تعقيبا على الاعتداء الشرس على ناشط دنماركي.. جنرال إسرائيلي: فقدنا الحس الإنساني

المخابرات الإسرائيلية زيفت قوائم بأسماء سياح من دون أن تكون لهم علاقة بحملة التضامن

ضابط إسرائيلي يوجه ضربة ببندقيته على وجه ناشط دنماركي قرب حاجز شمال أريحا (رويترز)
TT

«فقدنا الحس الإنساني، وعلينا أن نعترف بأن لدينا ضباطا يمارسون اعتداءات على مواطنين أبرياء وعلى متضامنين أجانب في المناطق الفلسطينية، وضباطا آخرين يسكتون على جنودهم عندما يمارسون هذه الاعتداءات». بهذه الكلمات علق الجنرال متسناع، القائد السابق لقوات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، على الاعتداء الهمجي الذي نفذه مقدم في الجيش الإسرائيلي ضد شاب دنماركي، وتم تخليده بالصوت والصورة.

وقال متسناع، في حديث إذاعي أمس، إنه يعرف بأن مثل هذه الاعتداءات حدثت وتحدث باستمرار في الجيش الإسرائيلي، «ومن المفترض أن لا ننتظر حتى يقوم طرف ما بتصوير حوادث كهذه وينشرها في وسائل الإعلام العالمية، حتى نتحرك ونحتج ونحاسب. علينا أن نعتاد على معاقبة من يمارس اعتداءات كهذه بأنفسنا، وفقا لأنظمة وتعليمات واضحة وصارمة، فهذا يساعدنا على بناء جيل من الجنود الملتزمين بأخلاقيات إنسانية. علينا أن نلفظ من الجيش أولئك الذين لا يفلحون في لجم أنفسهم ومشاعرهم وغرائزهم في حالات الضغط النفسي».

وكان ضابط برتبة مقدم، يدعى شالوم آيزنر ويعمل نائبا لقائد قوات الجيش الإسرائيلي في منطقة غور الأردن المحتلة، قد اعترض في يوم السبت الماضي طريق مجموعة من الشبان الفلسطينيين ومعهم متضامنون أجانب، كانوا يسيرون في رحلة دراجات هوائية على شارع الغور، فأوقفتهم القوة العسكرية بالقرب من قرية العوجا، وأمرتهم بوقف المسيرة بدعوى أنها تهدد الأمن الإسرائيلي. وبعد نقاش غير مجد، قرروا المضي قدما في مسيرتهم. فأمر آيزنر بوقفهم بالقوة. وقد بادر هو شخصيا إلى ضرب أحد المتضامنين، المواطن الدنماركي أندروس (20 عاما)، ببندقيته على وجهه، فأصابه بجروح بليغة، إذ تمزقت إحدى شفتيه وكسرت له سنان اثنتان.

وقد تم نشر شريط فيديو في «يوتيوب»، الليلة قبل الماضية، في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تتباهى بأنها أجهضت حملة «أهلا وسهلا بكم في فلسطين» من دون اشتباكات أو صدام، وكان فيه رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، يعلن «أن إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، وينصح المتضامنين الأجانب مع الشعب الفلسطيني بأن يتوجهوا إلى سوريا حيث يقتل الرئيس الأسد شعبه، وإلى إيران حيث تداس حقوق الإنسان. وقد بدت صورة الاعتداء المذكور محرجة للغاية للحكومة الإسرائيلية، فخرج رئيس الدولة شيمعون بيريس، ورئيس الحكومة نتنياهو، ووزير الدفاع إيهود باراك، ببيانات استنكار لتصرف الضابط الإسرائيلي. وأعلن رئيس أركان الجيش، بيني غانتس، عن إقالة الضابط من عمله. وقال متحدث باسم الجيش: «تم إيقاف غانتس عن العمل في انتظار نتائج التحقيق الذي تم فتحه». وعلق نتنياهو على الحادث في بيان قائلا إن «هذا التصرف لا يليق بجيش الدفاع ولا بدولة إسرائيل» بعد بث الفيديو.

وأثارت هذه الفضيحة نقاشات واسعة في المجتمع الإسرائيلي، غالبيتها تستنكر الاعتداء وتعتبره غبيا، لكن هناك من دافع عن هذا الضابط، خصوصا في أوساط اليمين. وقد توجه أحد رجال الدين اليهود بين المستوطنين إلى قيادة الجيش متسائلا: «لماذا لم تقيلوا الضابط يودا لامبر الذي كان قد ضرب ببندقيته طفلا يهوديا لدى إخلاء مستوطنات غزة؟». فيما تساءل الكاتب عاموس هرئيل عما إذا كان طرد الضابط آيزنر حقيقيا أم أنه قرار صوري ستعقبه ترقية وتقدم في سلم القيادة في الجيش، كما حصل مع ضباط آخرين نفذوا اعتداءات كهذه وأعلن الجيش بشكل صارخ أنه «يعاقبه لأنه لم يتصرف وفق أخلاق الجيش الإسرائيلي».

يذكر أن حملة «أهلا بكم في فلسطين» انتهت باحتجاز 78 متضامنا أجنبيا، بينهم 51 فرنسيا و11 بريطانيا و6 إيطاليين و5 كنديين وإسبانيان وأميركي وبرتغالي وسويسري. وأعيد 27 شخصا منهم أول من أمس، فيما احتجز الباقون في معتقل تابع لسلطات الهجرة في مدينة الرملة، بانتظار إيجاد مكان شاغر في رحلات الطيران.

وقد كشفت صحيفة «هآرتس»، أمس، عن أن المخابرات الإسرائيلية، وفي خضم استعداداتها لإفشال حملة المتضامنين الأجانب، أقدمت على تزييف قوائم بأسماء المتضامنين وإدراج أسماء مواطنين أجانب ضمن هذه القوائم من دون أن يكون هؤلاء ضمن المشاركين في الحملة، وذلك في سياق التهويل من الحملة الدولية وتشويه أهداف المشاركين فيها. وأضافت الصحيفة أن أكثر من 400 مواطن من دول أوروبية مختلفة فوجئوا بوضع أسمائهم على «اللوائح السوداء» واعتبارهم أشخاصا غير مرغوب فيهم وممنوعين من الوصول إلى مطار اللد، فقد فوجئ مواطن هولندي كان يفترض به الوصول ضمن إدارة شركة الأدوية الألمانية «مارك» لتدشين «دفيئة تكنولوجية»، بمنعه من الوصول إلى إسرائيل وإلغاء تذكرة السفر بدعوى وضع اسمه على اللائحة السوداء.

ونقلت الصحيفة عن موظف إسرائيلي رفيع المستوى قوله إن هذه الحالة للمواطن الهولندي لم تكن الوحيدة، وإن كثيرين من المواطنين الأجانب الذين لا علاقة لهم بالحملة قد وضعوا على اللوائح السوداء التي أعدت بإيعاز من جهاز الأمن العام «الشاباك» دون أن تتوفر عنهم أي معلومات استخبارية محددة تربطهم بمنظمي الحملة. وقام قسم المخابرات في الشرطة الإسرائيلية وجهاز «الشاباك» بإعداد هذه القوائم التي شملت مجموعتين، الأولى مكونة من 460 مواطنا أجنبيا جمعت إسرائيل عنهم معلومات تؤكد أنهم نشطاء في تنظيم الحملة، أما المجموعة الثانية فمكونة من 270 مواطنا أجنبيا وصلوا إلى إسرائيل في الحملة في العام الماضي، وقد تم إدراج هؤلاء في قوائم سوداء منع أصحابها من دخول إسرائيل لمدة عشر سنوات، لكنهم أضافوا أسماء 470 مواطنا أجنبيا في نهاية الأسبوع الماضي من دون أن تتوفر عنهم معلومات تؤكد أنهم مشاركون في الحملة.

وقالت الصحيفة إن مصادر في الخارجية الإسرائيلية انتقدت نشاط جهاز الأمن العام الإسرائيلي والأضرار الهائلة التي لحقت بإسرائيل في العالم جراء هذه القوائم، إذ ظهرت إسرائيل في العالم باعتبارها دولة عصبية وهستيرية تخاف من مجموعة صغيرة العدد من الناشطين الفوضويين ولا تعرف كيف تتعامل معهم. ونقلت «هآرتس» عن مصدر رفيع المستوى في الخارجية الإسرائيلية قوله إن غالبية الجهات التي تولت موضوع الحملة الدولية لا تدرك حجم الضرر الذي سببته لإسرائيل، وإن الخطأ بدأ بداية من المجلس الوزاري المصغر الذي أوكل هذه المهمة لوزارة الأمن الداخلي ولجهاز الأمن العام «الشاباك». وبحسب هذا المسؤول فما حدث هو في الواقع تكرار لما حدث خلال مواجهة أسطول الحرية واقتحام سفينة مرمرة، إذ «تعاملنا مع حدث ونشاط سياسي إعلامي كحدث أمني، وعالجناه بأدوات أمنية، وكأن الحديث يدور عن إنذارات بتفجير طائرة وليس مظاهرة». وردا على هذه الاتهامات نقل الموقع عن مصادر في مكتب نتنياهو قولها إن هذه الاستعدادات الكبيرة هي التي حالت دون وصول مئات المتضامنين إلى مطار اللد.