختلاف مشاربهم اليوم موقفا سلبيا تجاه النظام السوري، تسعى الحكومة من أجل التمسك بموقف حيادي، على الرغم من هذه الخلافات الداخلية، والنأي بنفسها عن الأحداث الجارية في سوريا. وفي ظل تصاعد العنف، ربما يكون تبني أسلوب أكثر استباقية من أجل إنكار المساحة المخصصة لكل من العناصر المؤيدة للنظام والعناصر المناوئة له السبيل الوحيدة الممكن للحفاظ على الاستقرار الذي حلم به جبران.

* جيمس دينسلو، صحافي بريطاني يكتب في «الغارديان» وموقع «هافينغتون بوست» الإخباري ومجلة «نيو ستيسمان» وكتب هذا التقرير الخاص لـ«الشرق الأوسط»

* أسهم في إعداد التقرير زاك بروفي، وهو صحافي حر في بيروت.