انتخابات الرئاسة: المرشحون يخشون تأجيلها.. والجيش يؤكد إجراءها في موعدها

مشاورات مكثفة للقوى السياسية المصرية لوضع معايير جديدة لتأسيسية الدستور

TT

بينما واصلت القوى السياسية في مصر مشاوراتها المكثفة لوضع معايير جديدة للجمعية التأسيسية للدستور، المكلفة بوضع دستور جديد للبلاد، قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، بعدما تمسك المشير محمد حسين طنطاوي بذلك في اجتماعه مع القوى السياسية قبل أيام، قال خبراء دستوريون إن المدة المتبقية قبل الانتخابات لا تكفي لصياغة دستور واضح وتوافقي.

وقال أحمد خيري، عضو المكتب السياسي لحزب المصريين الأحرار، إن الأحزاب المدنية ستعقد مفاوضات في ما بينها قبل الاجتماع مع حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين. وأكد خيري أن «المصريين الأحرار» متمسك بالحكم القضائي بعدم التمثيل البرلماني في الجمعية التأسيسية للدستور، بالإضافة لتمسكه بضرورة تمثيل كل أطياف المجتمع، وألا تكون هناك سيطرة من فصيل معين على الجمعية أو إقصاء لأي فصيل.

إلى ذلك، أكد عضو في المجلس العسكري الحاكم في مصر، أمس، أن انتخابات الرئاسة ستجرى في موعدها المحدد الشهر المقبل، بعد أن أبدى عدة مرشحين خشيتهم من تأجيلها إثر طلب رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي من قادة الأحزاب السياسية الأحد الانتهاء من وضع الدستور قبل إجراء هذه الانتخابات.

وقال عضو المجلس العسكري اللواء ممدوح شاهين، أثناء جلسة للبرلمان خصصت لبحث مشروع تعديل قانون القضاء العسكري لإلغاء مادة فيه تتيح لرئيس الجمهورية إحالة المدنيين للقضاء العسكري، إن «الانتخابات الرئاسية ستجرى في موعدها».

ويأتي تصريح اللواء شاهين بعد أقل من 48 ساعة من اجتماع عقده المشير طنطاوي مع رؤساء الأحزاب الممثلة في البرلمان، ودعا فيه، وفق العديد من الذين حضروا هذا الاجتماع، إلى الانتهاء من الدستور قبل إجراء انتخابات الرئاسة حتى تكون صلاحيات الرئيس المقبل واضحة ومحددة.

وأعرب عدة مرشحين، من بينهم الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى والقيادي الناصري حمدين صباحي والمرشح اليساري خالد علي، عن قلقهم من أن يؤدي اشتراط الانتهاء من الدستور قبل إجراء الانتخابات الرئاسية إلى تأجيلها بسبب صعوبة التمكن من الانتهاء من تشكيل اللجنة التأسيسية وكتابة الدستور والاستفتاء عليه قبل الجولة الأولى للانتخابات المحدد لها 23 مايو (أيار) المقبل. ودعا موسى على حسابه على موقع «تويتر» إلى الالتزام بإجراء الانتخابات في موعدها وإلا «ستكون هناك عواقب وخيمة خصوصا من الناحية الاقتصادية». وأضاف موسى «من الصعب إنهاء الدستور خلال أسابيع قليلة خصوصا في ظروف الاستقطاب التي تشهدها مصر»، في إشارة إلى الخلافات الحادة التي نشبت بين الأحزاب الإسلامية والسلفية والأحزاب الليبرالية واليسارية خلال الأسابيع الأخيرة، بعد قيام البرلمان، الذي يسيطر حزب الحرية والعدالة (منبثق عن «الإخوان المسلمين») وحزب النور السلفي على 70 في المائة من مقاعده، باختيار لجنة تأسيسية تخضع لهيمنتهما. وأصدرت محكمة القضاء الإداري الأسبوع الماضي حكما ببطلان تشكيل هذه اللجنة التأسيسية، مما يتطلب مشاورات جديدة بين مختلف الأحزاب لاختيار لجنة جديدة من مائة عضو.

ونقلت صحيفة «الدستور» المستقلة عن رئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق، المرشح للانتخابات، قوله إن «تأجيل الانتخابات الرئاسية وعدم تسليم السلطة في نهاية يونيو (حزيران) المقبل (وفقا لما تعهد به المجلس العسكري) يدخل البلد في فوضى». وقال المرشح حمدين صباحي في بيان إن «التلويح بتأجيل انتخابات الرئاسة غير مقبول بأي شكل من الأشكال، فهناك موعد محدد معلن وملزم لتسليم السلطة لرئيس منتخب، والشعب المصري الذي تحمل أكثر من عام ونصف العام من سوء إدارة المرحلة الانتقالية من أجل تلك اللحظة التي ينتخب فيها رئيسه هو الشعب الذي لن يسمح أبدا لكائن من كان بأن يطيل مجددا من الفترة الانتقالية أو يؤجل تسليم السلطة».

من جانبه، قال المرشح خالد علي، في بيان أصدره أمس، إنه لا يرى «أي أسباب منطقية وراء كل هذه العجلة في وضع الدستور»، واعتبر أن «تمسك المجلس العسكري بوضع الدستور قبل تسليم السلطة يؤكد شكوكنا حول رغبة المجلس في وضع مواد تحصنه ولا تعرضه للمساءلة والحساب، وكذلك إعطاء امتيازات خاصة له للحد من سلطات وصلاحيات الرئيس القادم».

إلى ذلك، تعقد الأحزاب السياسية المدنية اجتماعا لها اليوم للتوافق على موقف موحد بشأن معايير وضوابط اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور. وكانت المحكمة الإدارية العليا قضت ببطلان تشكيل الجمعية بالمناصفة بين البرلمان والشخصيات العامة، حيث كانت التيارات الإسلامية سيطرت على أغلبية مقاعد الجمعية مما أثار موجة من الانسحابات منها.

وقال أحمد خيري لـ«الشرق الأوسط»: «رؤيتنا أن تكون كل القوى الحزبية ممثلة بنسبة 25 في المائة فقط من الجمعية التأسيسية وبطريقة متوازنة». وأوضح أن الأحزاب المدنية لم تدخل في أي مفاوضات أو نقاشات جادة مع حزب الحرية والعدالة، وأن كل ما تم لا يعدو كونه مجرد مناقشات عادية.

ويعتقد معتز محمد، رئيس حزب الحرية، أن اجتماع القوى السياسية البرلمانية غدا الخميس سيواجه مشكلة غياب الثقة بين الأحزاب والتيارات السياسية المختلفة. وقال معتز «على الحرية والعدالة أن يؤمن أولا بأن الدستور توافقي، وعليه يمكن المناقشة والحوار والوصول لحلول». ويقترح معتز أن تتشكل الجمعية من عضو من كل حزب سياسي ممثل برلمانيا، بالإضافة إلى ممثلين للهيئات والمؤسسات الكبرى، على أن تمثل الشخصيات العامة باقي أعضاء الجمعية».

وقال معتز لـ«الشرق الأوسط»: «الأحزاب المدنية ستتوصل لاتفاق في ما بينها، لكن المهم أن يحدث التوافق مع الحرية والعدالة»، مضيفا «الكرة الآن في ملعب الحزب الإخواني».

ويعتقد الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن حديث المشير طنطاوي عن إعداد الدستور قبل الانتخابات ليس شرطا واجب التنفيذ بقدر ما هو رغبة في الانتهاء منه قبل تسليمه السلطة. ويأتي هذا فيما تبرأت جماعة الإخوان المسلمين في بيان لأمينها العام الدكتور محمود حسين أمس من مبادرة للقيادي بحزبها السياسي محمد البلتاجي، الذي دعا إلى وضع حل للجمعية التأسيسية عبر عدم الغلو في نسبة تمثيل المجلسين، واعتماد معايير وقواعد للتشكيل مناسبة.

وقال الفقيه الدستوري محمد نور فرحات إن المدة المتبقية قبل الانتخابات البرلمانية والتي لا تتجاوز الأربعين يوما لا تكفي لإعداد الدستور. وقال فرحات «إعداد الدستور عملية توافقية تنطوي على تحديد مواقف محددة من قضايا مختلفة، وبالتالي لا يمكن إنجازها في تلك الفترة الضيقة». وأوضح أن قضايا مثل الحريات وهوية الدولة وتحديد اختصاصات السلطات الثلاث تحتاج وقتا كبيرا للمناقشة للخروج بنصوص دستورية واضحة ومحصنة، قائلا «العجلة في وضع الدستور ليست في مصلحة أحد».

ويقترح فرحات أن يتم الاتفاق على المبادئ الرئيسية للدستور ثم تطرح للمناقشة قبل إجراء الانتخابات الرئاسية التي تجرى وفقا للمبادئ الدستورية، ومن ثم تتم صياغة الدستور الجديد في وجود رئيس منتخب، وذلك للخروج من مأزق التعجل بإعداد دستور في وقت قصير.

ويعتقد الفقيه الدستوري عاطف البنا أن الاتفاق حول ضوابط ومعايير محددة ودقيقة أمر شديد الصعوبة، مشددا على أنه لا يمكن تمثيل كل الهيئات والجهات من شعب يبلغ عدده 85 مليون نسمة في جمعية قوامها 100 عضو، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «بهذا الشكل نحتاج جمعية تأسيسية تضم 10 آلاف عضو». ويشير البنا إلى أن الضوابط الجديدة يجب أن تراعي تمثيل الاتجاهات السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة في مصر بشكل متوازن.

ومن المقرر أن يعقد طنطاوي اجتماعا مشتركا آخر الأحد المقبل مع رؤساء الأحزاب ورئيسي مجلسي الشعب والشورى لاتخاذ الإجراءات لدعوة مجلسي البرلمان للاجتماع المشترك لتحديد أسس ومبادئ اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية الجديدة للدستور وفقا لما سيسفر عنه اجتماع القوى السياسية غدا الخميس، لكن مراقبين أعربوا عن خشيتهم من عدم توصل القوى السياسية لاتفاق وبالتالي دخول البلاد في نفق مظلم.