إيران تطالب برفع العقوبات لـ«حل كل المشكلات».. وأوروبا تستبعد ذلك

مصادر أوروبية: تخلي طهران عن شروطها المسبقة تفادى الفشل في إسطنبول

سعيد جليلي مفوض ايران وكاترين آشتون مفوضة الشؤون الخارجية الأوروبية في اجتماع اسطنبول يوم السبت الماضي (رويترز)
TT

بعد نجاح نسبي للمفاوضات الأولية بين الدول الست الكبرى وإيران حول برنامج طهران النووي في إسطنبول يوم السبت الماضي، أبدت إيران استعدادها مجددا أمس لـ«حل كل المشكلات» في حال رفعت العقوبات عنها. ولكن أكد الاتحاد الأوروبي أمس أن هذا الاحتمال غير وارد في المرحلة الحالية.

ونقلت وكالة الطلبة الإيرانية للأنباء أمس عن وزير الخارجية، علي أكبر صالحي، قوله إن إيران مستعدة لحل كل المشكلات النووية في الجولة المقبلة من المحادثات مع القوى العالمية في بغداد إذا رفعت العقوبات. وأضاف: «إذا كان الغرب يريد إجراءات لبناء الثقة فيجب أن يبدأ فيما يتعلق بالعقوبات؛ لأن هذا العمل يمكن أن يسرع من عملية المفاوضات لتصل إلى نتائج». وأضاف: «إذا كان هناك حسن نوايا فيمكن أن نمر من هذه العملية بسهولة، ونحن مستعدون لحل كل المشكلات سريعا وببساطة وحتى في اجتماع بغداد». حيث من المرقب إجراء جولة المفاوضات المقبلة حول الملف النووي.

ولكن من جهته، قال وزير الخارجية الدنماركي، فيلي سوندال، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، أمس، إنه لا مجال لتخفيف العقوبات على إيران حتى تتخذ خطوات للالتزام بالمطالب الخاصة ببرنامجها النووي. وصرح للصحافيين في رده على سؤال عن احتمال تخفيف العقوبات مع استمرار المفاوضات مع إيران: «أعتقد أنه سيكون من الخطر البالغ خلق موقف نقول من خلاله للإيرانيين إننا سنرفع جزءا من العقوبات». وأضاف: «إنهم أبطال العالم في إجراء مفاوضات طويلة جدا لا تؤدي لشيء».

ومن جهتها، أكدت موسكو أمس على أنها لا تؤيد فرض مزيد من العقوبات على طهران، إذ قالت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، إن وزير الخارجية، سيرغي لافروف، ناقش الملف الإيراني مع مدير مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الزائر، ياكوف اميدرور، وحذر من فرض مزيد من العقوبات على طهران. وأكد لافروف «عدم قبول احتمال امتلاك إيران لسلاح نووي»، بحسب البيان. إلا أنه انتقد «أي محاولات خطيرة وغير مفيدة لاستخدام التقارير عن التقدم في التكنولوجيا النووية الإيرانية لتصعيد التوتر بشأن إيران بشكل مصطنع، وخلق مبرر لممارسة مزيد من الضغوط».

وقد خففت مصادر أوروبية واسعة الاطلاع من لهجة التفاؤل التي أعقبت اجتماع إسطنبول السبت الماضي، بين مجموعة الست (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وألمانيا) وإيران من جهة أخرى، ونبهت إلى أن اجتماع بغداد الذي تم الاتفاق على عقده في 23 الشهر المقبل «سيكون بالغ التعقيد».

وصرحت هذه المصادر الدبلوماسية التي شاركت في أعمال اجتماع إسطنبول، في لقاء، أمس، مع مجموعة صحافية في باريس، بأن مصدر التفاؤل يكمن في أن الجانب الإيراني الذي رأسه سعيد جليلي، رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني والمولج الملف النووي، تخلى في إسطنبول عن طرح الشرطين المسبقين اللذين كانت إيران تتمسك بهما في السابق لقبول التفاوض حول ملفها النووي، وهما: التراجع عن العقوبات المفروضة على إيران دوليا وأوروبيا وأميركيا، والاعتراف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم. وهذان الشرطان أجهضا اجتماع إسطنبول في شهر فبراير (شباط) من العام الماضي وعطلا التواصل طيلة 14 شهرا. أما في الاجتماع الأخير فقد تغير الخطاب الإيراني، حيث إن جليلي تحدث عن حق إيران في «الاستخدام السلمي للطاقة النووية» (وليس عن حق التخصيب)، كما تناول رفع العقوبات باعتباره إجراء «يتوج مسار التفاوض وليس شرطا مسبقا».

وعلى الرغم من هذه «الحالة» الجديدة التي جاء بها الإيرانيون، فإن المصادر الأوروبية وصفت أجواء اجتماع إسطنبول بـ«الجليدية»، حيث لم يحي المجتمعون بعضهم البعض، واكتفى كل طرف في الجلسة العمومية الأولى بتلاوة ورقته. وأعقب ذلك اجتماعات ثنائية ضمت تباعا إلى الجانب الإيراني، مفوضة الشؤون الأوروبية كاثرين أشتون ثم الوفد الروسي فالوفد الصيني. ولم يحصل اجتماع ثنائي أميركي - إيراني بعكس ما كان قد أعلن.

وتعزو المصادر الأوروبية تغير «المقاربة الإيرانية» إلى ثلاثة عوامل متداخلة هي: تأثير العقوبات المفروضة على الاقتصاد الإيراني، وتحديدا عل قطاعيها المصرفي والنفطي، والتهديد بضربة عسكرية إسرائيلية أو أميركية أو مشتركة، وأخيرا التوازنات الجديدة داخل السلطة الإيرانية. وكشفت المصادر الأوروبية النقاب عن أن خبراء من الجانبين سيجتمعون في الأيام المقبلة لتحديد جدول أعمال اجتماع بغداد، منبهة إيران إلى أن الغرض «ليس المفاوضات من أجل المفاوضات»، بل من أجل التقدم على درب تطبيق القرارات الدولية الخاصة بإيران والصادرة عن مجلس الأمن. ومقابل الرغبة الإيرانية في مقاربة الملف النووي «خطوة خطوة»، أي مطالبة إيران بالمقابل لكل خطوة تقدم عليها، فإن مجموعة الست متمسكة من جانبها بالتنفيذ الكامل للقرارات الدولية التي تشكل، كما قالت، «الهدف الأسمى» الذي يجمع كل الأطراف الستة.

ورفضت المصادر الأوروبية الكشف عما ستعرضه مجموعة الست على إيران، مؤكدة أن خبراء المجموعة يعملون على ذلك. وحرصت، في الوقت عينه، على التنويه بـ«وحدة» مجموعة الست، ما سيمنع إيران من اللعب على حبل التناقضات الداخلية. غير أنها، على الرغم من تأكيدها على وحدة الهدف، قبلت بوجود «اجتهادات» في التطبيق أو الأنساق التي سيؤخذ بها. وستكون مهمة خبراء المجموعة «دراسة السيناريوهات الإيرانية وسيناريوهات الرد عليها» من جانب الست.

وردا على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأحد، القائلة بأن إيران كسبت مهلة جديدة من ستة أسابيع «هي الفترة الفاصلة بين اجتماع إسطنبول واجتماع بغداد المرتقب»، قالت المصادر الأوروبية إن الست «عازمة على أن لا يكون التفاوض من أجل (أي لكي تكسب إيران الوقت) بل للوصول إلى نتيجة». غير أن هذه المصادر ليست واثقة من شيء ولا تعرف ما إذا كان الإيرانيون يريدون حقيقة التقدم في المفاوضات وبأي سرعة وبأي شروط. وسبق للجانب الأميركي أن أبلغ إيران استعداد واشنطن للنظر في تمكين إيران من الاحتفاظ بالقدرة على التخصيب النووي مقابل التزامها بثلاثة شروط هي: تجميد العمل بمعمل فوردو القريب من قم، وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة، وإخراج اليورانيوم المخصب من إيران، وهي فكرة تم طرحها في السابق ثم جمد البحث فيها بسبب الرفض الإيراني.