وسط غضب مصري.. مجمع البحوث الإسلامية يستنكر زيارة المفتي إلى القدس

جمعة: ما كنت أستطيع رفض دعوة ملك الأردن.. ومسؤول إسرائيلي: تمت بالتنسيق مع وزارة الدفاع

الشيخ علي جمعة أثناء خروجه من مسجد قبة الصخرة خلال زيارته لمدينة القدس التي فجرت الجدل أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

عقب زيارته المثيرة للجدل إلى القدس، عاد إلى القاهرة صباح أمس الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية، لحضور جلسة طارئة لمجمع البحوث الإسلامية دعا لها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، لمناقشة مخالفة جمعة لقرار الأزهر الشريف بعدم زيارة القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي، وسط عاصفة من ردود الفعل الغاضبة للعديد من القوى السياسية والرموز الدينية في البلاد، فيما برر جمعة موقفه بقوله إنه ما كان يستطيع رفض دعوة ملك الأردن لزيارة القدس بالطريقة الميسرة التي قدمت له.

وأثارت زيارة جمعة للقدس جدلا واسعا، فقد استنكرت الزيارة العديد من القوى السياسية والتيارات الدينية في مصر وفلسطين، حيث وصفت الزيارة بأنها محاولة للتطبيع من الجانب الإسرائيلي، فيما أعلن مجمع البحوث الإسلامية في بيان له عقب جلسته الطارئة بمقر مشيخة الأزهر الشريف، أمس، رفض الأزهر الشريف لتطبيع العلاقات مع إسرائيل أو زيارة القدس والمسجد الأقصى وهما تحت الاحتلال الإسرائيلي.

وقال الدكتور عبد المعطي بيومي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، لـ«الشرق الأوسط»، إن أعضاء المجمع استمعوا إلى إيضاحات المفتي وملابسات الزيارة. وأضاف أن جمعة قال خلال الاجتماع الطارئ إن الزيارة كانت بصفة شخصية، وإنها زيارة غير رسمية، ولم يحصل خلالها على تأشيرة من سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وإنها كانت في إطار علمي لافتتاح مركز الإمام الغزالي بالقدس.

وقال جمعة في مؤتمر صحافي عقب اجتماع مجمع البحوث الإسلامية إنه «ما كان يستطيع رفض دعوة ملك الأردن لزيارة القدس بالطريقة الميسرة التي قدمت له»، موضحا أن زيارته للقدس كانت شخصية وغير رسمية ولم تمثل دار الإفتاء أو الأزهر الشريف. وتابع جمعة قائلا «أديت صلاة الظهر في المسجد الأقصى، ولم يكن علم إسرائيل مرفوعا فوق المسجد، ولم تختم السلطات الإسرائيلية جواز سفري، ولم يكن هناك أي وجود للإسرائيليين في المسجد الأقصى»، مؤكدا أن أهل القدس رحبوا بالزيارة، وأنهم يستغيثون بالمسلمين والمسيحيين في العالم العربي لدعم قضيتهم ماديا ومعنويا.

وردا على سؤال بشأن اعتبار الزيارة ضوءا أخضر للمصريين لزيارة القدس، قال جمعة إن «كل حالة لها ما فيها، وإن النادر لا يقاس عليه، وإن عدم ذهابنا للقدس وتركها للإسرائيليين جعلهم يعتبرون أنها ملك لهم»، مشيرا إلى أن «الآراء اختلفت، وأنه لا يجوز أن يخون أو يتهم بعضنا بعضا»، واصفا الزيارة بكونها «منة من الله».

وكان مفتي مصر قام بزيارة لمدينة القدس المحتلة تحت إشراف الديوان الملكي الأردني باعتباره المشرف على الزيارات المقدسة في القدس، ومن دون أي تأشيرات أو أختام دخول، برفقة الأمير غازي بن محمد ابن عم ملك الأردن ومستشاره الديني، لافتتاح كرسي الإمام الغزالي للدراسات الإسلامية بمدينة القدس، كما قام خلال زيارته للأراضي الفلسطينية بمقابلة وزير أوقاف القدس ومجموعة من كبار رجال الدين وعلماء المسجد الأقصى، كما قابل بطريرك كنيسة القيامة وزار قبر النبي موسى عليه السلام.

في المقابل، قال مسؤول سياسي كبير في الحكومة الإسرائيلية، لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إن زيارة كل مسؤول عربي كبير إلى القدس وأماكنها المقدسة تتم فقط بالتنسيق مع السلطات الإسرائيلية، التي توفر للزيارة أيضا حماية أمنية، وإن زيارة الأمير غازي وضيفه المفتي المصري هي أيضا خضعت لهذه الشروط.

وقال مسؤول إسرائيلي آخر لـ«الشرق الأوسط» إن زيارة الأمير غازي تمت بالتنسيق مع وزارة الدفاع الإسرائيلية، وإن أهدافها الأساسية كانت أداء الصلوات، وتدشين كرسي الإمام الغزالي للدراسات الإسلامية في مدينة القدس، وفحص مسألة جسر المغاربة، الذي يعارض الأردن هدمه.

وفي الأردن، اعتبر علماء شريعة أردنيون أن زيارة القدس أو المسجد الأقصى تمثل «اعترافا بأن فلسطين إسرائيلية»، مؤكدين في بيان لهم أمس أن «هذا التصرف خيانة لله وللرسول». وقالت اللجنة المركزية لعلماء الشريعة في حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، إن «مقدم الطلب لسفارة يهودية يعترف بأن فلسطين إسرائيلية يهودية اعترافا مكتوبا».

وبينما تجنبت القيادة السياسية في مصر التعليق على زيارة مفتي مصر للقدس، رحبت السلطة الفلسطينية بالزيارة، فيما هاجمتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي بقوة، وانقسم علماء المسلمين حولها.

وقال وزير الأوقاف الفلسطيني محمود الهباش إن «السلطة الوطنية الفلسطينية تثمن هذه الزيارة المهمة من قبل شخصية دينية كبيرة بحجم مفتي مصر الشيخ علي جمعة، الذي جاء لزيارة القدس باعتبارها فضيلة دينية، وضرورة سياسية، تحتمها الهجمة الاستيطانية الشرسة التي تتعرض لها المدينة المقدسة من قبل المستوطنين الذين يسعون يوميا لانتهاك حرمة المسجد الأقصى من خلال زياراتهم المتكررة، كمقدمة لتكريس وجودهم غير الشرعي داخل باحاته والصلاة فيه».

في المقابل، رفضت قيادات من حركة المقاومة الإسلامية حماس الزيارة، واعتبرتها اعترافا بشرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وقال نائب رئيس المكتب السياسي للحركة موسى أبو مرزوق إن «زيارة مفتي جمهورية مصر العربية للمسجد الأقصى المبارك وهو تحت سيطرة الاحتلال، تعني «الاعتراف بالاحتلال».

وأضاف أبو مرزوق، في بيان له «نحن نؤكد من جديد أن الزيارة تعني الاعتراف بالاحتلال، وتعني تطبيع العلاقات مع العدو، وإعطاءه شهادة أخلاقية، وتعني تشجيع السياسات الصهيونية المانعة لأهلنا بالضفة والقطاع من الصلاة في المسجد الأقصى، وتعني زيادة في قوة الاقتصاد الصهيوني».

وطالب أبو مرزوق علماء مصر برفض زيارة جمعة للقدس، كونها تعتبر «فتوى عملية بزيارة المسجد الأقصى الأسير»، وتابع «بكل أسف زيارة سيادة المفتي أعطت رسالة واضحة بادعاءات الصهاينة بضمان حرية الأديان، فزيارة وصلاة سيادة المفتي مع من يقتحم أبواب القدس من اليهود ليصلوا في باحات المسجد الأقصى هي الدليل على حرية الأديان المدعاة».

من جانبه، اعتبر عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي، نافذ عزام، زيارة المفتي المصري «أفضل خدمة للاحتلال الإسرائيلي بدرجة أساسية»، وقال إنها «لا تدعم صمود أهل القدس في شيء».

وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) قد جدد دعوته للمسلمين والعرب لزيارة مدينة القدس مطلع العام الحالي، الأمر الذي جدد الجدل بشأن القضية المثيرة للجدل. وترفض العديد من المؤسسات المصرية، وعلى رأسها مؤسسة الأزهر والكنسية المصرية، زيارة الأماكن المقدسة في القدس في ظل الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما دعا العديد من القوى السياسية والدينية لإدانة زيارة مفتي مصر للقدس.

واستنكرت جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية، حزب الحرية والعدالة المهيمن على أغلبية مقاعد البرلمان، زيارة المفتي إلى الأراضي المقدسة تحت أي ظرف، واصفين الزيارة بـ«الكارثية». وقالت الجماعة في بيان لها أمس إن زيارة جمعة «تمثل كارثة حقيقية وضربة موجهة للجهاد الوطني الذي نجح في إفشال كل محاولات التطبيع طوال السنوات الماضية». وطالب البيان بـ«محاسبة جمعة بالشكل الذي لا يسمح بتكرار مثل هذا الموقف»، معتبرا أن المفتي قد خالف كل الفتاوى الصادرة من علماء المسلمين ومن بينهم الأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية.

ودعا عدد من طلاب جامعة الأزهر ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي إلى تنظيم مظاهرة حاشدة أمس داخل جامعة الأزهر أمام مبنى الإدارة، للمطالبة بإقالة جمعة، فيما قام مساء أول من أمس عدد من طلاب جامعة الأزهر بالتظاهر داخل المدينة الجامعية احتجاجا على زيارة المفتي للقدس، ورددوا الهتافات «لا لا للتطبيع.. حق الأسرى مش هيضيع (لن يضيع)».

ومن جهته، قال مختار المهدي، رئيس مجلس إدارة الجمعية الشرعية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الجمعية الشرعية بأكملها رافضة لهذه الزيارة مهما كانت مبرراتها، ومنذ 7 أعوام ونحن نطالب بعدم السفر إلى الأراضي الفلسطينية وهي تحت الاحتلال الإسرائيلي».

وتوالت ردود فعل مرشحي الرئاسة في مصر، وأدان المرشح الناصري حمدين صباحي الزيارة، مطالبا بإقالة جمعة من منصبه، كما رفض الزيارة أيضا مرشحو الرئاسة المحسوبون على التيار الإسلامي. وقال الدكتور سليم العوا إنه من الأجدى العمل على تحرير القدس.

وفي غضون ذلك، بارك الحبيب علي الجفري، وهو مؤسس ومدير عام مؤسسة «طابة» للدراسات الإسلامية، والذي زار القدس مطلع شهر أبريل (نيسان) الحالي، زيارة المفتي.