كارثة ثلجية تطلق النقاش حول جدوى المعركة في سقف الكرة الأرضية

غالبية ضحايا الجيشين الباكستاني والهندي في الهيمالايا يلقون حتفهم بفعل الطقس وليس الحرب

عسكريون باكستانيون يقدمون شروحا لفرقة إنقاذ أجنبية قبل بدء البحث عن ضحايا الانهيار الثلجي في سياشين خلال الأيام القليلة الماضية.. وبعد أسبوع على الكارثة لم يعثر على أي جثة بعد (أ.ف.ب)
TT

في المناطق الثلجية الجرداء بسياشين، حيث ساحة المواجهة بين الجنود الباكستانيين والهنود في المرتفعات التي تحيطها قمم جبال الهيمالايا، تكمن المعركة ضد الجبل لا الإنسان. وفي النقاط الحدودية المقامة على ارتفاع 6700 متر فوق مستوى سطح البحر، تنخفض درجة الحرارة إلى 58 تحت الصفر وتظل كذلك لشهور، ويتعرض جنود الدوريات للسقوط في الصدوع. ينشب الصقيع أظفاره في أجساد الجنود، وتهب العواصف الثلجية وتتجمد الأسلحة بل وحتى وظائف الجسم تصبح أمرا لا يطاق. وبعض الجنود يصيبهم الجنون وينتهي بهم الأمر إلى التحديق في الفضاء، كما يشير بعض أصحاب الخبرة، حيث يصابون بالتوتر من البياض المبهر للصخور والشمس والثلج. ثم هناك الانهيارات الثلجية.

وكان آخر هذه الانهيارات التي وقعت في 7 أبريل (نيسان) عندما انهار حائط ثلجي في الجانب الباكستاني، غمر مقر الكتيبة السادسة للمشاة الخفيفة الشمالية، حيث يتمركز 124 جنديا باكستانيا و14 مدنيا. ودفن الانهيار الثلجي عددا من المباني تحت 24 مترا من الثلوج، وعلى الرغم من مرور أسبوع على أعمال الإنقاذ لم يتمكن عمال الإنقاذ من إخراج شخص واحد؛ سواء كان حيا أو ميتا.

وأثار مصير الكتيبة ردود فعل غاضبة عبر باكستان وألقى الضوء على جانب ظل على الدوام منعزلا في النزاع على كشمير، الذي بدأ قبل 65 عاما، حيث تقع المنطقة الجبلية في المنطقة العاطفية من النزاع مع الهند. وقد أعاد الانهيار سؤالا مثيرا للفتنة: هل سياشين جبل جليدي على الطرف الشمالي لكشمير، ويستحق القتال من أجله؟

ويقول محمود شاه، البريغادير المتقاعد بالجيش الذي شارك في السابق في المحادثات لإنهاء المواجهة: «آن الأوان للدولتين أن تتراجعا عن هذا الجنون. الناس تموت كل يوم في هذا النزاع، والاستمرار في ذلك ليس في مصلحة أحد».

هذه الانتقادات لقيت أصداء واسعة لدى الكثير من المنتقدين الذين وصفوا النزاع بأنه بلا مغزى ومعركة شريرة مكلفة على هذه القطعة من الهيمالايا التي على الرغم من جمالها المذهل لا تصلح لإقامة البشر، حيث لقي ما يقرب من 3000 جندي باكستاني حتفهم في سياشين منذ عام 1984، وراح 90 في المائة منهم ضحية أسباب تتعلق بالطقس، بحسب المتحدث باسم الجيش الباكستاني، الميجور جنرال أطهر عباس.

ويقدر محللون عسكريون تكلفة نشر الجنود الباكستانيين هذه المنطقة بـ5 ملايين دولار شهريا. أما تكلفة الهند، فكانت أعلى بسبب العدد الأكبر للجنود الهنود في المنطقة، ولأن الإمدادات تصل فقط عن طريق المروحيات. بيد أن الكثير من الخبراء الاستراتيجيين العسكريين والصقور الأمنيين في كلا البلدين، يصرون على استمرار القتال. وكتب فيكرام سود، الرئيس السابق للاستخبارات الهندية: «يجب أن تكون سياشين القضية الأخيرة على الطاولة، لا الأولى في أي اتفاق سلام مع باكستان».

وقام الجيش الباكستاني بتصوير عمليات الإنقاذ، وجرى بثها خلال الأيام القليلة الماضية. وتم بث مشهد مثير للإحباط، فيه عناصر الإنقاذ بزيهم الأبيض تساعدهم الكلاب المدربة، يقومون بعمليات الحفر وسط الثلوج، والجرافات التي تحرك كتل الثلوج الضخمة. وقد وصل فريق إنقاذ عسكري أميركي مكون من ثلاثة أفراد لتقديم يد العون، وكان المتوقع أن يسافر إلى سياشين في الوقت الذي توجد فيه بالفعل فرق من الخبراء السويسريين والألمان في مكان الحادث.

وتتركز الجهود الآن على حفر نفق بطول 40 مترا نحو ثكنات الجنود، حيث كان الجنود ينامون عندما وقع الانهيار الثلجي. ومن المثير للحزن ما نشره الجيش الباكستاني للجنود من صور الجنود الذين كانوا في الداخل. كانت غالبية الجنود في العشرينات من العمر، يرتدون القبعات الخضراء وأوشحة حول أعناقهم. ولا يبدي الكثير من الباكستانيين أملا كبيرا في العثور على أحياء بين الأنقاض. وكما أشار البعض، انتصر الجبل مرة أخرى. وكتب كارمان شافي، ضابط الجيش السابق وكاتب الرأي الشهير في صحيفة «ذا إكسبريس تريبيون»، يوم الجمعة، مرددا الشعور الواسع بالاستياء بين الباكستانيين: «اللعنة عليك يا سياشين».

وعلى الرغم من اندلاع القتال بين الهند وباكستان منذ عام 1947، اندلع القتال على سياشين في عام 1984، عندما احتلت قوات الكوماندوز القمم التي تطل على نهر سياشين الجليدي، الذي يبلغ طوله 78 كيلومترا، ويعد ثاني أكبر نهر جليدي خارج المنطقة القطبية.

نشأ الصراع نتيجة لمزيج من السياسات السيئة ورسم الخرائط السيئة، فاتفاق عام 1972 بين باكستان والهند الذي رسم خط السيطرة تمت صياغته بصورة غامضة، ما سمح لكلتا الدولتين بادعاء ملكيتها للنهر الجليدي. واستعر القتال لما يقرب من عقدين حتى عام 2003، عندما وافقت الهند وباكستان على وقف إطلاق النار. ولا يزال ما يقرب من 8000 جندي من الجانبين، غالبيتهم من الهنود، متمركزين في منطقة القتال، بحسب التقديرات غير الرسمية، يواجهان بعضهما عبر مسافة من الصخور والثلوج.

والتجربة بالنسبة لمن أمضوا فترة من خدمتهم العسكرية في سياشين تجربة لا تنسى. ويقول خان، وهو ضابط متقاعد من الجيش خدم مرتين في سياشين، وطلب عدم ذكر اسمه الأول: «إنها تجربة فريدة تماما». وأشار إلى أن الأوضاع كانت صعبة للغاية، وأن الجنود، خشية سفح الجليد، كانوا يذهبون إلى الحمامات (أكواخ صغيرة بنيت من صخور الجبال) مرة في اليوم ويستحمون مرة واحدة كل بضعة أشهر. وأوضح الجنرال خان أنه فقد شهيته، وتسببت المنطقة في فقده 17 كيلوغراما في ثلاثة أشهر، وقال: «تشعر أنك كرجل الكهوف لأن هذه هي طريقة الحياة هناك».

وخلال الفترة التي قضاها على الخطوط الأمامية في عام 2003، كانت وظيفته تتمثل في قصف المواقع الهندية، لكن الهواء الخفيف كان يعني أن القذائف عرضة لاتخاذ مسارات غير متوقعة وتشق طريقها بصعوبة بسبب الرياح. وهذه الظروف المناخية القاسية خلقت تضامنا غريبا مع الخصم، الذي كان يتمركز في نفس المنطقة على بعد 180 مترا، بحسب الميجور خان. وأضاف مشيرا إلى تبادل التهاني في الاحتفالات بالأعياد الهندية والإسلامية الرئيسية: «كان بإمكاننا أن نسمع حديث بعضنا وقد اعتدنا تبادل التحيات في أعيادنا الإسلامية وعيد ديوالي الهندوسي». وأشار إلى أن الجنود الهنود عرضوا على رجاله في إحدى المناسبات استخدام هواتفهم المتصلة بالأقمار الصناعية للاتصال بمنازلهم، وقال: «بطبيعة الحال لم نذهب لكن تلك كانت هي الأجواء. كان هناك قتال لكن كانت هناك أيضا أجواء الصداقة قائمة».

والجزء الأصعب من نشر الجنود في هذه المنطقة يكمن في التوتر النفسي، فالانفصال عن العالم الخارجي في مثل هذه الظروف، الذي يستمر عادة لشهور في المرة الواحدة، أحيانا ما يصيب بعض الجنود بالمرض العقلي. وقال خان: «وجدت بعض الجنود الذين أصيبوا بحالة من الجنون بسبب النظر إلى الفضاء. لأن العزلة تؤثر على حالتهم العقلية».

وحتى الآن لا يزال بعض الرفاق السابقين يجاهدون للتعافي، وقال: «شكت عائلاتهم من أنهم ينعزلون عن العائلة ويحملقون في السقف، وأنهم على هذه الحال منذ سنوات».

وقع الانهيار الثلجي الأخير عشية الزيارة التي قام بها الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري للهند، وهي الزيارة الأولى التي يقوم بها رئيس باكستاني للهند منذ سبع سنوات. وعلى الرغم من أن الزيارة كانت في ظاهرها زيارة خاصة، اجتمع زرداري مع رئيس الوزراء مانموهان سينغ على مائدة الغداء، وقد أعطت الزيارة دفعة ملموسة لتحسين العلاقات بين الخصمين. وكانت الشهور الأخيرة قد شهدت تقدما طفيفا في تعزيز الروابط الاقتصادية، ففي يوم الجمعة الماضي التقى وزيرا التجارة الهندي والباكستاني في نيودلهي لإعلان التطورات الجديدة، ويأمل المتفائلون أن تتمكن الروابط الدبلوماسية من تحقيق انفراجة على الصعيدين العسكري والدبلوماسي.

لكن الآمال بأن يكون هذا هو الفصل الأخير من الأحداث، أو أن يتمكن الحديث أثناء تناول قدح من الشاي من انسحاب القوات من سياشين، أضعفتها عقود من الشكوك وعملية سلام تتحرك ببطء النهر الجليدي ذاته. ويرى إعجاز حيدر، من معهد جناح، وهو مؤسسة سياسية وبحثية مقرها إسلام آباد أنه سيكون من الخطأ اعتبار سياشين أمرا يسهل حله بالنسبة للنزاع الهندي - الباكستاني. وقال حيدر، الذي خدم أخوه ووالده في سياشين: «من يرغب في الحرب؟ لا أحد. لكن إذا كنت تريد السلام فأنت بحاجة إلى الاستعداد للحرب. هذه هي الحقيقة لسوء الحظ».

* خدمة «نيويورك تايمز»