كرزاي يطرح رؤيته لـ«أفغانستان حديثة ومستقلة»

حاول تشبيه نفسه بزعيم تاريخي قاوم البريطانيين ودافع عن وصفه طالبان بـ«الإخوة»

جانب من الحضور الذين كانوا يستمعون لخطاب كرزاي أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

طرح الرئيس الأفغاني حميد كرزاي في خطاب شامل تطرق فيه إلى أبطال بلاده على مدى 150 عاما الماضية، تصورا لأفغانستان حديثة ومستقلة ويمكنها الصمود أمام الاضطرابات الأمنية والتدخل الأجنبي. دافع كرزاي بصورة مؤثرة عن محاولاته الرامية للتواصل مع حركة طالبان، حيث حث المتمردين مرة أخرى على إلقاء السلاح إذا كانوا يرغبون بالفعل في التعجيل بانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان.

وفي الخطبة التي ألقاها الثلاثاء الماضي في الاحتفال بذكرى الملك أمان الله خان، وهو حاكم إصلاحي تولى مقاليد الحكم في عشرينات القرن العشرين، بدا أن كرزاي يحاول تصوير نفسه على أنه زعيم مشابه لخان، عن طريق تأكيد عزمه على قيادة البلاد نحو الاستقلال عن الهيمنة الأجنبية، سواء أكانت بريطانيا في الماضي أو الولايات المتحدة الأميركية في الوقت الراهن، وأيضا عن طريق تبني التعليم والتحديث بوصفه جزءا من تقاليد الزعامة.

وجاءت كلمة كرزاي، المتزامنة مع المحادثات الاستراتيجية الحيوية مع الغرب وبداية موسم آخر من القتال وشعور الأفغان بخيبة أمل كبيرة من الفساد الذي يضرب إدارته، بمثابة تعبير عن حالة من الرغبة الشخصية العميقة في إقامة أفغانستان موحدة تتطلع إلى المستقبل، على الرغم من استشهاده بالماضي. وقال الرئيس الأفغاني: «هناك العديد من أوجه الشبه بين الوقت الحاضر وزمن الملك أمان الله خان، فقد كانوا يرغبون أيضا في التنمية من جهة ويكافحون من أجل الحصول على الاستقلال من القمع البريطاني من الجهة الأخرى، في الوقت الذي يحاولون فيه حماية قيمة الحرية».

وأكد كرزاي على أن الشباب الأفغاني مصمم اليوم على صنع مستقبله، مضيفا: «هذه هي عجلة ثابتة تتحرك تدريجيا نحو المزيد من التنمية، ولكنها لن تتحرك أبدا للوراء. هذه محركات يديرها الشباب حيث توجد بها قوة لا يقف في طريقها البرد أو أي عقبات أخرى».

استخدم كرزاي كلاما عاطفيا في خطابه عندما تطرق إلى الهجمات الأخيرة التي شنتها حركة طالبان في العاصمة كابل، حيث أظهر الخطاب بوضوح المشاعر المتضاربة حول حركة التمرد المتأصلة في موطنه جنوبي أفغانستان بين الإثنية البشتونية، الذي ينتمي إليه.

وأعرب كرزاي عن أسفه لوقوع خسائر في الأرواح، سواء من المعتدين الذين ماتوا وهم يحاربون أو من أفراد القوات الأمنية الأفغانية الذين ماتوا وهو يدافعون عن المدنيين، وتبنى لهجة أبوية في الحديث عن كلا الجانبين، حتى عندما كان يعبر عن أسفه لقيام طالبان بإزهاق أرواح الناس.

وقال كرزاي: «من الواضح أن الخمسة وثلاثين شابا الذين جاءوا إلى أفغانستان على أنهم انتحاريون كانوا جميعا أفغانا، قد يكون بعضهم أجانب، لكنهم جميعا مسلمون على الأرجح. كانوا جميعا شبانا، وبدلا من أن يتعلموا ليصبحوا ملالي أو مدرسين أو أطباء أو مزارعين، قاموا بالانتحار. لم يفعلوا شيئا مفيدا لأنفسهم أو لعائلاتهم أو لبلدهم أو لدينهم، بل إنهم تسببوا في مقتل مسلمين آخرين».

وأشاد كرزاي بتضحيات أفراد قوات الأمن، حيث قال: «لقد دافع رجال الشرطة والجنود المنتسبون لوزارة الدفاع ووزارة الداخلية ومديرية الأمن الوطني، عن بلدهم وضحوا بأرواحهم بشجاعة. هناك ضحايا آخرون لتلك الهجمات، ألا وهم الآلاف من الأطفال الذين حرموا من الذهاب إلى مدارسهم في هذا اليوم والآلاف من الأسر التي تحطمت أفئدتها».

وعلى الرغم من ذلك، فإن كرزاي دافع عن محاولة التواصل مع طالبان ووصفهم بشكل متكرر بـ «الإخوة»، حيث أثارت تلك الإشارات غضب العديد من المواطنين الأفغان، لا سيما أولئك الذين فقدوا بعضا من أفراد عائلاتهم في الحرب ضد طالبان والذين شعروا أن القيود التي فرضتها طالبان على التعليم قد أدت إلى تدمير حياتهم.

ويضيف كرزاي: «يبدي بعض الناس غضبهم مني عندما أطلق على أحد أعضاء طالبان (أخي) في وسائل الإعلام، حيث يقولون: لماذا تصفهم بالإخوة؟ ولكني لن أتوقف عن هذا، وسوف أدعوهم بالأخوة مجددا حتى لو تعرضت للنقد».

ناشد كرزاي طالبان بصفتهم أفغانا أن يتوقفوا عن الحرب، مؤكدا أنه على الرغم من أنهم يزعمون الرغبة في خروج قوات حلف شمال الأطلسي من البلاد، فإن هجماتهم تعطي مبررا لقوات الحلفاء للبقاء. وقال كرزاي: «لقد عملتم مجددا على مساعدة الغرباء في البقاء في البلاد».

وتسبب كرزاي في زيادة القلق بين بعض من المستمعين إلى خطابه عندما قال في بداية الخطاب إن حركة طالبان مسؤولة عن أحداث يوم الأحد، ثم بدا أنه يتراجع عن ذلك، حين قال مخاطبا الحركة حول تلك الهجمات: «إن كنتم قمتم بها أم لا»، وهو ما أثار العديد من الأسئلة حول ما إذا كانت تلك بمثابة إشارة اعتذار أم إنه ربما يحاول إلقاء اللائمة على بعض الجماعات الأخرى.

ربما تعكس تلك التوجهات المتغيرة ومحاولات التودد إلى طالبان وجهات النظر المتضاربة لدائرة المستشارين المقربين منه، التي تضم زعماء مجاهدين سابقين من شمال أفغانستان، والذين يكنون قليلا من الود لطالبان، بالإضافة إلى بعض مؤيدي الغرب وبعض المقربين من باكستان، أو الذين تربطهم علاقات مع قادة طالبان السابقين. وتتمثل إحدى المشكلات التي تواجه كرزاي في ما إذا كان يتوجب عليه تبني حركة الشباب الأفغان الذين يتوقون إلى مستقبل أكثر تطلعا إلى الخارج أو استئصال ماضي البلاد المليء بالصراعات في كثير من الأحيان.

بدا كرزاي في كثير من الأحيان أنه يريد كلا المسارين معا في هذا الموضوع وبعض الموضوعات الأخرى، حيث إنه عندما كان يتطرق إلى الولايات المتحدة أثناء خطابه كان يبدي رغبته في التحرر من الأجانب، مخبرا حكومته بما يتوجب عليها القيام به، ولكنه كان أيضا يرغب في استمرار المساعدات الأميركية.

ويقول كرزاي: «نريد انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان بحلول عام 2014، ولكننا في الوقت نفسه نريد أن تربطنا علاقات وثيقة بهذا العالم». وأضاف كرزاي قرب نهاية خطابه أنه يريد أن يوفر على الأميركيين بعض الأموال عن طريق إرسال جنودهم إلى ديارهم، ولكن «ينبغي لهم أن يتركوا لنا بعضا من تلك الأموال» التي وفروها.

* خدمة «نيويورك تايمز»